استقطبت هذه المسألة اهتمام وسائل الإعلام السويسرية خاصة بعد الدعوة التي أطلقها نائبان إشتراكيان من أصول تركية في بازل (شمال سويسرا) في شهر فبراير الماضي، ثم طفا الموضوع على السطح مرة أخرى إثر إعلان قسم الخدمات الصحية والاجتماعية بحكومة ريف بازل (نصف كانتون) المحلية أنه بصدد وضع تصوّر مستقبلي لمرافق صحية واجتماعية تأخذ بعين الاعتبار الاحتياجات الخاصة بالمسنين المسلمين.
ولئن رفض فليكس بادار، رئيس قسم الرعاية طويلة الأمد بوزارة الصحة المحلية في حكومة ريف بازل خلال حديث إلى swissinfo.ch وجود مشروع مفصّل ومكتمل في هذا الإطار حتى الآن، إلا أنه أقر بوجود "تفكير جدي في هذا الإتجاه، وتخطيط مستقبلي".
وفي الوقت الحاضر، تشير التوقعات المتداولة على مستوى بازل أن يبلغ عدد المسلمين المتقدمين في السن الذين سيحتاجون إلى أماكن في مؤسسات رعاية المسنين في غضون 15 سنة أربع مائة (400) شخص على أقل تقدير.
الترحيب بالفكرة
لتقريب صورة هذه المؤسسات الخاصة من الأذهان، يقول بادار: "لدينا حاليا نظام خاص بإيواء المهاجرين المسنين من بلدان جنوب أوروبا كالإيطاليين والإسبان، موزّعين على مجموعات صغيرة تتشكل من حوالي 15 شخصا. وتتبع هذه المؤسسات نظام حياة يشبه إلى حد كبير النظام المتبع في بلدانهم الأصلية. كما توجد لدينا مؤسسة خاصة بالمسنين اليهود".
ويرجّح بادار، واضع هذا التصوّر، أن تخضع المؤسسات المرتقبة الخاصة بالمسلمين في المستقبل إلى "نفس النظام المعمول به في المؤسسة اليهودية، مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصية المسلمين على مستوى الأكل، واللباس، والممارسات الدينية، والعلاقة بين الجنسيْن".
وتستقبل دور رعاية المسنّين في سويسرا حاليا أعدادا قليلة جدا من المسلمين، ويرجع ذلك إما لأن هجرة المسلمين إلى سويسرا حديثة، وتغلب عليها فئة الشباب، أو لأن جزءً منهم يفضلون العودة إلى بلدانهم الأصلية بعد تقاعدهم من العمل. ثم، وهذا مهم أيضا، لأن التقاليد الإسلامية تلزم الأبناء والأحفاد برعاية الكبار في السن، والاعتناء بهم حتى الوفاة.
رغم ذلك، يعتقد عبد الحفيظ الورديري، مدير مؤسسة التعارف (يوجد مقرها في جنيف) أن فكرة تخصيص دور رعاية للمسنين المسلمين فكرة جيّدة، ويقول في تصريحات نقلتها عنه صحيفة "لاتريبون دي جنيف" يوم 5 يوليو 2011: "يظل هذا حلا ممكنا للأشخاص الذين ليس لديهم خيار آخر، أو الذين لا يمكنهم الاعتماد على عائلاتهم".
نفس الشيء تقريبا يذهب إليه الدكتور سليم سلامه، العضو الناشط في تنسيقية جمعيات الدعم الروحي بالمستشفى الجامعي في جنيف. وفي حديث مع swissinfo.ch أثار مفارقة صارخة يعيشها المسلمون في الغرب قائلا: "من جهة، نتمسك نحن المسلمون في الغرب بمفهوم العائلة المسلمة، والمنزلة الرفيعة التي يحتلها المسنّ في بنيتها، ونصرّ على بقائه قريبا من الأحفاد، ونعتقد بان الجنة توجد تحت أقدام الأمهات هذا من حيث المبدأ، ولكن من جهة أخرى، يتميّز الواقع الغربي المعاصر الذي نعيش ضمنه بالنزوع الفردي، حيث يكون الزوجان في الأغلب مُجبريْن على العمل كامل الوقت، وفي نفس الوقت يهتمان بالأبناء، كل ذلك يجعل من الصعب عليهما الإحتفاظ بمسنّ في البيت، وتوفير كل احتياجاته التي تزداد وتتعاظم مع تقدمه في العمر".
إنشاء مؤسسات خاصة؟...
هذا ما يؤكد الحاجة إلى هذا النوع من المرافق، لكن الآراء تختلف وتتعدد في كيفية تجسيده في الواقع بعد ذلك، إذ يخشى البعض من أن يؤدي هذا التوجّه في النهاية إلى خلق نظام مُواز لمؤسسات وهياكل الرعاية الصحية والاجتماعية القائمة، أو أن تؤدي خطوة مثل هذه إلى تعميق الانقسام بين فئات المجتمع الواحد.
لم يتأخّر الرد عن هذه الهواجس، حيث نقلت صحيفة "بازلر تسايتونغ" في عددها الصادر يوم 4 يوليو 2011 عن فليب فايبل، رئيس قسم الخدمات الطبية بكانتون ريف بازل، موجها كلامه إلى المتوجسين من الانعكاسات السلبية لتوجه من هذا القبيل على وحدة المجتمع قوله: "لا يمكن أن يكون هذا التبادل الثقافي مجديا، إذا بدأ فقط عندما يصبح المهاجرون متقدمين في العمر، ويحتاجون إلى دور للرعاية".
كذلك ينفي فليكس بادير المزاعم القائلة بأن هذا النظام الخاص يخلق مؤسسات مُتقوقعة على نفسها، ويقول: "الوحدات الخاصة التي نفكّر في إنشائها سوف تكون ضمن مؤسسات عامة تشتمل على فئات مختلفة مندمجة في إطار أشمل، لا تفصلها أي حواجز، وتتوفّر فيها كل شروط التواصل مع الآخرين".
وهذا ما يتفق إلى حد ما مع ما يذهب إليه أيضا الورديري الذي لا يرى أي مشكلة في وجود وحدات صحية لرعاية المسنين المسلمين بشرط "بقاء هذه المؤسسات مفتوحة لمن يريد الإلتحاق بها والخضوع إلى نظامها الداخلي من أتباع الديانات الأخرى، أو من أي فئات إجتماعية أخرى".
...أم تكييف النظام الحالي
هذه المبررات لا تبدو كافية لإقناع الدكتور سليم سلامه الذي يقول: "نحن في جمعية الدعم الروحي بجنيف نعارض إنشاء مؤسسات رعاية خاصة بالمسنين تقتصر على المسلمين فقط، أو تقوم على الفصل بين نزلائها على أساس ديني او عرقي، لأننا نرى، ومن وحي تجربتنا، أن هناك الكثير يمكن القيام به في ظل احترام تام للخصوصية الإسلامية من داخل المؤسسات القائمة" في سويسرا. وبدلا من إنشاء مؤسسات خاصة لرعاية المسنين المسلمين، يشدد سلامه على "ضرورة إستثمار الجهد في تكييف الأنظمة الصحية القائمة".
وفي رد عن سؤال حول ما يعنيه بـ "تكييف الأنظمة القائمة"، يجيب: "هو أن يستحضر الإطار الطبي عند تعامله مع المُسنّ او المريض المسلم جملة الأشياء التي يمكن أن تستفزّ مشاعره فيتجنّبها، سواء بالتزام الحذر عند التعامل مع بدنه، أو توفير الأكل الحلال له، أو السماح له بحرية الإختيار على الأقل، أو توفير المرافقة الروحية اللازمة للمرضى الذين يعانون من أمراض خطيرة أو في الأطوار الأخيرة من حياتهم...".
يظل هذا الموضوع مفتوحا على تطوّرات محتملة مهمة. إذ أن طرحه في سنة انتخابية يفتح الباب لاحتمال التوظيف السياسي من هذه الجهة أو تلك، كما أنه يترافق في ظل حديث عن مساع تقوم بها منظمات إسلامية لتوحيد جهودها في هيئة واحدة من أجل خدمة مصالح الأقلية المسلمة على المستوى الفدرالي، ومن ذلك مصالح المسنّين الذين سيتكاثر عددهم على المدى المتوسط.
مع ذلك، يؤكد العمل الذي يقوده كانتون ريف بازل لمعالجة ظاهرة لن تطفو على السطح في المجتمع السويسري إلا بعد 15 سنة على الأقل، ما تتمتع به هذه الإدارة من قدرة على استشراف التحديات وحسن التخطيط لظواهر المستقبل المرتقبة.
12-07-2011
المصدر/ موقع سويس أنفو