ونظرا لأن القانون الفرنسي لا يسمح للدولة العلمانية بتمويل أماكن العبادة سوى بقدر ضئيل من المخصصات البلدية، أسهمت دول عربية وإسلامية في تأمين تكلفة البناء، والتي كانت مقدرة بنحو 5 ملايين يورو، لكنها وصلت، حتى الآن، إلى أكثر من 8 ملايين. وكانت المملكة العربية السعودية في مقدمة المساهمين، إلى جانب المملكة المغربية، منذ بدء الأعمال التمهيدية للمسجد عام 2007. كما قدمت الجالية الإسلامية المحلية ما في وسعها تقديمه من تبرعات لتحقيق حلمها القديم. وطوال الأعوام الثلاثة الماضية، كان مسلمو ستراسبورغ يأملون في أداء صلاة العيد في مسجدهم الكبير، بعد أن كانت المفاوضات مع البلدية قد استمرت 11 عاما للحصول على موافقتها وتخصيص قطعة أرض له. لكن الأعمال تأخرت إلى أن أصبح المسجد مؤهلا لاستقبال المصلين، أخيرا، مع أول أيام شهر رمضان المبارك.
كان تشييد مئذنة عالية للمسجد هو واحد من الإشكالات التي عرقلت التنفيذ، نظرا لاعتراض ناشطي اليمين المتطرف. لكن عمدة المدينة، والسلطات الفرنسية، حسمت أمرها وأقرت بناء المئذنة. لكن تشييدها لن يبدأ إلا مع استكمال جمع المنح اللازمة لأن القائمين على المشروع أعطوا الأولوية لقاعة الصلاة، للحاجة الملحة لها. وفي انتظار المئذنة، تعلو المسجد قبة مكسوة بالبرونز، تزن 135 طنا وتنسجم مع الطراز المعماري القديم لصروح المدينة الواقعة على ضفة نهر الراين، في قلب القارة الملقبة بالعجوز.
وحتى مساء أمس، كان العمال يقومون بالتشطيبات الأخيرة لفرش الأرضية بالسجاد ونصب مكبرات الصوت استعدادا لتدشين المسجد واستقبال المصلين طوال الشهر الفضيل، وبعد ذلك تستكمل باقي الأعمال تمهيدا للافتتاح الرسمي في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. ولا يخفي المشرفون على المشروع أنهم يعولون على أريحية مسلمي المدينة خلال رمضان المبارك لجمع المبالغ اللازمة للأشغال التكميلية.
يقيم في المدينة الواقعة في مقاطعة الألزاس، على الحدود مع ألمانيا، عدد يتراوح ما بين 350 و400 ألف شخص، بينهم 40 ألف مسلم. وتحتضن المدينة جانبا من مقر البرلمان الأوروبي، ومقر المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. لذلك تلقب ستراسبورغ بـ«عاصمة أوروبا». وهي قد ظلت تعاني من نقص أماكن العبادة لجاليتها الإسلامية الكبيرة، حيث لم يكن يوجد فيها سوى مسجد كبير واحد شيدته الجالية التركية ويتسع لألف مصل، وقاعة ثانية يقصدها المؤمنون للصلاة، تتسع لنصف هذا العدد، وهي في الحقيقة مصنع قديم للأطعمة المحلية. وقبل هذه القاعة المهجورة، كان المسلمون الذين هاجروا إلى المنطقة منذ عقود بعيدة يصلون في غرفهم المتواضعة والضيقة وفي مرائب السيارات، قبل ازدياد العدد واضطرار بعضهم لأداء صلاة الجمعة على الأرصفة وفي الحدائق العامة.
وما زال مسلمو ستراسبورغ ينتظرون خطوات إضافية، مثل تخصيص مقبرة إسلامية لموتاهم، في العام المقبل. أما في الخريف فمن المؤمل افتتاح فرع في جامعة المدينة لتأهيل الأئمة.
3-08-2011
المصدر/ جريدة الشرق الأوسط