كان يونس في الرابعة عشرة من العمر عندما أصدرت إدارة مدرسته حظراً على أداء الصلاة في فناء المدرسة. وبعد مرور عامين على هذه القضية يظل الجدل قائما في ألمانيا حول مشروعية هذا القرار، الذي اتخذ لاحقا طابعاً قانونياً، بعدما رفع يونس دعوى ضد قرار المدرسة وبعد صدور قرار من المحكمة الإدارية في برلين يؤكد حظر الصلاة داخل المدارس. وفي إطار الإستئناف تم تحويل القضية إلى المحكمة الإدارية العليا بمدينة لايبزيغ للبث في هذا الموضوع.
قضية دينية تحولت إلى سياسية
رغم أن المسلمين يشكلون جزءاً مهما من النسيج الاجتماعي في ألمانيا، فإنها المرة الأولي التي تتعاطى فيها المحاكم الألمانية مع هذا الموضوع. ويقول أيمن مزيك، الأمين العام للمجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا، وهو عبارة عن اتحاد لعدد من المنظمات الإسلامية في ألمانيا، أن كلا الطرفين المتنازعين، أي التلميذ المدعي والمدرسة المدعى عليها، أعطيا للقضية حجما أكبر منها، حيث إن إحالة القضية على السلطات القضائية أعطى للموضوع طابعاً سياسياً. ويضيف مزيك، بأن مثل هذه الأمور كان يجب أن تحل بصورة عملية وودية في وقت سابق.
وهذا ما تؤكده أيضاً سابينه دامير جايلسدورف، الباحثة في الدراسات الإسلامية بجامعة بون، حيث إنها ترى أن تطبيق طقوس أداء الصلاة اتسم حتى الآن بصورة عملية، لأن الإطار الزمني لأداء هذه الفريضة مفتوح ولا يقوم على تطبيق التوقيت بالدقائق، كما إن عددا كبيرا من العلماء المسلمين ومن المدارس الدينية يجيز تأخير أداء الصلاة أو الجمع بين صلاتين في حال الضرورة وحسب ظروف عمل المصلي.
حيادية الدولة مقابل حرية ممارسة العقيدة
الباحث في الدراسات بالكلية الإنجيلية في برلين، رالف غضبان، يرى أيضا أن المسلمين في ألمانيا مارسوا منذ الستينيات شعائرهم بصورة عملية، حيث كان بإمكانهم أداء الصلاة أثناء أوقات العمل، طالما لم يؤثر ذلك على سير العمل. ويرى غضبان أن أداء الصلاة في المدرسة لايشكل قضية دينية بل سياسية، كما يعتبر النقاشات في هذا الشأن وسيلة يقوم بها البعض من أجل الضغط على مجتمع الأغلبية غير المسلمة. غير أن البروفسور في القانون العام بجامعة مونستر، فابيان فيتريك، يعتقد أن المشكلة تكمن في وجود تصادم بين مبدئيين دستوريين، يتجلى في أن الحرية الفردية للتلميذ في أداء الصلاة تتناقض مع مبدأ حيادية الدولة تجاه أي فكر أيدلوجي أو مذهب ديني داخل المدرسة.
منظمات إسلامية تبحث عن ثغرة قانونية؟
في طريق البحث عن حل لهذه الإشكالية يجب العمل من أجل التوصل الى صيغة متوازنة تجمع بين مبدأ الحياد الديني للدولة ومبدأ حرية الأفراد في ممارسة شعائرهم العقائدية. بالنسبة لدول مثل فرنسا وتركيا ما كانت هذه القضية لتكون موضع نقاش بسبب الفصل الصارم بين الدولة والدين. ويعتقد رالف غضبان أن المنظمات الإسلامية في المانيا، تحاول استغلال الثغرة القانونية القائمة من أجل أسلمه بعض القضايا. غير أن أيمن مزيك، الأمين العام للمجلس الإسلامي الأعلى في ألمانيا، يرفض مثل هذه الاتهامات، مشيرا إلى أن منتقدي الإسلام المتعصبين هم الذين أعطوا للقضية حجما أكبر مما تستحقه. كما يؤكد مزيك على مبدأ حرية الأفراد في ممارسة عقائدهم الدينية كما هو في الدستور الألماني.
لا إكراه في الدين !
من جهته يعتقد الباحث القانوني، فابيان فيتريك، أن حيادية الدولة تدعو الى التزام الدولة بمبدأ المساواة الكاملة. ويعني ذلك أنه يجب السماح للجميع بأداء الصلاة أو منع الجميع من ذلك. وكانت المدرسة التي حظرت أداء الصلاة بداخلها قد بررت هذه الخطوة بتخوفاتها من أن يتولد لدى كل التلاميذ إحساس بضرورة مشاركة زملائهم في القيام بالصلاة مما قد يشكل ذلك ضغطا معنويا و تهديدا للسلام الاجتماعي يبن الطلبة. لكن الباحثة في الدراسات الإسلامية، دامير جايلسدورف، ترى أن تخصيص غرفة للصلاة، لا يتعارض مع حيادية المدرسة، طالما يكون الطلبة غير مجبورين على القيام بهذه الشعائر.
ومع تباين الآراء داخل المجتمع الألماني في هذا الموضوع يبقى قرار المحكمة الإدارية العليا في ألمانيا مهماً في هذه الموضوع. غير أن قرارها لن يكون فاصلا، حيث يمكن للأطراف المتنازعة نقض قرار هذه المحكمة العليا أيضا والتوجه إلى المحكمة الدستورية الاتحادية في كارلسروه، والتي ستقول كلمتها النهائية كأعلى سلطة قضائية في ألمانيا.
28-09-2011
المصدر/ موقع دوتش فيله