المعرض الذي افتتح، أمس، ويستمر حتى الثاني عشر من الشهر المقبل، في مكان راق وجميل يدعى «فيللا إيميريج»، وهي صالة جديدة للعرض تقع في الدائرة السادسة عشرة من باريس، يرتادها جمهور من المثقفين والمهتمين بالفنون العالمية، وهي تحتوي على رسوم زيتية ومنحوتات وأعمال فوتوغرافية وبصرية، وتجهيزات تعكس هواجس عالم في طريقه للتحول، تهب عليه رياح ثورات عارمة تطالب بهواء نقي بعد طول فساد واحتباس. إنها النظرة الخاصة لكل واحد من هؤلاء الفنانين والفنانات، عما يجري من حولهم، في البلاد التي ولدوا فيها وما زالوا، أو تلك التي انتقلوا للإقامة فيها بحثا عن مساحة تعبيرية أرحب.
في تقديمه للمعرض، يكتب باسكال آمل، أن الفنانين العرب هم، في نظره، فنانون قبل كل شيء. وبغض النظر عن السياقات التي جاءوا منها، فإن أعمالهم تصبح عالمية طالما أنها تنطوي على قدر كاف من الحرية، وهو، كمشرف على المعرض، قد راق له أن يختار تلك الأعمال التي «تمكن رؤيتها من ضفتي البحر الأبيض المتوسط»، أي التي تجمع بين المحلية والفضاء المفتوح.
تلفت النظر بين الأعمال المعروضة، لوحة الفنان اللبناني أيمن بعلبكي التي باتت شهيرة من كثرة ما شاهدناها منشورة في الصحف، وهي لرجل يخفي نصف وجهه وراء كوفية تشبه الحديقة المطرزة بالدم والأزهار. ويعمل الفنان ما بين بيروت وباريس، ولوحاته تنطوي على الكثير من تأثيرات طفولته التي ترافقت مع اندلاع الحرب في وطنه.
وهناك عملان للمغربية نجية محاجي التي تقيم ما بين باريس والصويرة، وفي اللوحتين ضربات قوية باللون الأبيض لفرشاة عريضة تتحرك بما يشبه الخط العربي، وتدور في حركة لولبية مثل دوران الدراويش حول أنفسهم، وليس غريبا أن تطلق الرسامة على عمليها تسمية «رقصة صوفية»، فهذه الفنانة التي بدأت الفن عاشقة للمسرح وانضمت إلى فرقة المسرحي بيتر بروك، عادت إلى مدينتها، الصويرة، في المغرب، لترسم فضاءات تبدو كأنها تجسد علاقة الأرضي بالسماوي. كما نشطت نجية من أجل تمكين النساء من أخذ مواقعهن في الحركة الفنية، وأقامت معارض كثيرة في بلدها وفرنسا، وكانت أعمالها تسير بالضد من تيار الحروب والنزاعات التي أفسدت العالم.
لا يمكن للمشاهد إلا أن يتوقف عند تشكيلات السورية ليلى مريود التي تفاجئنا، في مراحل متعددة من مسيرتها الفنية، بجديد ومختلف في كل مرة. وهي بعد أن انشغلت بالتصاميم والحلي، تعود إلى أرض الرسم عبر عدة تشكيلات محفورة لامرأة مستلقية تصارع هواجسها وأستارها، بعنوان «تحت ظل السنين». وعلى صعيد مختلف، لا يمكن للزائر سوى أن يتأمل طويلا لوحة «المرأة المحاربة» للفنانة المصرية نرمين همام، حين تحمل شخصية اللوحة بندقية وراء ظهرها وينبت لها جناحان لا يعيقان فستانها الملون الجميل ولا تسريحتها التي تذكرنا بالمناضلة الأميركية السوداء أنجيلا ديفيز، في حقبة السبعينات من القرن الماضي.
17-10-2011
المصدر/ جريدة الشرق الأوسط