برلين- الألمان والإسلام - استسلام أم تحريض؟
عرف الإعلام الألماني نوعا من المد والجزر فيما يتعلق بالموقف من الإسلام، أما المجتمع الألماني فإنه منقسم بشدة فيما يتعلق برؤيته للمهاجرين ودينهم، لكن بين هذا وذاك تزداد المعرفة بهذا الدين ومعرفة هذا الطرف بالطرف الآخر، وفق ما يوضحه غريغور تكاتشر.
بدا في السنوات الأخيرة كما لو أن نقد الإسلام وليس الإسلام هو من يحظى باهتمام المجتمع الألماني. لقد تم التعامل بحذر مع أي نقد للإسلام داخل هذا المجتمع، لأن أغلب الإعلاميين كانوا يخشون الوقوع في فخ العداء للأجانب. تعدد الثقافات والتسامح كانت قيما يدافع عنها اليسار في وقت استلم المعسكر المحافظ مهمة الدفاع عن "ثقافة رائدة" أو عن "الثقافة الألمانية الرسمية"، لكن الصراع العالمي مع الإسلام فتح الباب على مصراعيه في ألمانيا أمام نقد الإسلام. وكان على رأس منتقديه شخصيات ذات خلفية ليبرالية وتحررية، رأت أن الإسلام لا يملك القدرة أو الميل للقبول بمبادئ المجتمع الديمقراطي المتنور، من بينها عالمة الاجتماع من أصل تركي نيكلا تشيليك وآليس شفارتسر، التي تعتبر من رموز الحركة النسوية في ألمانيا، والاشتراكي الديمقراطي تيلو سارازين، والإعلاميين من أصل يهودي رالف جيوردانو وهنريك برودر.
تعددية ثقافية محافظة
لكن يبدو الأمر منطقيا الآن أن يتم الرد على دعوى "استسلام" الألمان أمام الإسلام كما طورها الإعلامي المحافظ برودر ، بالتحذير من هؤلاء المحرضين على هذا الدين، كما فعل باتريك بانرس، رئيس الملحق الثقافي في صحيفة فرانكفورته ألغماينه في كتابه الأخير، مدافعا عن نوع من التعددية الثقافية المحافظة، التي لا تنظر إلى الدولة كأكبر المربين وتقبل بداخل المجتمع مختلف التوجهات القيمية، لكن في إطار احترام القوانين القائمة، وحتى تلك التوجهات التي تثير الشك فيما يتعلق بقبولها بالمبادئ العلمانية الغربية. لكن بانرس لا يشكك بالمخاطر التي يمكنها أن تنتج فعلا عن إسلام سياسي راديكالي، إلا أنهه ينتقد تلك الآراء التي ترى أن "أتباع أحمدي نجاد والقاعدة" يخوضون حربا خفية في المجتمع الألماني. مدافعا عن إسلام الأغلبية التي لا ترفض الإندماج بهذا المجتمع ومؤكدا بأنه في ألمانيا يتم ، وبشكل متطرف وفي غربة عن الواقع، أخذ الأغلبية المسلمة بجريرة الأقلية.
الإسلام جزء من المجتمع الألماني
يعتقد بانرس أن أغلبية المسلمين هنا يفكرون بالطريقة نفسها التي يفكر بها إمام بافاريا بنيامين ادريس. وقد عبر ادريس عن أفكاره في كتابه :"سلام الله عليك: سيدي الإمام". حيث حاول البرهنة على أن الإسلام أصبح جزءا من المجتمع الألماني، بل إنه يدافع عن قبول الإسلام للديمقراطية وحقوق النساء. إنه بذلك يلتقي مع مسلمات مثل لاميا قدور التي أكدت كلامه واعتبرته جزءا من الحياة اليومية لأغلبية المسلمين. لقد عملت قدور على إصدار كتاب تعليمي في مادة التربية الإسلامية باللغة الألمانية كما أنها أسست اتحاد الإسلام الليبرالي، والذي من شأنه أن يوضح بأن الاتحادات الإسلامية التقليدية تفتقد إلى شعبية في أوساط المسلمين، وللأسباب نفسها يعمل في كولونيا منذ سنوات معهد لبحث وضعية المرأة في الإسلام، تسعى العاملات فيه إلى تطوير ثيولوجيا إسلامية نسوية.
لكن من هو المسلم؟
يقول منتقدو الإسلام بأن هذه الظواهر مجرد استثناء، طبعا إن ألمانيا تفتقد إلى معلومات دقيقة عن الإسلام. والمشكلة تبدأ أولا من تحديد عدد المسلمين في هذا البلد، فأرقام المكتب الاتحادي للاجئين والمهاجرين الصادرة عام 2009 تقدرهم بأربعة ملايين وخمسمائة ألف. لكن من هو المسلم؟ ولأن الجمعيات الإسلامية والمساجد لا تتوفر على لائحات بهذا الشأن بعكس ما هي الحال عليه لدى الجمعيات الدينية المسيحية، فإنه يتم اعتبار كل شخص ينحدر من الدول الإسلامية مسلما. لكن ضد ذلك أيضا تأسست منطمة جديدة، تحمل إسم المجلس الأعلى للمسلمين السابقين، يرفض أعضاؤها ربطهم بالإسلام بسبب انحدارهم من بلد يدين بالإسلام. ويبلغ تعداد أعضاء أكبر منظمة إسلامية في ألمانيا: ديتيب، ما يقارب مائة وخمسين ألف عضو، في حين يبلغ أعضاء ميلي غوريش ما يقارب سبعة وعشرين ألفا، في حين يقل عدد أعضاء المنظمات الأخرى عن ذلك. فأغلبية المسلمين مرتبطة بالإسلام كدين ولكن ليس كمشروع سياسي. كما لا يوجد إسلام واحد في ألمانيا، بل حسب بيانات مؤسسة ريميد، المهتمة بالشأن الديني في ألمانيا، يعيش في هذا البلد ما يقرب مليونين ونصف مليون سني وأربعمائة ألف من أعضاء الطائفة العلوية الذين لا يمكننا حسابهم على الإسلام السني التقليدي. وإلى جانب الاختلاف الديني هناك أيضا اختلاف إثني، فالمسلمون من تركيا أو من الدول الإفريقية لا علاقة لهم بالإسلام السعودي.
كتب مملة عن الإسلام
الكتب المستقبلية عن الإسلام ستكون مملة" يتنبأ توماس ليمن الذي كان يعمل رئيسا للجمعية المسيحية ـ الإسلامية في ألمانيا. وهو يرجع الكتب المثيرة حول الإسلام التي صدرت في السنوات الأخيرة إلى ضعف في علوم الإسلاميات في الغرب، التي فهمت وظيفتها لوقت طويل كعلم استشراق محض، ولم تهتم بحياة المسلمين خارج بلدانهم. وقد سد الثغرة أشخاص نصبوا أنفسهم خبراء في الإسلام، ينزعون إلى إصدار أحكام عامة، وقدموا لوسائل الإعلام الأجوبة السطحية التي كانت تنتظرها منهم. طبعا إن الانتقادات الموجهة لبعض المظاهر كانت مشروعة، يقول ليمن، لكن عليها مستقبلا أن تتحلى بالعلمية.
كما أن هذه الكفاءة العلمية بدأت بالتشكل لدى الجهة الإسلامية، فهناك سبعة كراسي جامعية اليوم في ألمانيا في مجال التربية الإسلامية، مهمتها تكوين أساتذة الدين الإسلامي وأئمة المساجد. كما أن خطب يوم الجمعة أصبحت تبث في راديو زود فيست فونك، وتلفزيون تسي دي إف فتح مجالا على صفحته على الإنترنت لمناقشة خطب الجمعة، ما يخلق تعددية في الآراء بشأن الإسلام ويقطع مع عهد الرأي الواحد. وهذا يرجع خصوصا إلى الوتيرة المتسارعة لإندماج المسلمين في المجتمع الألماني، أكثر مما يعتقده منتقدوا الإسلام.
4-11-2011
المصدر/ موقع قنطرة