منذ ست سنوات يعيش صنداي في ألمانيا على نحو غير شرعي، أو – كما يقول هو – يعيش "في الظل". إذا سار كل شيء على ما يرام فإن الأكاديمي القادم من غرب أفريقيا سيحصل على عمل بسيط يتقاضى عنه ثلاثة يوروهات في الساعة، عندئذ يدفع 200 يورو شهرياً لكي ينام في غرفة المعيشة لدى زميل له من نفس البلد. أما إذا سارت الأمور على نحو سيء فإنه يجمع الزجاجات البلاستيكية الفارغة لكي يعيدها ويحصل على مبلغ الرهن البسيط مقابلها، عندئذ ينام على ضفاف نهر الراين. ذات مرة تعرض للنصب ولم يقبض أجر ثلاثة أسابيع من العمل، ومرة أخرى فاجأته نوبة من ضيق التنفس بسبب الحساسية التي عانى منها، غير أنه لم يستطع الذهاب إلى الطبيب لأنه يعيش بدون تأمين صحي.
في نهاية الأمر توجه صنداي إلى كنيسة مارتين لوتر في كولونيا التي قدمت له الدعم منذ ذلك الحين. "يجب على الإنسان أن يخوض كفاحاً مستمراً إذا كان يعيش بدون أوراق رسمية"، يقول صنداي. غير أنه كاد أن يخسر هذا الكفاح، إذ أنه حاول مرتين أن ينتحر. الكارثة التي تهدد حياته قد تتوارى، لكنها لا تختفي أبداً، طالما أنه ينتمي إلى هؤلاء الأشخاص الذين يعيشون في ألمانيا بدون أوراق صالحة والذين يُقدر عددهم ما بين 700 ألف ومليون ونصف مليون إنسان.
في مدينة كولونيا الواقعة غربي ألمانيا يحاول المسؤولون تخفيف الوضع بالنسبة لهؤلاء الأشخاص. "ليس هدفنا هو تسهيل الهجرة غير الشرعية"، يقول أندرياس فيتر من قسم الثقافات المتعددة في مجلس إدارة المدينة. "الفكرة هي أن المجتمع لا يمكن أن يسمح بأن يمرض شخص ويموت دون أن يهتم به أحد، أو ألا يذهب الأطفال إلى المدرسة".
من هم غير الشرعيين؟
كانت الكنائس هي التي أثارت النقاش حول هذا الموضوع في "المائدة المستديرة لقضايا اللاجئين". هذه "المائدة المستديرة" عبارة عن مبادرة يشارك فيها ممثلون عن الأحزاب وإدارات المدن الألمانية والشرطة ومنظمات المجتمع المدني، وهي تقدم استشاراتها للإدارات الحكومية ومجالس المدن. ولفهم موضوع "الهجرة غير الشرعية" على الإطلاق كلّف المشاركون في هذه المبادرة معهد أوسنابروك للبحث في شؤون الهجرة، التابع لجامعة أوسنابروك، بالقيام بدراسة عن وضع المهاجرين غير الشرعيين في كولونيا.
وقد أوصت الدراسة بمجموعة من التوصيات، منها ما تم تنفيذه بالفعل. وهكذا تم تحسين الرعاية الصحية للمهاجرين غير الشرعيين، كما أعدت الكنائس ملاجئ مؤقتة لإيوائهم، وقامت "أقسام الأحوال المدنية" في المدن بإصدار شهادات ميلاد مؤقتة للأطفال الذين يولدون من آباء يعيشون على نحو غير شرعي. وسلطت التوصيات الضوء بشكل خاص على تحسين عروض تقديم الاستشارات للمهاجرين.
الإنهاك الجسدي والنفسي
وتعد الرابطة الإنجيلية "دياكونيشس فيرك" واحدة من المؤسسات الاستشارية الخمس التي تحصل إجمالاً على مبلغ قدره 40 ألف يورو. هناك تعمل مارتينا دومكه التي تقول إن تقديم المساعدة أصبح الآن أسهل بفضل تحسين ظروف عملهم. وهكذا لم تعد مشكلة بالنسبة للمهاجرين غير الشرعيين أن يسجلوا أطفالهم في المدارس. كما يقوم الموظفون بتحويل الأشخاص المصابين بأمراض بسيطة للعلاج لدى مؤسسة "مالتيزر" أو لدى "قسم الصحة" التابع للمدينة.
غير أن حدود المساعدة ضيقة. "عديد من الأشخاص يأتون إلينا لأنهم وصلوا إلى طريق مسدود"، تقول مارتينا دومكه. الخوف الدائم والتعرض للابتزاز يمثلان عبئاً نفسياً هائلاً، كما أن الجسد يئن تحت وطأة هذه الأعباء إلى أن يتهاوى. "إذا عاش الإنسان بدون أوراق، تحتم عليه أن يعمل دائماً – وفي أشق المهن"، تضيف دومكه. "ماذا يفعل عندما يمرض؟ عندما يكون مسناً؟" إذا وصل شخص إلى هذا الحضيض، لا يتبقى أمام مارتينا دومكه إلا أن تنصحه بالرحيل، إذ أن الحصول على أوراق رسمية – عبر طلب لجوء مثلاً – يكون أمراً شبه مستحيل. في بعض الأحيان تنجح مارتينا دومكه في الحصول على حق البقاء في ألمانيا لأسباب إنسانية، غير أن ذلك يكون في المعتاد مرتبطاً بظروف لا يتمنى أحد أن يعيش في ظلها. وتشرح دومكه ذلك قائلةً: "إذا كان الإنسان مصاباً بمرض خطير، السرطان مثلاً أو الإيدز، وإذا لم يكن لديه فرصة للعلاج في الوطن، فإنه يستطيع البقاء".
المنطقة الرمادية
أحد المشاركات في مظاهرة نظمت في فرانكفورت وتطالب بتسوية أوضاع اللاجئين غير الشرعيين أحد المشاركات في مظاهرة نظمت في فرانكفورت وتطالب بتسوية أوضاع اللاجئين غير الشرعيين يتحرك العاملون في هذه المبادرات في الغالب في منطقة رمادية، ما بين تقديم النصح والاستشارات والدعم القانوني وما بين انتهاك القوانين عبر "تقديم المساعدة في الإقامة غير الشرعية". حول ذلك يقول أندرياس فيتر من مجلس إدارة مدينة كولونيا: "في بعض الأحيان لا يستطيع الموظف توفير الغطاء القانوني لنفسه بنسبة مائة في المائة. عندئذ تكون الشجاعة الأدبية مطلوبة". وهكذا تحدث باستمرار أشياء عديدة على نحو غير رسمي.
ولكن المهاجرين غير الشرعيين لا يستطيعون في مدينة كولونيا أيضاً أن يحيوا حياة طبيعية. مَن لديه قدرة على التحمل ولديه شبكة علاقات واسعة، ولديه حظ في المقام الأول، يستطيع أن يقيم أوده بدون أوراق قانونية. غير أن الحياة تظل – مثلما يقول صنداي – حياة على حافة الخطر. "إذا طالت الحياة غير الشرعية، أصبحت مميتة"، يقول صنداي. "إذ يجيء اليوم الذي لا يستطيع فيه الإنسان مواصلة الحياة".
9-12-2011
المصدر/ شبكة دوتش فيله