وقال مسؤولون إن عدد المتقدمين الأجانب، الذي يتعين على كل منهم أن يستثمر ما لا يقل عن 500.000 دولار في أحد المشاريع، قد تضاعف أربع مرات تقريبا خلال العامين الماضيين، ليصل إلى أكثر من 3800 خلال العام المالي 2011. وقد ارتفع الطلب بسرعة كبيرة للدرجة التي جعلت إدارة أوباما، التي تدافع عن البرنامج، تسعى لتبسيط عملية التطبيق.
ومع ذلك، وصف بعض المنتقدين البرنامج بأنه بمثابة إساءة استخدام لنظام الهجرة بهدف تحفيز التنمية الاقتصادية - نظام النقد مقابل التأشيرات.
وقد أجرت صحيفة «نيويورك تايمز» دراسة على البرنامج وأشارت إلى أن العاملين في مجال التنمية العقارية والمسؤولين في ولاية نيويورك يعملون على توسيع نطاق قواعد البرنامج بشكل كبير لتأهيل المشاريع للحصول على التمويل الأجنبي.
وغالبا ما يعتمد العاملون في مجال التنمية العقارية على أساليب تهدف إلى تقسيم المناطق إلى وحدات تخدم مصالحهم، لإنشاء مناطق تنمية من المفترض أن تكون في مناطق تعاني من معدلات بطالة مرتفعة، وبالتالي تكون مؤهلة للحصول على امتيازات خاصة، ولكنها تكون مناطق مزدهرة في واقع الأمر، وفقا للسجلات الفيدرالية والسجلات التابعة للولايات.
ومن أبرز المشاريع في هذا الإطار هناك برج زجاجي مكون من 34 طابقا في مانهاتن بتكلفة 750 مليون دولار، يتم تمويل خمس هذا المبلغ من المستثمرين الأجانب الذين يبحثون عن البطاقات الخضراء.
ويطلق على هذا البرج اسم «إنترناشيونال جيم تاور» ويقع في شارع «فيفث افينيو» في حي مانهاتن الذي يعد واحدا من أغنى المناطق في البلاد.
ومن خلال الاستخدام الانتقائي لإحصاءات التعداد، قام مسؤولو الولاية بتصنيف المنطقة كواحدة من المناطق التي تعاني من ارتفاع معدلات البطالة، حسب السجلات الفيدرالية وسجلات الولايات. ونتيجة لذلك، زاد المتعهد من فرص جذب المشروع للأجانب الذين سيحصلون على عائد قليل، إن وجد، من استثماراتهم في هذا المشروع في مقابل حصول أسرهم على تأشيرات دخول الولايات المتحدة.
وفي مقابلة شخصية معه يوم الجمعة الماضي، اعترف اليخاندرو مايوركاس، وهو مسؤول كبير في الهجرة الفيدرالية، بأن البرنامج ربما يكون بحاجة إلى مزيد من التدقيق. وقال مايوركاس وغيره من المسؤولين الفيدراليين إنهم يشعرون بالقلق لأن بعض الخرائط التي توافق عليها نيويورك وغيرها من الولايات قد لا تلتزم بروح هذه اللوائح والهدف منها.
وتشير الدراسة التي أجرتها «نيويورك تايمز» على البرنامج في نيويورك إلى أن الكثير من المشاريع الرئيسية الأخرى تعتمد على خرائط مشكوك فيها، فقد تم تصنيف مبنى «باتري ماريتايم بلدينغ»، على سبيل المثال، الذي يقع عند سفح مانهاتن بالقرب من وول ستريت، على أنه يوجد في منطقة تحتاج إلى المساعدة في جذب وظائف جديدة، ويعود السبب في ذلك إلى أن حدود منطقة التنمية تشبه ما يتم في السياسة من تقسيم الوحدات الإقليمية إلى مناطق انتخابية ليعطي حزبا معينا أغلبية انتخابية في عدد كبير من المناطق في حين يتم تركيز المعارضة في أقل عدد ممكن من المناطق، وفقا لوثائق المشروع.
وتتعرج المنطقة في أسفل الجانب الشرقي، على حافة «باتري بارك سيتي» ومنطقة تريبيكا في مانهاتن، ثم تمتد عبر نهر «ايست ريفر» لتضم مشروع «فارغت هاوس» في منطقة «فينيجار هيل» ببروكلين. في الواقع، أصبحت تلك البقعة الصغيرة التي تحتوي على «فارغت هاوس» بمثابة منطقة جذب للمتعهدين الذين يسعون إلى استخدام برنامج التأشيرة: تم تعداد سكانها العاطلين عن العمل في ثلاثة مشاريع بالفعل.
وقد تم تأهيل مشروع «أتلانتك ياردس» العملاق في بروكلين، التي تجاور الأحياء الراقية، للحصول على امتيازات خاصة من خلال التلاعب في تقسيم المنطقة إلى مناطق تعاني من البطالة: تمتد المنطقة، التي تتخذ شكل هلال، إلى أكثر من ميلين إلى الشمال الشرقي لتشمل المناطق الفقيرة من «كراون هايتس» و«بيدفورد ستايفسنت». ومنذ عام 2008، جمع المتعهدون، أو خططوا لجمع، ما يقرب من مليار دولار على هذه المشاريع في مدينة نيويورك، وفقا للسجلات الفيدرالية وسجلات الولايات. وسوف تأتي معظم هذه الأموال من زيادات بمبلغ 500.000 دولار - غالبيتها من السكان الصينيين - ثم يتم ضخها في المناطق الغنية.
وخلال مقابلات شخصية معهم، أشاد مسؤولو التنمية الاقتصادية في ولاية نيويورك بالبرنامج، ولكنهم كانوا مترددين في قبول المسؤولية عن إدارته. وفي الواقع، اعترف بعض مسؤولي الولاية الذين اعتمدوا مشاريع البرنامج بأنهم لم يكونوا على علم بما كان يتم بناؤه. وأضافوا أنهم كانوا ينفذون توجيهات من المنظمين الفيدراليين.
وقال أوستن شافران، وهو المتحدث الرسمي باسم وكالة «امبير ستات ديفيلبمنت» الحكومية التي تشرف على البرنامج في نيويورك: «يعد هذا البرنامج بمثابة أداة قيمة لدعم مشاريع خلق فرص العمل والتي ستضع المناطق التي تعاني من معدلات بطالة مرتفعة على مسار الانتعاش الاقتصادي والنمو».
وقد تدفق المستثمرون، نتيجة تشجيعهم من قبل المسؤولين الفيدراليين ومسؤولي الولايات، القادمون من أماكن بعيدة مثل شنغهاي وسيول، علاوة على المتعهدين الأميركيين، للاستفادة من هذا البرنامج، الذي تم اعتماده من الكونغرس خلال فترة الركود من التسعينات.
وفي إطار هذا البرنامج، المعروف باسم «إي بي 5»، يحصل المستثمرون على التأشيرة التي توفر لهم الإقامة لمدة عامين ويمكن تحويلها إلى بطاقة خضراء دائمة إذا ثبت أن الاستثمار قد خلق ما لا يقل عن 10 وظائف، حتى ولو لم يكتمل المشروع.
وفي ضوء الزيادة الكبيرة في المشاريع المقامة بموجب هذا البرنامج، فقد جذب البرنامج الكثير من المحامين والمستشارين، في الولايات المتحدة وخارجها. وقال خبراء إن الصين وحدها يوجد بها أكثر من 500 وكيل يتسابقون على ربط الأثرياء الصينيين بالمتعهدين الأميركيين.
وقد احتشد المستثمرون في مؤتمرات برنامج «إي بي 5». وقال الكثير من المستثمرين الناجحين في بلدانهم، إنهم يريدون تأمين الإقامة الأميركية لأطفالهم، ولكن المنافسة قد أثارت بعض الممارسات البغيضة، حسب تصريحات محامي ومستشاري برنامج «إي بي 5»، مثل الوكلاء الذين يكذبون ويعدون بتقديم عوائد مضمونة.
وقد تم تحديد الحد الأدنى للاستثمار في البرنامج بمبلغ مليون دولار، ولم يتم تغييره على مدار أكثر من عشرين عاما، ولكن إذا كان المشروع يقع في منطقة ريفية أو في مكان يصل فيه معدل البطالة إلى 50 في المائة أعلى من المتوسط الوطني، فإن هذا المبلغ ينخفض إلى 500.000 دولار، وليس مليون دولار.
ويقوم المتعهدون في المناطق الحضرية بخلق مناطق تنمية مؤهلة للحصول على استثمار بقيمة 500.000 دولار، وهو ما يجعلهم قادرين على جذب الاستثمارات بصورة أكبر. يذكر أن المنطقة التي تضم «جيم تاور» تضم منطقتي تعداد في وسط مانهاتن. ووفقا لأرقام التعداد، فإن معدل البطالة في المنطقة التي يوجد بها المشروع قد وصل للصفر على مدى السنوات الخمس الماضية، ولكن وزارة العمل قالت إنه يوجد عدد كبير من العاطلين في منطقة التعداد المجاورة - التي تضم «تايمز سكوير» - بهدف تبرير التعامل مع المنطقة الصغيرة على أنها منطقة ذات معدلات بطالة مرتفعة.
وقالت ليلى غورين، وهي مديرة مركز إكستل الإقليمي في نيويورك الذي يحاول زيادة استثمارات برنامج «إي بي 5» لمشروع «جيم تاور»، إنها غير قادرة على تفسير كيفية وصف المنطقة التي يقام بها البرج على أنها منطقة فقيرة. وأضافت غورين: «إنها منطقة صالحة، مهما كانت الأرقام، وتم الموافقة عليها». ومن جانبهم، رفض الاستشاريون المسؤولون عن تمويل برنامج «إي بي 5» لمشاريع «باتري ماريتايم» و«أتلانتك ياردس»، التعليق على ذلك.
وأعرب مسؤولون في ولايات أخرى عن استيائهم من كيفية استخدام المتعهدين للبرنامج في نيويورك. وأضافوا أن نيويورك كانت تسحب الاستثمارات بصورة غير عادلة من المناطق الأقل نموا.
وقال جيمس كانديدو، وهو مسؤول إدارة التنمية الاقتصادية في فيرمونت: «يوجد الكثير من المشاريع في مناطق ينبغي إعادة النظر فيها».
وفي بعض الأحيان، لا تسمح الولايات الأخرى بمناطق التنمية التي يثار حولها الشكوك. وقال بروك جيه تايلور، وهو المتحدث باسم مكتب إدارة الأعمال والتنمية الاقتصادية في ولاية كاليفورنيا، إن الولاية قد أخبرت أحد المتعهدين بأنه يتعين عليه تغيير مكان مصنع للمنتجات الجراحية من جزء أكثر ازدهارا في سان خوسيه إلى منطقة أكثر فقرا. وقال المنظمون الفيدراليون إن الولايات مصممة على إقامة المشاريع في المناطق التي تكون «في أشد الحاجة إليها».
وقال مايوركاس، وهو مسؤول الهجرة الفيدرالية ومدير خدمات المواطنة والهجرة في الولايات المتحدة: «السؤال الآن هو: هل سلطات الدولة ملتزمة بروح القانون؟ ما هو مكان المشروع، وأين هي الوظائف التي نتجت عنه؟ هل تم توفير فرص عمل للعاطلين في المناطق التي تعاني من معدلات بطالة مرتفعة؟ هذا هو الهدف من المشروع».
وفي مقابلة شخصية معه يوم الجمعة الماضي، قال مايوركاس، الذي يعمل موظفوه جاهدين لمواكبة الطفرة في هذا البرنامج، إنه يشعر بالقلق إزاء المزاعم بشأن التلاعب في البرنامج. وأضاف أنه إذا كانت بعض المشاريع لا تحقق «الهدف التشريعي، فأعتقد أننا بحاجة إلى مراجعة تلك القوانين».
21-12-2011
المصدر/ جريدة الشرق الأوسط