في المقابل، ستتوقف اللجنة عن تقديم منح لطلبة الماجستر، لتركز على دورات التدريب في مجال البحث لطلبة المرحلة الثالثة، وعلى إعداد شهادات الدكتوراه، ودراسات وأبحاث ما بعد الدكتوراه.
لئن كان برنامج المنح السويسري الذي أنشئ في يوليو من عام 1961، لا يتمتع بعدُ بنفس شهرة برنامج "Fulbright" الأمريكي أو برنامج الهيئة الألمانية للتبادل الأكاديمي الخارجي "DAAD"، على سبيل المثال، فإنه قدّم على مدى نصف قرن منحا دراسية بقيمة 1920 فرنكا في الشهر، لما يزيد عن 7000 من الباحثين والفنانين الشبان الذين قدموا من القارات الخمس، نصفهم من البلدان الصناعية والنصف الآخر من البلدان النامية، وفقا لما ينص عليه القانون الفدرالي.
الدكتور أوليفيي بريغينتي، المسؤول عن "كتابة اللجنة الفدرالية للمنح المقدمة للطلبة الأجانب"، أوضح لـدى استقباله لـ swissinfo.ch في مقر عمله بالعاصمة برن، أن اللجنة التي ارتفعت ميزانيتها السنوية مؤخرا إلى 10 مليون فرنك، تعتزم أيضا في إطار توجهاتها الجديدة، تحديث موقعها الإلكتروني، وتطوير الجانب التسويقي من عملها لتسليط المزيد من الضوء على عروضها وخدماتها، وكذلك لإبراز دورها كـ "أداة هامة للسياسة الخارجية السويسرية، سواء على المستوى العلمي أو الثقافي، أو على مستوى المساعدات التنموية"، على حد التعبير الذي ورد في البيان الذي أصدرته اللجنة بمناسبة احتفالها بالذكرى الخمسين على إنشائها يوم 2 ديسمبر 2011.
فكرة تأسيس "اللجنة الفدرالية للمنح المقدمة للطلبة الأجانب" نشأت قبل خمسين عاما احتذاء بمبادرات قامت بها بلدان كبرى. وأشار الدكتور بريغينتي ضمن هذا السياق إلى أن سويسرا اقتدت بنموذج الجار الألماني الذي وُضع بعد الحرب العالمية الثانية "لخلق الجسور مع العالم والظهور بصورة جديدة"، منوها إلى أن "الألمان استثمروا بكثافة لإنشاء الهيئة الألمانية للتبادل الأكاديمي الخارجي DAAD".
لكن سويسرا اهتمت بهذا النوع من المنح بـ "منطق مزدوج"، مثلما يشرح الدكتور بريغينتي: "تحقيق تعاون أفضل مع جيرانها والدول الصناعية، واستخدام المنح كأداة للتعاون والتنمية في البلدان التي كان يطلق عليها آنذاك العالم الثالث".
مبدأ "المعاملة بالمثل" مع الدول الصناعية
قائمة البلدان النامية المستفيدة من منح الكنفدرالية، مثلما يذكر مُحاورُنا، ضمت في بداية الأمر بعض الدول التي كانت تحظى بالأولوية في برامج الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون (التابعة لوزارة الخارجية) و"بلدانا جارة" في شمال إفريقيا، وأخرى تشهد فترات انتقالية، وأخرى تمول فيها سويسرا معاهد منذ نصف قرن مثل المركز السويسري للأبحاث العلمية في أبيدجان بكوت ديفوار، ونظيره "إيفاراكا" في دار السلام بتنزانيا. وشيئا فشيئا، شملت اللائحة بلدانا تعتبر هامة لسويسرا من حيث التبادلات العلمية كبلدان "البرهصج" (البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وجنوب إفريقيا).
وتقدم "اللجنة الفدرالية للمنح المقدمة للطلبة الأجانب" عرضا أحادي الجانب للدول النامية، أي أن رعاياها يمكن أن يحصلوا على منح لمتابعة دراسات في سويسرا (باستثناء المنح المرتبطة بالمجال الفني) وأن السويسريين لا يمكنهم الاستفادة من منح في تلك البلدان. أما بالنسبة للدول الصناعية، فتعتمد اللجنة منطق "المعاملة بالمثل"، إذ تُعرض لا المنح الجامعية والفنية السويسرية سوى على البلدان المستعدة أيضا لدعم الطلبة والفنانين من سويسرا.
ولا يتعلق الأمر بحاملي الجنسية السويسرية فحسب، بل أيضا بالأجانب المقيمين في الكنفدرالية الحاصلين على تصريح الإقامة الدائمة من نوع "C". ويظل عدد المنح الفنية محدودا جدا، إذ أشار الدكتور بريغينتي أن عدد البلدان التي تتعامل معها اللجنة في هذا المجال لا يتجاوز 15.
إعادة ترتيب الأوراق بمناسبة اليوبيل الذهبي
وبمناسبة الاحتفال بنصف قرن على تأسيسها، قررت اللجنة الفدرالية للمنح المقدمة للطلبة الأجانب، التي تضم 14 عضوا غالبيتهم من البروفسورات الجامعيين، إعادة النظر في أسلوب عملها، وترتيب أولوياتها، لتضع جملة من التغييرات الرئيسية التي ستّنفذها اعتبارا من السنة الأكاديمية 2013-2014.
وفي تصريحاته لـ swissinfo.ch، قال المسؤول عن كتابة اللجنة في هذا الصدد: "استنتجنا أن قائمة البلدان التي نتعامل معها تستند إلى منطق تاريخي، وبالتالي توجب علينا إعادة النظر فيها لأننا لا نتيح للجميع إمكانية الاستفادة من المنحة السويسرية".
واستطرد قائلا: "ما نريده هو دعم أناس ذوي مهارات، بغض النظر عن جنسيتهم. ولئن لم نكن في الماضي نهدف إلى ممارسة أي تمييز، فإن النتيجة في نهاية المطاف كانت تمييزا على أساس الجنسية. فكم من الباحثين المتمتعين بمستوى عال لم يتمكنوا من الترشح لطب منحة رغم أن الجامعات السويسرية كانت ترغب في جلبه".
هذا الوضع دفع اللجنة إلى توسيع عروضها التي ستشمل ابتداء من عام 2013 كافة البلدان التي تقيم معها سويسرا علاقات دبلوماسية، أي 192 بدل 80، أي أكثر من الضعف مثلما يشدد على ذلك الدكتور بريغينتي.
تركيز على استمرارية العمل الأكاديمي
ومن أبرز التغييرات التي ستطرأ على برنامج المنح السويسرية التوقف عن تقديم منح لطلبة السلك الثاني لنيل شهادة الماجستير، بحيث لن يستفيد من عروض اللجنة سوى مرشحو السلك الثالث (بالإضافة إلى الفنانين).
ويُبرر الدكتور بريغينتي هذا التوجه قائلا: "نريد المساعدة على تكوين من سيحملون المشعل الأكاديمي"، موضحا أن العديد من الطلبة الذين استفادوا في السابق من المنح للحصول على شهادة الماجستير كانوا يأتون بمشاريع فردية لينجزوا أعمالا خاصة لدى عودتهم إلى بلادهم وبالتالي كان "التأثير المُضاعف" لتجربتهم في سويسرا "ضعيف جدا" حسب الدكتور بريغينتي الذي أضاف: "هدفنا هو استخدام المال، الذي هو مال عام، للمساعدة على تكوين الأجيال الأكاديمية والجامعية القادمة".
ومن التغييرات المُلفتة في عمل اللجنة إمكانية تمويلها لشهادات الدكتوراه على مدى ثلاث سنوات، وهو ما لم تقم به لحد الآن، وأيضا تمويل أبحاث ودراسات ما بعد الدكتوراه. وقد يتلقى المستفيدون من منحة ما بعد الدكتوراه مبلغا أعلى لم يتقرر بعد.
ويظل الموقع الالكتروني للجنة (الذي سيتضمن تفاصيل العروض الجديدة اعتبارا من منتصف يوليو 2012) بوابة الدخول الأولى للاستعلام عن منحة الكنفدرالية للباحثين والفنانين الأجانب، تليه مكاتب التمثيل الدبلوماسي السويسري في لبلدان الاجنبية المعنية المُكلفة محليا بالاختيار الأولي، قبل تحويل ملفات الترشح إلى اللجنة الفدرالية في برن التي "تنظر في طلبات الترشح، على أساس أكاديمي بحت، بعض النظر عن الجنسية أو غيرها من المعايير، إذ يظل الامتياز الأكاديمي هو المعيار الأول والأخير"، مثلما يؤكد الدكتور بريغينتي، الذي أشار إلى أن اللجنة لاحظت مؤخرا ارتفاع عدد طلبات الترشح القادمة من بلدان الربيع العربي، وخاصة من تونس.
26-01-2012
المصدر/ موقع أخبار سويسرا