وضع الاتحاد الأوروبي اتفاقيات صارمة بخصوص قضية الهجرة. لكن دمج المهاجرين يظل قصة أخرى، فكل دولة من دول الاتحاد لها سياساتها الخاصة. وتتعارض بعض تلك السياسات مع التوجهات الأوروبية العامة في هذا الصدد والتي تنصّ على ضرورة احترام الهوية الثقافية للمهاجر.
واجبات وحقوق متبادلة
يقول تقرير جديد لمكتب التخطيط الاجتماعي والثقافي الهولندي إن هولندا لديها تصورات واضحة جداً حول موضوع دمج الوافدين الجدد في المجتمع، ولكن على الورق فقط. أما في الواقع فهناك الكثير من الجوانب التي أثارت انتقاد باحثي المكتب، خاصة الشروط الصارمة المفروضة على الوافدين لدمجهم في المجتمع. ويقول الباحث روب بايل، أحد المشاركين في صياغة التقرير: "اشعر أحيانا أن المهاجرين َيطلب منهم بأشياء لا تطلب من المواطنين الهولنديون أنفسهم."
في العام الماضي وقعت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوربي على ما أطلق عليه "الأجندة الأوروبية للاندماج". ركزت الوثيقة على أن الاندماج هو عملية متبادلة تشمل الحقوق والواجبات سواء من طرف المهاجر أو من طرف المجتمع المستقبل، وأنه يجب أن يكون هناك احترام متبادل للاختلافات الثقافية. لكن الباحثين في مكتب التخطيط الاجتماعي والثقافي توصلوا إلى خلاصة مفادها أن "الواقع العملي في أكثر من بلد أوروبي لا يزال بعيداً جداً عن ذلك."
لزمن طويل تجاهلت بلدان مثل هولندا وألمانيا حقيقة أنها قد أصبحت بلدان هجرة وتستقبل أعدادا كبيرة من المهاجرين سنويا، يقول الباحث روب بايل: "لسنوات طويلة كانت ألمانيا تحل في المرتبة الثانية عالمياً بعد الولايات المتحدة من حيث عدد المهاجرين الذين تستقبلهم ولكنهم ظلوا يرددون، حتى مطلع الألفية "نحن لسنا بلد هجرة" لكن الأمر كان يتعلق بملايين البشر، أعداد أكبر بكثير من القادمين إلى هولندا. رغم ذلك ظلوا يوهمون أنفسهم بأن هؤلاء المهاجرين سيعودون إلى بلدانهم."
وما دام هناك من يصرّ على أن وجود المهاجرين مؤقت، فلم تكن هناك حاجة للعمل على مسألة الاندماج في المجتمع.
بلا وثائق
حالياً أدركت غالبية الدول الأوروبية أن معظم المهاجرين باقون هنا. مع ذلك لا يزال هناك نوع من التهرب من الموضوع، يقول السيد بايل: "يعتمد قسم كبير من الاقتصاد الإيطالي على من يسمونهم "عديمي الوثائق" أي المهاجرين بصورة غير شرعية. أغلب العاملين في الخدمات المنزلية مثلا، وهو قطاع واسع في ايطاليا، هم مهاجرون من يوغسلافيا السابقة ومن دول أوروبا الشرقية. في الحقيقة يدرك معظم الإيطاليين أن هؤلاء لن يغادروا إيطاليا، وإن كانوا بلا وثائق إقامة شرعية,"
بسبب موقعها الجغرافي استقبلت إيطاليا في السنوات الأخيرة موجات كبيرة من المهاجرين من إفريقيا، ولكن أيضا من دول مجاورة كألبانيا. ولا تملك إيطاليا خبرة من تدفق مهاجري المستعمرات السابقة، كما هو حال دول مثل بريطانيا وهولندا.
هناك فوارق كبيرة بين جنوب أوروبا وشمالها، حسب رأي الأستاذ المتخصص في قضايا الهجرة والاندماج، هان انتزينغر: "بشكل عام تمتلك بلدان جنوب أوربا حكومات أصغر، مما يجعل دور الحكومة أقل في وضع سياسات لدمج المهاجرين. وفي بلد مثل إيطاليا لا تزال العائلة تقوم بدور كبير في مجال الرعاية الاجتماعية، وهو الدور الذي تمارسه الحكومات في هولندا والدول الاسكندنافية."
مبادئ أساسية
ونظرا لكل هذه الفروقات التاريخية والثقافية فإنه وبحسب بايل وانتزينغر من الصعب وربما المستحيل رسم سياسة اندماج موحدة على المستوى الأوربي. ولكن ومنذ سنوات يتم الاستهداء بمبادئ وموجهات عريضة مثل المساواة في دخول سوق العمل أو النظام التعليمي، الرعاية الصحية وقطاع السكن.
ولكن مع ذلك فإن التنسيق داخل الاتحاد الأوربي أمر على درجة من الأهمية إن كان سيؤدي الى استفادة الدول التي تستقبل موجات الهجرة من تجارب بعضها. فدول أوربا الشرقية لا تعرف شيئا عن سياسات الاندماج لأنها لا تستقبل أي مهاجرين. ولكن الأمور تتغير أحيانا وبسرعة شديدة مثلما حدث في ايرلندا واسبانيا التي تحولت في بضعة عقود من الزمان الى وجهة للمهاجرين ولكنها فقدت الكثير من سكانها بسبب الأزمة الاقتصادية. يقول روب بايل:
" ذات الشيء ينطبق على بولندا التي قد تتحول في بضع سنوات الى بلد مستقبل للمهاجرين".
14-02-2012
المصدر/ إذاعة هولندا العالمية