جمّعت كانتونات ومدن سويسرية قـواها في سياق الجهود المبذولة من أجل القضاء على المشاعر العنصرية التي يقول مراقبون إن نسبتها في ارتفاع. ومع أن الحملة تستمر أسبوعا كاملا، إلا أنها لم تشمل كامل ربوع الكنفدرالية.
وفي مناسبة الإحتفال باليوم العالمي لمناهضة التمييز العنصري، أطلقت سبعُ كانتونات سويسرية من الأنحاء المتحدثة بالفرنسية والإيطالية في الأسبوع الثالث من مارس 2012، أول حملة للحدّ من العنصرية، تحت شعار "هل التعددية من القيم السويسرية؟".
ويوم الأربعاء 21 مارس، قالت غابرييلا آماريللي، المسؤولة عن قسم اندماج الأجانب في مدينة لوزان أمام الصحافة في مناسبة انطلاق الحملة: "إن رغبتنا المشتركة تكمُن في تمرير رسالة إيجابية عن التعددية".
في الواقع، تُعتبر سويسرا اليوم - التي تتميز باعتماد أربع لغات وطنية - أشبه بالبوتقة التي تمتزج فيها أعراق وجنسيات تقدم من دول متعددة وتنتمي إلى ثقافات وديانات مختلفة. كما أن عدد الأجانب فيها يزيد عن 1،7 مليون نسمة يشكلون نحو 22،3% من مجموع السكان. وتختلف هذه النسبة من منطقة إلى أخرى، حيث تتراوح ما بين 40% في مدينة جنيف إلى 8% في كانتون أوري بوسط البلاد.
من جهتها، شدّدت إيزابيل روشا، الوزيرة المكلفة بالشرطة في الحكومة المحلية لكانتون جنيف على أهمية إبراز التعددية في سويسرا والتقاليد المتعددة الثقافات، وقالت: "إن التوترات الحالية قد تقود إلى استغلال الوضع من قبل الأحزاب ذات النزعة الشعبوية". وأضافت "إننا نمر بمرحلة تطغى فيها مظاهر عـدم التسامح الذي له صلة بواقع العالم المنقسم إلى تكتلات، والذي تغذيه المخاوف من انعدام الأمن والبطالة، لحد أن المخاوف من الإحساس العنصري أصبحت واضحة في المجتمع".
المبادرة التي أطلقتها كانتونات جنيف وفُـو وجُورا وفريبورغ ونوشاتيل وفالي وتيتشينو، تركز اهتمامها على قطاعات رئيسية في مجال الاندماج مثل المدارس، والسكن، والعمل، والرياضة، كما تستخدم فيها حملات متنوعة عبر اللافتات وعبر شبكات التواصل الاجتماعي (مثل فايسبوك) من ضمن برنامج شامل.
وبالتزامن مع انطلاق الحملة التي تستمر حتى يوم 28 مارس، أعلن كانتون جنيف عن افتتاح خط هاتفي ساخن مخصّص لمحاربة العنصرية يمكن لضحايا تصرفات عنصرية أو الأخصائيين في هذا المجال استخدامه، وهي خطوة شبيهة بما أقدمت عليه مدينة لوزان في شهر مايو 2011.
تضخم هنا.. وضُمور هناك
في سياق متصل، لا زالت الحملات الرامية لمناهضة التمييز العنصري في سويسرا حديثة العهد، حيث لم تنطلق إلا في منتصف تسعينيات القرن الماضي، وكانت تركز أساسا على الشأن المحلي. وكانت جنيف قد أطلقت في عام 2006 حملة لمناهضة العنصرية لمدة أسبوع، مُقلدة في ذلك المبادرة التي أطلقتها مقاطعة كيبيك الكندية في عام 2000، وهو ما اقتفت أثره عدة مدن سويسرية فيما بعد.
ومن ضمن 104 بلدية مناهضة للعنصرية منضوية تحت راية التحالف الأوروبي للمدن المناهضة للعنصرية الذي تأسس سنة 2004، نجد كلا من جنيف، وبرن، وزيورخ، وفينترتور، لكن خبراء يقولون إن الحملة الحالية لمناهضة العنصرية ليست فعالة في كل مناطق البلاد، ولاحظوا أن الأنحاء المتحدثة بالألمانية تفتقر لمزيد من النشاطات.
في هذا السياق، تقول مارتين برونشفيغ - غراف، رئيسة اللجنة الفدرالية لمناهضة العنصرية في تصريح لـ swissinfo.ch: "يتوقف الأمر على الكانتون، لأنه حتى في الأنحاء الناطقة بالألمانية يوجد مسؤولون عن الإندماج، ويتم تنظيم نشاطات معزولة لمناهضة التمييز العنصري، ولكن ليست هناك حركات شعبية مناصرة". وأضافت "كيف يُمكن توسيع نطاق هذه الحملة في الوقت الذي يتمسك فيه كل واحد بخصوصياته المحلية؟ هذا هو التحدي الكبير!"، على حد تعبيرها.
من جهته، يذهب هانس شتوتس، الصحفي من لوتسرن الذي غطى العديد من القضايا التي لها علاقة بالتمييز العنصري والعرقي، إلى أبعد من ذلك وقال: "ليس هناك شيء يُذكـر في الجزء المتحدث بالألمانية من سويسرا"، مضيفا أن "عدد المنظمات المناهضة للعنصرية هنا أقـل بكثير مما كان عليه الحال من قبل".
ويضيف هانس شتوتس أن "الناس في المناطق الناطقة بالفرنسية يميلون أكثر إلى تقليد فرنسا في تفكيرها الثقافي وفي ما تعرفه من نشاط، أما في الأنحاء المتحدثة بالألمانية فإنه من الصعب تكوين حركة شعبية أو الحصول على دعم نشطاء ومُموّلين".
زيادة نسبة عدم التسامح؟
يأتي إطلاق هذه الحملة في الوقت المناسب الذي يتزامن مع مراجعة السياسات والممارسات السويسرية من قبل توماس هاماربيرغ، رئيس قسم حقوق الإنسان في المجلس الأوروبي، الذي دعا في شهر فبراير الماضي إلى "ضرورة إجراء مراجعة شاملة لكامل قوانين وسياسة مناهضة التمييز العنصري في سويسرا"، لمُواجهة الإرتفاع الكبير في نسبة عدم التسامح والشعور العنصري.
مع ذلك، يبقى تحديد نسبة هذا الإرتفاع في حالة عدم التسامح صعب الإثبات، نظرا لأنه لا يتم تجميع الإحصائيات المتعلقة بحالات التمييز العنصري بنفس الطريقة في كافة أنحاء البلاد، كما أنه بالإمكان تحليلها بطرق مختلفة، كما يقول الخبراء. وتقول آماريللي: "لا زلنا في بداية المشوار بالنسبة لعملية المراقبة، ونحن في بداية بناء شبكة مناهضة العنصرية".
في الأثناء، أشار التقرير الأخير الصادر عن اللجنة الفدرالية لمناهضة العنصرية، ومنظمة Humanrights.ch غير الحكومية العاملة في مجال حقوق الإنسان إلى وُجود حالات تمييز ضد أفارقة ومسلمين في سويسرا سنة 2010.
وفي وقت سابق من شهر مارس الجاري، قالت منظمات مناهضة للعنصرية إن نسبة الهجمات على المصالح اليهودية في سويسرا تزايدت في عام 2011، لكن دراسة تحت عنوان "العنصرية في سويسرا" أعدتها مؤسسة مناهضة العنصرية والعداء للسامية أوردت بأن نسبة الحوادث التي لها دوافع عنصرية لم تتجاوز 66 في العام الماضي مقارنة مع 109 في عام 2010 و 139 في عام 2007.
بعض التقدم؟
رغم كل شيء، يرى نُشطاء أنه تم تسجيل بعض التقدم. وفي هذا السياق، يقول روني بيرنهايم، رئيس مؤسسة مناهضة العنصرية والسامية: "إن إحصائيات عام 2011 ستبقى عالية بسبب أحداث العام الماضي، لكنها قد لا تصل إلى مستوى العام المنقضي نظرا لأن التوجّه العام يسير نحو الإنخفاض".
وفي معرض تعليل ذلك، أورد بيرنهايم أن "عام 2011 شهد أحداثا أقل عنفا من الناحية السياسية"، كما أن الناس أصبحوا "يُولون اهتماما أكثر" لهذه القضايا، وأضاف "أعتقد أن الجهود التي بذلتها مختلف المنظمات والحكومة بدأت تؤتي ثمارها".
على العكس منه، يُبدي السيد شتوتس قدرا أكبر من التحفظ ويشير إلى أن "الأمور تحسّنت نوعا ما بسبب الجهد المبذول في مجال محاربة العنصرية. فالناس أصبحوا أكثر وعيا بعدم تجاوز الحدود. كما أن هناك العديد من الأمور التي تحدث ولا يتم الإعلان عنها نظرا لعدم وجود مجموعات مناهضة للعنصرية أو نشطاء للحديث عنها". وخـلُـص إلى أن "هناك الكثير من حالات الثلب ضد المسلمين، لكن المنظمات الإسلامية في سويسرا لا تعمل (مُشتركة) على تجميع المعلومات المتعلقة بذلك على خلاف المنظمات اليهودية".
27-03-2012
المصدر/ سويس أنفو