تعاني البرتغال٬ الغارقة في التقشف والمعولة على المساعدة المالية للاتحاد الأوروبي ولصندوق النقد الدولي٬ من أزمة اقتصادية غير مسبوقة٬ طال تأثيرها المهاجرين الأجانب المقيمين بهذا البلد ومن بينهم المغاربة.
وقد عبر العديد من المغاربة المقيمين بهذا البلد٬ والبالغ عددهم حوالي 4 آلاف شخص أغلبيتهم تقيم في منطقة بورتو ( الشمال )٬ عن انشغالهم بالأزمة التي تعاني منها البلاد٬ والتي ظهرت انعكاساتها بالخصوص على سوق الشغل٬ الذي يعد القطاع الأكثر تحملا لعبء أزمة تبدو بدون مخرج.
ولم يكن من سبيل لمواجهة هذه الأزمة٬ التي تفاقمت حدتها بانخفاض معدل النمو٬ إلا بنهج أقصى درجات التقشف تحسبا لما هو أحلك.
فالتقشف والبطالة والركود وارتفاع الأسعار٬ هي أكبر المشاكل التي تقض مضجع البرتغال حيث ساهم العجز المالي والدين الضخم الذي بلغ 107 في المائة مع نهاية 2011٬ وحالة الركود التي تزداد استفحالا (3 بالمائة) ٬ في تشديد الخناق على السكان.
إن "الحياة صارت أصعب وأغلى"٬ يقول بنبرة ملؤها الأسى٬ محمد البالغ من العمر 48 سنة٬ وهو مدرس مغربي مقيم بلشبونة منذ عقدين٬ حيث انخفض راتبه بحوالي 200 أورو بفعل الاقتطاعات المبرمجة في إطار برنامج التقشف٬ مشيرا إلى أن اختيار الذهاب إلى بلد آخر٬ ناطق باللغة البرتغالية لمدة أربع سنوات٬ أصبح يفرض نفسه بقوة.
وبعد أن استحضر٬ بحنين٬ سنوات الازدهار الاقتصادي للبرتغال٬ أكد محمد أن وضعيته المادية تعقدت٬ لاسيما وأنه مطالب بسداد قرضين أحدهما عقاري والآخر لشراء سيارة٬ معربا عن ثقته في أن البلد الذي عاش تحت وصاية صندوق النقد الدولي٬ سينجح في تجاوز هذه الأزمة.
وقد حصلت البرتغال٬ التي تسعى جاهدة للتخلص من هذه الدوامة وتجنب السيناريو اليوناني٬ على قرض من الاتحاد الأوروبي ومن صندوق النقد الدولي بقيمة 78 مليار أورو في ماي 2011 ٬ مقابل برنامج تقويم اقتصادي للحد من العواقب الوخيمة لهذه الأزمة٬ ليس على البرتغاليين فحسب الذين يقدمون تضحيات كبيرة٬ ولكن كذلك على العمال الأجانب المنحدرين في أغلبهم من المستعمرات البرتغالية السابقة ومن دول أوروبا الشرقية والعاملين بقطاعات أكثر تأثرا بالأزمة.
"فمع استمرار هذه الأزمة٬ أصبح من العسير الحصول على عمل قار"٬ يعترف آيت حمو الذي كان يشتغل٬ إلى وقت قريب٬ في شركة لصنع الجسور الحديدية لخط القطار فائق السرعة٬ الذي كان من المفترض أن يربط مدينتي بورتو وفيغو بالشمال الغربي لإسبانيا٬ لكن المشروع توقف بفعل الأزمة.
ولمواجهة الصعوبات الاقتصادية والمالية أعلنت البرتغال٬ التي كانت تراهن بقوة على هذا الخط الفائق السرعة لتنمية اقتصادها والرفع من صادراتها٬ عن تخليها عن مشروع القطار الفائق السرعة والذي كان من المرتقب أن تنتهي أشغاله سنة 2013.
وأعرب آيت حمو عن مخاوفه من مواجهة أصناف عمل هشة٬ أو فترات انقطاع عن العمل أو حتى عطالة ٬ في بلد لا يتعدى فيه الحد الأدنى للأجر الخام 500 أورو شهريا وتستفحل فيه البطالة بشكل كبير ٬ مضيفا أن الوضعية هي أسوء من ذلك بكثير بالنسبة لبعض الأشخاص الذين وجدوا أنفسهم مجبرين على تجريب حظهم في بلدان أوروبية أخرى بحثا عن حياة أفضل.
وإذا كان البعض يخشى من أن يزداد الوضع سوءا هذا العام بسبب الظروف الحالكة والآفاق الاقتصادية غير المطمئنة٬ فإن البعض الآخر يميل إلى محاولة التكيف مع هذه الظروف في انتظار وضع أفضل.
ومن جهته يؤكد عبد الكريم ٬وهو مستخدم في معمل إنتاج السكر بمنطقة بورتو٬ " أن الأزمة قائمة بالفعل٬ ولكن على عكس الآخرين٬ فإنني أعتبر نفسي محظوظا لأنني أتوفر على عمل قار يؤمن لي عيشا لائقا".
ويقول هذا العامل ذي الأربعين سنة والأب لطفلين٬ والذي يشتغل في هذا المعمل منذ حلوله بالبرتغال عام 2001 إنه "على الرغم من أن الأزمة قد أثرت على مدخراتي٬ فإنني مازلت أقوم بتحويلات إلى والدي في المغرب".
ومن جانبه أكد حمو أمكون٬ رئيس جمعية المهاجرين المغاربة "السلام"٬ ومقرها في بورتو٬ أن آثار الأزمة بادية على الغالبية العظمى من العاملين الأجانب من مختلف لأعمار. كما أن الصعوبات الاقتصادية والتوقعات المستقبلية غير المطمئنة٬ أدت إلى تفاقم وضع العمال الأجانب الهش في الأصل٬ وأن المتضررين على نحو أكبر من هذا الوضع هم ذوو المستوى التكويني والتأهيلي المتدن والذين يعملون في قطاعات حساسة للغاية بالنسبة للظرفية الاقتصادية من قبيل قطاعي البناء والنسيج.
وأضاف "أن الأزمة أثرت بشكل خاص على المغاربة الذين لديهم عقود عمل مؤقتة٬ وأولئك الذين يعملون في وحدات صناعية أنهكتها الصعوبات الاقتصادية أو تلك التي اضطرت إلى تسريح بعض عمالها"٬ مشيرا إلى أن العديد من الأسر المغربية تستفيد من برنامج السكن الاجتماعي٬ وهو ما سمح لها بمواجهة تداعيات الأزمة.
وفي هذا السياق الصعب٬ فإن القلق ما فتيء يزداد ٬ لاسيما وأن التوقعات الاقتصادية تظل غير مطمئنة ٬ بحيث يتوقع أن يشهد هذا البلد ٬ الذي أثرت فيه سياسة التقشف بشكل حاد على القدرة الشرائية للأسر٬ حالة من الركود تقدر نسبته ب 3ر3 بالمائة من الناتج الداخلي الخام ٬ ومعدل بطالة قد يستقر هذا العام في حدود 5ر14 في المائة.
وتتمثل سياسة التقشف في الميزانية التي يفرضها دائنو هذا البلد (الاتحاد الأوروبي والبنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي)٬ على الخصوص في الرفع من الضرائب ومن الضريبة على القيمة المضافة٬ وتقليص عدد الوظائف العمومية وانخفاض الخدمات الاجتماعية٬ فضلا عن إصلاح طموح لسوق الشغل٬ يروم أساسا تحقيق مرونة في أوقات العمل وتبسيط إجراءات التسريح وإلغاء أيام العطل والإجازات.
ويظل هذا النظام الصارم الجرعة المرة للبرتغاليين ولاسيما الشباب المدفوع إلى هجرية قسرية. فبهدف الهروب من الأزمة والعطالة والهشاشة٬ تلجأ أعداد متزايدة من البرتغاليين إلى الهجرة بحثا عن أماكن أرحب وأفضل٬ وهي ظاهرة قديمة ومتأصلة في تاريخ هذا البلد الذي يتخذ منحى جديدا كلما عانى من الركود.
ففي الوقت الذي ارتفعت فيه أعداد المهاجرين البرتغاليين العام الماضي (150٬000)٬ فإن مزيدا من العمال الأجانب٬ الذي يرزؤون تحت وطأة العمل الشاق٬ أصبحوا يفرون بدورهم من البطالة والهشاشة٬ لاسيما وأن أي انفراج لا يلوح في الأفق .
وأضحت البرتغال٬ بعد اليونان٬ تحت المجهر حيث بات احتمال تطبيق خطة ثانية للإنقاذ أمرا واردا . كما زادت الظرفية الصعبة المخاوف من أن يضطر هذا البلد إلى طلب إما مساعدات إضافية أو تمديد آجال خطة المساعدة٬ أو إعادة هيكلة الديون على غرار اليونان.
4-04-2012
المصدر/ وكالة المغرب العربي للأنباء