في صباح أحد الأيام مؤخرا في حي باباغو، وهو من أحياء الشريحة العليا من الطبقة الوسطى، وقف أعضاء حزب «غولدن دون» (الفجر الذهبي) اليوناني في سوق للخضراوات يقومون بحملة من أجل الانتخابات العامة المقبلة. وقال إلياس باناجيوتاروس، المتحدث باسم الحزب وأحد المرشحين وهو يوزع منشورات دعائية: «هذا هو برنامج حزبنا الذي يتطلع إلى يونان نظيفة آمنة لليونانيين فقط». واقترب من سيدة أكبر سنا تحكي عن سرقة 800 دولار من إحدى قريباتها وتقول: «لقد طرحوها أرضا وسرقوا 600 يورو كانت قد سحبتها لتوها من المصرف لتدفع مصروفات دار رعاية زوجها. إنها شيوعية وأخبرتني أنها متجهة إلى (غولدن دون) لإبلاغهم بالأمر». كان هذا الحديث إشارة إلى محاولات جماعة متشددة، يُعرف عنها ارتكاب أعمال عنف ضد المهاجرين في وسط أثينا وتأدية بعض أعضائها التحية النازية، الحصول على قبول بين صفوف الشعب من خلال استغلال المخاوف من تزايد الهجرة غير الشرعية وخروجها عن السيطرة في وقت يعاني فيها الاقتصاد وتتقلص فيه فرص العمل.
ويشير الكثير من استطلاعات الرأي إلى أن «غولدن دون» ربما يتجاوز نسبة 3 في المائة المطلوبة لدخول البرلمان في انتخابات 6 مايو (أيار) المقبل. وظل الحزب يقوم بحملاته في الشوارع وهو ما عزف عنه أكثر السياسيين خوفا من أن يثير ردود فعل غاضبة من الناخبين الذين يحملونهم مسؤولية الانهيار الاقتصادي الذي تشهده البلاد. وحتى إن أخفق الحزب في دخول البرلمان، سيكون نجح في التأثير على الجدل السياسي الدائر على الساحة. واستجابة للمخاوف بشأن الهجرة وارتفاع معدل الجريمة، استغل أكبر حزبين في اليونان، الحزب الاشتراكي وحزب الديمقراطية الجديدة (يمين وسط) هذه المشاعر الشعبية، وباتا يتبنيان نهج اليمين في الحملة التي تمثل قضية الهجرة ركيزتها الأساسية وتقع على القدر نفسه من أهمية قضية الاقتصاد.
ويقول خبراء إن الجماعة تكسب المساحة التي تخلت عنها الدولة اليونانية في إشارة سلبية تدل على مساهمة الانهيار الاقتصادي في تنامي نفوذ الجماعات المتطرفة، في الوقت الذي ينحسر فيه التيار السياسي السائد مما جعل بعض الصحف اليونانية تشبه الوضع بجمهورية فايمر التي نشأت في ألمانيا. وقال نيكوس ديمترزيس، أستاذ العلوم السياسية في جامعة أثينا: «المجتمع اليوناني في هذه المرحلة مثل معمل ينتج فيه تيار اليمين المتطرف. نحن نمر بأزمة مالية غير مسبوقة. صرنا مجتمعا ممزقا لا تجمعه روابط اجتماعية، وينتشر فيه الفساد على جميع مستويات الإدارة الحكم».
وتعد اليونان نقطة دخول للمهاجرين غير الشرعيين، الذين يسعى بعضهم للحصول على اللجوء السياسي، بينما يسعى أكثرهم إلى الذهاب لبلاد أكثر تقدما اقتصاديا مثل دول شمال وغرب أوروبا على حد قول منتقدين يعزون ذلك إلى ضعف القدرة على ضبط الحدود مع تركيا. ومع ذلك يظل الكثير من المهاجرين في اليونان أو يعودون إليها بعد ترحيلهم من بلدان أوروبية أخرى. وزاد هذا الخوف من هجوم المهاجرين غير الشرعيين الذين لا يرى خبراء الاقتصاد أنهم سبب ما تمر به اليونان من مشكلات اقتصادية، لكنهم في الوقت ذاته يمثلون كبش فداء من السهل على السياسيين الذين يعملون على الساحة السياسية هنا استغلاله. وتراجعت شعبية الحزب الاشتراكي، الذي كان في سدة الحكم وقت تقدم اليونان بطلب لتنفيذ خطة إنقاذ مالي ويحاول جاهدا التوصل إلى طريقة لاستعادة التواصل مع الناخبين.
وقال وزير الأمن العام، ميخاليس خريسخويدس، وهو اشتراكي في حكومة لوكاس باباديموس المؤقتة، الشهر الحالي، إن اليونان ستقيم مراكز اعتقال للمهاجرين غير الشرعيين. وأثار وزير الصحة وهو ينتمي إلى الحزب الاشتراكي أيضا ضجة حين قال إن اليونان ستفرض على المهاجرين غير الشرعيين إجراء فحوص للتأكد من خلوهم من الأمراض المعدية. وحذر الحزبان الرئيسيان في البلاد من مخاطر التطرف، فقد حذر إيفانغيلوس فينيزيلوس، أحد المرشحين للانتخابات العامة عن الحزب الاشتراكي، الأسبوع الماضي، من أن يكون البرلمان مكانا للذين يملأهم الحنين إلى الماضي الفاشي والنازي. ومن الواضح أن «غولدن دون» يحن إلى الاثنين.
تأسس حزب «غولدن دون» في بداية الثمانينات على يد متعاطفين مع الحكم العسكري الديكتاتوري لليونان منذ 1967 إلى 1974. ولطالما كان يتبنى فكر النازية الجديدة. ويشبه رمز الحزب الصليب المعقوف ويتم عرض نسخ من كتاب «كفاحي» لأدولف هتلر وكتب أخرى عن النقاء العرقي لليونانيين دائما في مقرات الحزب في أثينا. واستغل الحزب في بداية التسعينيات المعارضة الكبيرة لإطلاق اسم مقدونيا التي كانت جزءا من جمهورية يوغوسلافيا على واحد من أقاليم اليونان. وتوقف حزب «غولدن دون» خلال السنوات القليلة الماضية عن الحديث عن تأييده للنازية الجديدة وركز على القيام بأفعال مناهضة للهجرة في وسط أثينا، حيث يقيم عدد كبير من المهاجرين غير الشرعيين وأكثرهم من جنوب آسيا وألبانيا وأفريقيا. ودعم الحزب حركة «جماعات حماية المواطنين» التي يقول عنها إنها تهدف إلى حماية المواطنين اليونانيين من الجرائم التي يرتكبها المهاجرون، بينما يقول عنهم معارضوهم إنهم فرق غير قانونية. وفي حادث كبير وقع في مايو (أيار) الماضي، طُعن رجل يوناني حتى الموت في أثينا وهو في اتجاهه إلى سيارته لاصطحاب زوجته الحامل إلى المستشفى. وردا على هذا الحادث، قام الحزب وجماعات يمينية متطرفة أخرى بأعمال شغب مناهضة للمهاجرين استمرت لعدة أيام.
ويقول تاسوس كوستوبولوس، الخبير في الشؤون اليونانية: «حتى هذه اللحظة لا يمثل الحزب خطرا سياسيا، لكنه في الواقع خطير». وقال كوستوبولوس وآخرون إن «غولدن دون» لديه روابط تاريخية بالدولة اليونانية وخاصة الشرطة. وقال خريسخويدس في مقابلة على شاشة التلفزيون العام الماضي إنه عندما تولى المنصب عام 2009، كان هناك أعضاء في «غولدن دون» وعدد من الفاشيين يساعدون الشرطة.
وأقر المتحدث باسم الشرطة اليونانية، أثاناسيوس كوكالاكيس، بأحداث العنف العنصرية التي شهدتها أثينا، لكنه أوضح أن قوات الشرطة لم تتحقق من وجود علاقة بين أفراد الشرطة وبين أعضاء حزب «غولدن دون». ولم ينجح الحزب في أي انتخابات عامة منذ عام 1994، لكنه اتخذ خطوة كبيرة باتجاه الشرعية عام 2010 عندما تم انتخاب زعيمه نيكوس ميخالولياكوس، لعضوية مجلس مدينة أثينا. ووصف ميخالولياكوس أعضاء الحزب في مقابلة بـ«الاشتراكيين القوميين»، وقال إنه يشعر بقلق بالغ من ارتفاع معدل الجريمة والأزمة المالية. كما أوضح أن الحزب يعارض اتفاق اليونان مع جهات الإقراض الأجنبية وأن القيادة السياسية للبلاد تشعر بالتزام أكثر مما ينبغي باتجاه «المصارف الدولية». وقال أيضا إن التحية النازية التي يؤديها أعضاء الحزب لا تأتي في إطار سياسة رسمية للحزب، مضيفا: «لا يمكننا السيطرة على الآلاف من الناس».
لكن مع ذلك وبعد انتخابه بفترة قصيرة، تم التقاط مقطع مصور لميخالولياكوس وهو يؤدي التحية النازية في مجلس المدينة. وعند سؤاله ما إذا كان يعتقد في حدوث المحرقة (الهولوكوست) حقا، أجاب: «أعتقد أن المنتصر هو الذي يكتب التاريخ».
وكان إلياس كاسيدياريس، وهو قيادي آخر في الحزب، أكثر صراحة حين قال في مقابلة: «الرأي السائد في أوروبا هو أن عدد القتلى اليهود بلغ ستة ملايين، بينما أثبت التاريخ أن هذا محض كذب». وأضاف كاسيدياريس أنه يعتقد ضرورة ترحيل المهاجرين غير الشرعيين فورا، مقترحا زرع حقول ألغام على طول الحدود مع تركيا. ومع ذلك أوضح أن ذلك ليس من أجل «قتل المهاجرين، بل لرسم حدود المنطقة لإثناء أي شخص عن مجرد التفكير في دخول البلاد».
ولم يتضح بعد ما إذا كان «غولدن دون» مهتما حقا بالتحول من مجموعة مقاتلي شوارع إلى حزب سياسي. وكثيرا ما رفض قادة الجماعة حضور الصحافيين لاجتماعات حزبهم بزعم أن هذا انتهاك لخصوصية الأعضاء. ويزعم قادة الحزب أن أعضاءه يبلغ عددهم 12 ألفا، لكن لم يتسن التحقق من هذا الرقم من مصدر مستقل.
16-04-2012
المصدر/ جريدة الشرق الأوسط