التوقيف في المنافذ الحدودية الأميركية مع كندا والاستجواب لساعات طويلة، وأسئلة تفصيلية تتعلق مباشرة بالديانة وكيفية العبادة والممارسات الدينية وغيرها، أصبحت تضيف فصلاً جديداً من المعاناة يثقل كاهل العرب والمسلمين الأميركيين، الذين طالما أحسنوا الظن ببلاد تحترم الحريات والأديان وتدافع عن منظومة الحقوق المدنية وترفع رأسها بين الشعوب مدعية أن اختلاف الثقافات والأديان هو أحد عوامل نجاح الأمم وتقدمها.
وقد بات توقيف دوريات الحدود والجمارك الأميركية للمسلمين الأميركيين العائدين من كندا مشهداً مألوفاً، حيث يتم القبض عليهم ووضع الأغلال في أيديهم قبل سوقهم إلى غرف تحقيق للإجابة عن أسئلة تتعلق بمعتقداتهم وممارساتهم الدينية، وتترتب عليهم الإجابة على أسئلة من قبيل، هل تصلي في المسجد أم في البيت، وكم مرة تصلي في اليوم، وما هي أسماء المساجد التي ترتادها، وما أسماء الأئمة فيها، وهل أنت منخرط في نشاطات دينية أو سياسية؟
دعوى فدرالية
ودفع هذا الواقع مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية "كير" في ولاية ميشيغان، باسم أربعة أميركيين من العرب والمسلمين، إلى رفع دعوى فدرالية ضد وكالة حماية الحدود والجمارك الأميركية "سي بي بي" ومكتب التحقيقات الفدرالي "إف بي آي"، لمساءلة السلطات القضائية بإصدار أحكام تضع حداً لممارسات الأجهزة الأمنية التي تخالف -بحسب الادعاء- التعديل الأول في الدستور الأميركي الذي يضمن العبادة والاعتقاد الديني، وتعمق ثقافة التنميط والتمييز العنصري في البلاد.
وعبر مدير "كير" في ميشيغان داود وليد عن تراجع حريات المسلمين الأميركيين المدنية منذ هجمات 11 سبتمبر 2001، قائلاً "لقد باتت هذه الأحداث تتكرر بوتيرة ملفتة ولدينا، بالمتوسط، في كل أسبوع أربع حالات توقيف أو استجواب لمسلمين من قبل الوكالات الفدرالية، ومنها الـ"إف بي آي"، ولا يقتصر هذا الواقع على ولاية ميشيغان وحدها بل ينسحب على جميع المدن والولايات الأميركية".
وقال وسام شرف الدين -وهو أحد الأربعة الذين رفعت الدعوى بأسمائهم- إن السلطات أوقفته عدة مرات منذ العام 2008 لفترات تتراوح بين ثلاث وثماني ساعات وفي كل مرة يستجوب بشأن أمور ومعتقدات تتصل بالموضوع الديني.
وأضاف في حديث للجزيرة نت "في إحدى المرات قلت لهم لماذا لا تسألونني عن ديني أولاً؟ وبعدها اسألوني عن التفاصيل الأخرى، فماذا لو كنت غير مسلم. ثم كيف عرفتم أنني مسلم أصلا؟".
وأشار شرف إلى أن المحققين كانوا غير معنيين بالإجابة على تساؤلاته و"بدوا وكأنهم ينفذون تعليمات ما".
من ناحيته، قال إمام المركز الإسلامي في مدينة كانتون علي سليمان علي، غاني المولد "لقد تم اعتقالي أكثر من مرة، في المطارات، وعلى المداخل الحدودية مع كندا، وآخر مرة كانت في ديسمبر الماضي عندما كنت عائداً من تورنتو الكندية لأميركا، قاموا بتفتيش سيارتي ومحفظتي وجميع أوراقي". مضيفاً "لقد صدمت حين وضعوا القيود في يدي، لقد قيدوني وعاملوني كأنني مجرم وساقوني إلى غرفة تحقيق، وسألوني عن ديني وممارساتي الدينية".
اضطهاد المسلمين
ولفت المحامي شريف عقيل في مؤتمر صحفي إلى أن وكالة حماية الحدود تضطهد المسلمين، مضيفاً أنه من الصعب أن نتصور يهودياً أو كاثوليكياً أميركياً يتم توقيفه واستجوابه بشأن دينه. وأضاف "إنهم فعلا يستهدفون مجموعة بعينها".
وساند مدير منظمة التحالف من أجل حقوق المهاجرين ريان بيتس، مجلس "كير" في رفعه الدعوى وقال "إن كير برفعه هذه الدعوى لا يدافع عن أفراد بعينهم بل هو يدافع عن منظومة الحقوق المدنية في بلادنا، فهذه الوكالات تسيء استخدام السلطة".
وأضاف "عندما تستهدف حكومتنا الناس بسبب أشكالهم ومعتقداتهم واستجوابهم بشأن ممارساتهم الدينية، وليس بشأن أية أعمال أخرى يقومون بها، فهذا يجعلنا نتساءل هل هذه السلوكيات توفر لنا الأمن فعلاً، لماذا هذه الهستيريا وإثارة الإسلاموفوبيا بهذه الطريقة؟".
وأمل بيتس أن تنجح هذه الدعوى القضائية في إقناع المسؤولين في وزارة الأمن الداخلي "هوم لاند سيكيورتي" بأخذ الحقوق المدنية للمواطنين الأميركيين بعين الاعتبار، فالأمن -على حد وصفه- لا يمكن أن يتحقق إلا بحماية الحريات المدنية نفسها.
25-04-2012
المصدر/ موقع الجزيرة نت