كل عام، يجد نحو ألف من الأجانب المقيمين في سويسرا بصفة غير شرعية، أنفسهم أمام بوابات الموانئ الجوية، حيث يستقلون طائرات تحملهم إلى بلادهم أو إلى بلاد أوروبية، ذلك أن بقاءهم في سويسرا لم يعد موضع ترحيب، كما أن سياسة الإبعاد بحق الأشخاص غير المرغوب فيهم، في بلد خُمُس السكان فيه من الأجانب، تبدو أمرا اعتياديا.
في نوفمبر 2010، أي بعد أربع سنوات من تحوير القوانين المتعلقة باللجوء والأجانب باتجاه إضفاء مزيد من التشديد عليها، وافق الناخبون السويسريون على مبادرة الطرد المثيرة للجدل، التي تقدم بها اليمين الشعبوي، والقاضية بالطرد التلقائي من البلاد للأجانب المُدانين بارتكاب جرائم خطيرة، كالاغتصاب والسرقة بالإكراه والاتجار بالمخدرات والاحتيال بغرض سوء استغلال المساعدات الاجتماعية.
ويشار إلى أن صياغة المبادرة، في مشروع قانون، أثارت حينها لغطا كثيرا وشرخا في الرأي العام، ليس فقط لأن النص ربما ينتهك مبادئ الدستور الفدرالي والإتفاقيات الدولية التي صادقت عليها سويسرا، بل كذلك لوجود قلق من أن قائمة الجرائم التي تتضمنها المبادرة تبدو مطّاطة، إلى الحد الذي يمكن، ولو من الناحية النظرية، أن تكون ذريعة لأن تُطبّق على حالات أقل خطرا، كالسطو مثلا.
ومع أن الإحصاءات بشأن الجريمة عززت موقف أولئك الذين يؤيدون انتهاج سياسة أكثر تشددا (انظر الرسم البياني المرفق جانبا)، إلا أن أصواتا أخرى انطلقت تدافع عن ما تعتبره نزعة مُعادية للأجانب باعتبارها مُتهيّئة لتجريم – حتى – أولئك الذين ليسوا مجرمين.
ولكن، يا ترى مَن هُمُ الأجانب الذين يتم طردهم من سويسرا؟ يجيب هندريك كراوْسْكوبْف، الخبير لدى المكتب الفدرالي للهجرة بشأن معايير الإبعاد ، في تصريح لـ swissinfo.ch: "هم صنفان من الأجانب: صنف يدخل ضمن إطار اللجوء، وصنف آخر يدخل ضمن إطار القانون الفدرالي بشأن الأجانب". كما أوضح أن المكتب الفدرالي للهجرة يُعنَى بالشأن المتعلّق بطالبي اللجوء، في حين تتولى السلطات المحلية في الكانتونات التقرير في طرد الأجانب الذين ينتهكون قوانين الهجرة والإقامة في سويسرا.
المغادرون طوعا..
في سياق متصل، أفاد كراوْسْكوبْف، بأن عدد مَن رُحّلوا من سويسرا في عام 2011، عن طريق الجو بلغ 9641 شخص (مقابل 80461 شخص في عام 2010)، ينتمي أكثر من ثلثيهم (6669 شخص) إلى فئة الأشخاص الذين قدموا إلى سويسرا لتقديم طلبات لجوء، وتابع: "إنهم من طالبي اللجوء الذين رُفِضت طلباتهم أو من الذين لم تُعَر طلباتهم اهتماما".
وبالتوقف عند مسألة "عدم إعارة طلب اللجوء اهتماما"، يجدر التنويه إلى أن ذلك يحدث إما لأن الطلب غير قانوني أو لأنه ناقص، وإما لأن طالب اللجوء سبق له أن تقدّم بطلب مماثل إلى بلد أوروبي آخر، وهو ما نصت عليه اتفاقية دبلن التي دخلت حيّز التنفيذ منذ شهر ديسمبر 2008، وبموجبها يحق لسويسرا ترحيل الشخص المعني إلى الدولة الأوروبية ذات الصلة، حيث أن "نصف من تمّ ترحيلهم من طالبي اللجوء، في العام الماضي، هم من الداخلين ضمن اتفاقية دبلن"، على حدّ قول الخبير لدى المكتب الفدرالي للهجرة.
وأكد كراوْسْكوبْف بأن حوالي 40٪ من طالبي اللجوء المرفوضين غادروا البلاد بشكل طوعي، و"هذا معناه، أنهم ذهبوا إلى المطار دون مرافقة من رجال الشرطة، أما في باقي الحالات فقد رافق رجال الأمن الشخص المعني لغاية صعود الطائرة على أقل تقدير".
ومن أجل تشجيع طالبي اللجوء على مغادرة سويسرا بشكل طوعي، تُقدّم الدولة ما يُسمى بالمساعدة من أجل العودة، وهي في العادة منحة مالية، اقترحت الحكومة في شهر أبريل 2012 الترفيع فيها لتصل إلى حد أقصى قدره 2000 فرنك سويسري، وذلك بهدف تسريع عملية الترحيل، وهوتوجّه، مُستقى مما يعرف بـاسم "مشروع المغرب العربي" الذي ابتدره كانتون جنيف، ويتعامل به حاليا مع رعايا شمال أفريقيا من طالبي اللجوء الذين رفضت طلباتهم وممن تكررت إدانتهم في جرائم عدلية.
وفي الواقع، لا يُغادر جميع طالبي اللجوء المرفوضين التراب السويسري، بل هناك من يلجؤون إلى التخفّي والبقاء في البلاد ضمن طوابير المهاجرين السرّيين، دون أي صفة شرعية وبدون تصريح إقامة ساري المفعول. وإلى حد الساعة، لا توجد أرقام رسمية تحدد أعدادهم ولا نسبتهم.
.. والمخالفون لقوانين الهجرة والإقامة
وأما بشأن الأسباب التي تستدعي الطرد من سويسرا، مما لا يمت إلى القضايا المتعلقة باللجوء بصلة، فهي عديدة، بحسب قول غي بيرنينس، رئيس قسم الأجانب في دائرة النفوس في كانتون فو، لـ swissinfo.ch الذي أوضح أنه "من الممكن أن تكون الإقامة غير شرعية، وهذا لا يتعلق فقط بالأشخاص الذين لم يحصلوا على تصاريح إقامة، ولكنه يشمل أيضا الطلاب الذين إقاماتهم مؤقتة وتنتهي بانتهاء دراستهم ولكنهم مع ذلك لا يغادرون البلاد، وقد يتعلق الأمر أيضا بالأجانب الذين يحصلون على تصاريح إقامة بموجب عقد قران، ثم سرعان ما يتم إنهاء العلاقة الزوجية".
إضافة إلى ذلك، ينص القانون على "إلغاء تصاريح الإقامة لبعض الأصناف ممن يعتمدون (في معيشتهم) على الرعاية الإجتماعية"، على حدّ قول بيرنينس، الذي أضاف أنه "يلحق بتلك الأصناف التي لم ترتكب عملا إجراميا، الأجانب الذين هم في نظر القانون مُجرمون حقيقيون، ممن ارتكبوا جرائم خطيرة، أو الذين يشكلون خطرا على النظام والأمن العامّين".
بيرنينس أكد أيضا عدم وجود أرقام حقيقية حول أعدادهم الجملية وقال: "ليس لدينا المعطيات اللازمة لمثل هذه الإحصائيات، وإن كنت أعتقد بأن الأجانب الذين ارتكبوا جرائم خطيرة لا يمثلون غالبية المُبعَدين". في المقابل، أوضح المكتب الفدرالي للهجرة بأن فئة المجرمين هم قلة قليلة من بين المُبعَدين، وأن أعدادهم تترواح سنويا ما بين 350 و 400 شخص، بناء على تصريح أدلى به، في عام 2010، رئيس المكتب آلار دوبوا رومو.
إمكانية التفاوض
من جهة أخرى، كشف غي بيرنينس أن المدة التي يجب أن يغادر فيها الشخص المعني سويسرا تختلف من حالة إلى أخرى، وقال: "يُمنح الأشخاص الذين لا يشكلون تهديدا مهلة قد تصل إلى ثلاثة أشهر، بينما قد تُتّخَذ إجراءات الطرد المباشر في الحالات الخَطِرة".
وفي هذا الصدد، ذكر بيرنينس أنه في كانتون فو، حيث يمثّل الأجانب 30٪ من نسبة السكان، وهي من بين أعلى النِّسَب في البلاد، ثمّة حرص على المغادرة الطوعية، فالشخص الذي لا يتجاوب بالطلب والحث، يجري استدعاؤه إلى مكتب الهجرة لبحث طريقة مغادرته للبلاد. وتابع القول: "نحن على استعداد للتفاوض حول المدّة المطلوبة للتنفيذ، والتي يمكن أن تكون مع عائلة الشخص، على سبيل المثال، وفي بعض الأحيان نعرض المساعدة على العودة، على غرار ما نفعل مع طالبي اللجوء"، والهدف من وراء المساعدة، والتي قد تصل إلى 6 آلاف فرنك سويسري، هو تسهيل إعادة الإندماج في البلد الأصلي.
وفي حال ما إذا أصرّ الشخص على عدم مغادرة سويسرا فلا مفر عندئذ من اتخاذ الإجراءات الخاصة بالترحيل القسري، تبعا لما ذكره مارك أوريل شميد، المتحدث باسم مكتب الهجرة في كانتون زيورخ، وقال: "من الممكن أن يُـوضـع رهن الإعتقال الإداري أو أن يتم ترحيله عنوة".
وفي أقصى الحالات، يعمد المكتب الفدرالي للهجرة وقوات الأمن إلى الترحيل بواسطة "رحلات خاصة"، حيث بلغ عددها 165 حالة في عام 2011، وهذا الإجراء مَثارُ جدلٍ وتُستخدَم فيه القوة البدنية والأصفاد وغيرها من وسائل التثبيت ومنع الحركة.
ممنوع الدخول
ومن الناحية النظرية، يمكن للشخص الأجنبي الذي تمّ ترحيله من سويسرا العودة إليها في غضون أيام، ويكفي لذلك أن يحصل على تأشيرة دخول من إحدى السفارات السويسرية، أو أن يستغل اتفاقية حرية التنقل إذا كان من رعايا إحدى دول الإتحاد الأوروبي. غير أن قرار الطرد غالبا ما يكون مصحوبا بقرار المنع من دخول البلاد خلال "مدة أقصاها خمس سنوات، قابلة للتمديد في الحالات التي تشكّل تهديدا أمنيا"، بناء على ما ألحظ إليه مارك أوريل شميد.
وعلى الرغم من كل تلك التدابير، إلا أنه لا ضمان من عدم عودة المُبعَدين مرّة أخرى إلى الأراضي السويسرية، وهو ما أقرت به شرطة كانتون زيورخ في عام 2011، حين ذكرت بأن أصحاب المكر والدهاء يقومون بتغيير جوازات سفرهم في بلدانهم، ثم لا يترددون في العودة إلى سويسرا بجواز سفر جديد وباسم جديد.
15-05-2012
المصدر/ موقع سويس أنفو