منذ سنوات و"آيسن يسرا يلمز"، وهي ابنة مهاجرين تركيين جاءا إلى ألمانيا قصد العمل فيها بشكل مؤقت، تبحث عن طريقة لترسيخ دينها في الثقافة الألمانية التي تقول إنها تبنتها باعتبارها ثقافتها. وقد وجدت ضالتها أخيراً هذا العام في أول كلية إسلامية ألمانية ممولة من قبل الدولة، ترتبط بجامعة توبينن في سفوح منطقة "الغابة السوداء" الجبلية والتي تعد واحدة من أقدم الجامعات الألمانية. وتقول" يلماز"، وهي واحدة من بين 36 طالباً وطالبة مسجلين في برنامج إجازة جديد هناك: "إننا نعيش في ألمانيا، وبالتالي يجب أن نكون قادرين على تمثيل ديننا في ألمانيا".
افتتاح الكلية في "توبينن" ستتلوه افتتاحات أخرى في وقت لاحق من هذا العام في كل من "أوسنابرك ونرنبورج وفرانكفورت"، وبتمويل حكومي يناهز 20 مليون يورو للسنوات الخمس المقبلة، تهدف الكليات الدينية إلى إعداد وتدريب جيل جديد من رجال الدين والفقهاء المسلمين المتشبعين بالثقافة الألمانية، والتخلص مما يقول الخبراء إنه أحد الأسباب الرئيسية لتطرف المسلمين الشباب في أوروبا - غياب الأئمة المدرَّبين في البلاد.
ولدى ألمانيا اليوم 4 ملايين مسلم، باحتساب المهاجرين والمولودين هنا، وهو ما يشكل نحو 5 في المئة من مجموع السكان. ولكن غياب التدريب الديني في البلاد يعني أن معظم أئمة ألمانيا الـ 2000 يأتون من الخارج، ولاسيما تركيا، حيث يمكثون مدة تبلغ 4 سنوات في المتوسط.
غير أن هيمنة الأئمة الأجانب على تعليم مسلمي ألمانيا يفاقم الصعوبات التي يجدها هؤلاء أصلاً في الاندماج في المجتمع الألماني. كما أن الأئمة المستقدَمين من الخارج يميلون إلى الترويج لتأويل أكثر تشدداً للقرآن، مثلما يقول بعض الخبراء، وكثيراً ما يكونون غير مستعدين أو مؤهلين للتعاطي مع جوانب عديدة من مهمتهم في ألمانيا.
فالأئمة هنا غير مطالَبين بأن يأمُّوا المصلين هنا في صلاة الجمعة فحسب، وإنما أن يكونوا أيضاً بمثابة مستشارين، ومساعدين اجتماعيين يعملون مع الأطفال والمراهقين، ونشطاء يعملون على تنظيم الجالية المسلمة - باختصار، عليهم أن يكونوا بمثابة جسر بين المسجد والحياة العلمانية اليومية في ألمانيا. غير أنهم لا يعرفون السياق للإجابة على كيف ينبغي التعامل مع الكثير من المشاكل التي تواجه المسلمين الشباب في أوروبا الغربية، ومن ذلك مثلاً :وفتاة مسلمة ترغب في الاستفادة من دروس السباحة في المدرسة.
وفي هذا الإطار، يقول "بولانت أوكار"، أستاذ التعليم الديني الإسلامي بجامعة "أوسنابرك"، التي نظمت العام الماضي دورة تدريبية مكثفة رائدة لفائدة الأئمة الأجانب حول المجتمع واللغة الألمانيين: "إن معظمهم يتعامل مع الناس انطلاقاً من ثقافة بلدهم ولغة بلدهم"، مضيفاً أن هناك 30 إماماً مسجلاً في هذه الدورة حتى الآن، في وقت يوجد فيه عدد أكبر على قائمة الانتظار. وهذا الخريف، من المنتظر أن تحتضن جامعة "أوسنابرك" ثاني مركز من أصل المراكز الدينية الإسلامية الأربعة المموَّلة من قبل الدولة.
ويقول أوكار: "الأئمة لديهم نوايا حسنة، ولكنهم لا يستطيعون القيام بمهامهم. إنهم لا يستطيعون استيفاء الشروط اللازمة لحدوث الاندماج لأنهم لا يتحدثون اللغة الألمانية".
ندرة الأئمة الذين يتحدثون اللغة الألمانية ويستطيعون التواصل مع المسلمين الألمان الشباب تمثل أيضاً مشكلة في أعين ألمانيا بسبب الشعبية المتزايدة لجيل جديد من الأئمة الشباب المتشددين الذين يتحدثون الألمانية مثل "بيير فوجل"، وهو ملاكم محترف سابق اعتنق الإسلام ويجذب حشوداً كبيرة جداً من الجمهور.
"فوجل" وهو مواطن ألماني في الثلاثينيات درس في مدرسة كاثوليكية حين كان طفلاً، تحول لاحقاً إلى السلفية التي تعتبر أسرع تيار إسلامي نمواً في ألمانيا. وهو يعرف كيف يتواصل مع الشباب، وبخاصة أولئك الذين يشعرون بأنهم يعيشون حياة بلا هدف في المجتمع الألماني ولكنه يجد أن الأئمة الأتراك الذين يُستقدمون إلى البلاد يفتقرون إلى أدوات التواصل مع المسلمين المحليين.
ويتفق بعض الخبراء على أن وجود أشخاص مثل "فوجل"، الذي يرخي لحية حمراء طويلة ويدعو نفسه أبا حمزة، يجعل من الحاجة إلى أئمة مدربين في ألمانيا أكبر وأكثر إلحاحاً. وفي هذا السياق، يقول عالم الاجتماع "روف سيلان" من جامعة "أوسنابرك": "بالنسبة للشباب الذين يبحثون عن التوجيه، فإن الاتصال بأئمة من هذا النوع يمكن أن يكون الخطوة الأولى نحو الانزلاق إلى عنف إسلامي".
وكانت وزيرة التعليم "أنيت شافان" قالت لدى افتتاح المركز الديني الإسلامي في "توبينن" رسمياً في يناير الماضي إن خريجي المركز سيمثلون أفضل ترياق ضد "وعاظ الكراهية"، مضيفة: "إن الدين ينبغي تعلمه بشكل كامل".
"زهيك سيسيك" تسجل في برنامج "توبينن" تحديداً من أجل محاربة تحول بعض المسلمين إلى التطرف. ويقول "سيسيك"، الذي نشأ في شتوتجارت في عائلة بوسنية- عراقية: "إن الأشخاص مثل "بيير فوجل" ليست لديهم أي فكرة عن الدين"، مضيفاً "الشباب لا يعرفون أي شيء، والجهل خطير. فعندما لا يستطيع المرء شرح شيء ما، فإنه يصبح عدائياً". "ولهذا، يتعين على الشباب أن يعرفوا المزيد عن الإسلام- حتى لا تكون هناك تلك العدوانية".
22-05-2012
المصدر/جريدة الاتحاد الإماراتية