الأحد، 24 نونبر 2024 22:34

مشكلة الاندماج: فرنسا في مواجهة الضواحي

الجمعة, 28 فبراير 2014

 بين الفينة والأخرى تهتز فرنسا على وقع أعمال عنف ومظاهرات صاخبة بين شبابها المنحدر من أصول عربية وأفريقية وبين الشرطة، إذ لم يعد أبناء الضواحي راضين على وضعهم الاجتماعي وإقصائهم الثقافي من الحياة الفرنسية العامة، لذا تندلع بين كل فترة وأخرى مواجهات دامية تتعدد التحليلات بشأن أسبابها الحقيقية ودوافعها الكامنة.

 ومن بين تلك التحليلات ما يطرحه الصحفي البريطاني أندرو هوسي في كتابه الذي نعرضه هنا، «الانتفاضة الفرنسية... كيف يحارب عرب الضواحي الدولة الفرنسية»، والذي يسعى من خلاله إلى تتبع بعض أبرز الاضطرابات التي شهدتها فرنسا في السنوات الماضية والمواجهات التي دارت بين مواطنيها المنحدرين من أصول شمال أفريقية وبين أجهزتها الأمنية، راصداً مواقف الخبراء الفرنسيين ومستعرضاً آراءهم. وفي هذا السياق يعود بنا الكاتب إلى أحد الاضطرابات الكبرى التي عاشت فرنسا على وقعها في عام 2005 عندما اندلعت مظاهرات حاشدة في إحدى الضواحي الباريسية بين الشباب المتحدر من أصول عربية وأفريقية وبين الشرطة، لتعم باقي المدن الفرنسية ويسود القلق بين المسؤولين، الأمر الذي دفع بشيراك إلى إعلان حالة الطوارئ وتخويل الشرطة صلاحية ملاحقة عناصر التمرد.

 ومع أن الحوادث التي تشعل فتيل المواجهات تكون استثنائية بسبب المعاملة القاسية للشرطة، مثل تعرض شابين للصعق الكهربائي أثناء فرارهما من الشرطة، إلا أنها، كما يقول الكاتب، لا تمثل سوى رأس الجبل الذي يخفي تاريخاً من المرارة إزاء الدولة الفرنسية، فضلا عن فشل سياسات الاندماج التي تعتمدها فرنسا إزاء مواطنيها من أصول مهاجرة.

وكما يشير الكاتب، ما أن اندلعت أعمال العنف، حتى انبرت العديد من الأقلام الفرنسية لتحليل ما جرى. ومع أن موجة العنف تلك لم تدم أكثر من أسبوعين لتستقر الأمور بعدها، فقد بدا أن قدرة الشباب على مواجهة الدولة والخروج ضدها باتت أكبر من ذي قبل.

ورغم التباين في قراءة الحدث وتقدير الموقف، اتفق الفرنسيون، من اليمين واليسار، على مجموعة من النقاط، فأولا ووفاء لتقليد فرنسي راسخ، يقول الكاتب، اتجهت أصابع الاتهام إلى الإعلام الأنجلوسكسوني الذي «بالغ» في تصوير الاحتجاجات على أنها تهديد أمني لفرنسا، معتبرين أن تلك المنابر الإعلامية الأجنبية لا تعرف الكثير عن البلد وتحاول صرف الانتباه عن المشاكل الداخلية لتلك الدول مع الهجرة.

أما النقطة الثانية التي اتفق عليها المعلقون الفرنسيون فهي نفي أي علاقة بين انتفاضة الضواحي وبين الإسلام، أو ماضي فرنسا الاستعماري في أفريقيا، بل ذهبوا بعيداً، سواء المنابر اليسارية مثل «لو موند» و«ليبراسيون» أو نظيرتها اليمينية مثل «لو فيجارو»، إلى النأي بأعمال العنف عن قضايا التشدد الديني. فحسب هؤلاء المعلقين، جاءت الانتفاضة تعبيراً عن «الانقسام المجتمعي» وغياب «العدالة الاجتماعية»، بل حتى الاستخبارات الفرنسية المعروفة باسم «الاستعلامات العامة» انضمت إلى محاولة تحليل الأحداث وقراءتها من خلال التقرير الذي أصدرته، واصفةً ما جرى بأنه «تمرد شعبي»، ومقللة من دور الجماعات الإسلامية المتشددة.

وبهذا المعنى، يقول الكاتب، أسبغ أغلب المعلقين الفرنسيين الطابع المحلي على انتفاضة 2005 كجزء من تقليد فرنسي راسخ يشجع على الاحتجاج، وأن ما جرى ينسجم مع ثقافة التمرد الفرنسية. لكن حسب الكاتب لا يمكن الاختباء وراء تقاليد الاحتجاج الفرنسية باعتبارها الباعث الأساسي لانتفاضة الضواحي التي تشهدها فرنسا بين فترة وأخرى، ذلك أن القيم التي تستند إليها الجمهورية الفرنسية تنطوي على بعض الاختلالات، لاسيما في تعاطيها مع المتحدرين من أصول مهاجرة.

 فمفاهيم مثل العلمانية التي يترجمها الكاتب في سياقها الفرنسي، تختلف عن مثيلتها البريطانية مثلا، بحيث تصبح في النموذج الفرنسي ليست مجرد تحييد للدولة عن الشأن الديني، بل تمتد إلى منع تمظهر الدين في الحياة العامة وتدخله في شؤون الدولة.

يضاف إلى ذلك الاختلاف النوعي لمفهوم المجتمع بين فرنسا والعالم الأنجلوسكسوني، ففي فرنسا تُحدد مجموعة من القيم على أنها عالمية وكونية وأي فرنسي مهما كان دينه ولونه وعرقه عليه تبنيها، بحيث لا يكون فرنسياً وجزءاً من المجتمع إلا باعتناقها، وهذا ما يخلق توتراً في المجتمع بالنسبة لأفراده المختلفين، لاسيما عندما يكون الإسلام محدداً أساسياً في هوية بعض مواطنيه.

وخلافاً لما هو معمول به في بريطانيا التي لا تنظر إلى الاندماج بمفهومه الانصهاري الذي يذيب الملامح المميزة لجماعة معينة ضمن الصفات المشتركة للمجتمع، تصر فرنسا على الاندماج الكلي، فعلى أعتاب المجتمع وقبل تسجيل الانتماء إليه، يتعين على الفرد التخلص من قيمه الخاصة واعتناق معايير المجتمع، ما يخلق في نظر الكاتب توتراً على صعيد الهوية يُذكر إلى حد كبير بما كانت تفعله فرنسا في مستعمراتها السابقة.

زهير الكساب

عن جريدة الاتحاد الإماراتية

 

فيضانات إسبانيا

فيضانات إسبانيا.. وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج معبأة لتقديم المساعدة للمغاربة بالمناطق...

01 نونبر 2024
فيضانات إسبانيا.. وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج معبأة لتقديم المساعدة للمغاربة بالمناطق المتضررة

تتعبأ وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، من خلال خلية الأزمة المركزية، وكذا المصالح القنصلية المغربية بالمناطق الإسبانية المتضررة من الفيضانات، من أجل تقديم المساعدة للمغاربة المقيمين بالمناطق...

Google+ Google+