الأحد، 29 دجنبر 2024 19:59

الأزمة المالية تخلف ندوبا دائمة في سوق العمل الأوروبية

الأربعاء, 09 يوليوز 2014

مضى أكثر من عامين منذ أن فقد كلوديو كاسترو عمله في مجلة برتغالية ظل يعمل فيها لمدة عشرة أعوام تقريباً. وطوال هذه المدة وهو يبحث عن عمل.

كاسترو مترجم كتابي وفوري مؤهل جداً، متخصص في اللغات الإنجليزية والألمانية والبرتغالية، وفشله في العثور على عمل لم يكن بسبب عدم بذل جهد كاف في البحث. فمع معاناة البرتغال من معدل بطالة مكون من رقمين، وسع بحثه عن عمل إلى ألمانيا، على أمل الاستفادة من اقتصادها الأكثر القوة. ويقول إنه قدم نحو 40 طلب وظيفة، ولم يُجرِ سوى مقابلة عمل واحدة لم تضمن له نتيجتها عرض عمل. وطلب مساعدة من وكالة توظيف حكومية، لكن تم إخباره أن مهاراته التعليمية كانت عالية جداً بحيث لا يمكن تأهيله لدورة تدريبية.

يقول كاسترو، البالغ من العمر 34 عاماً، إنه لا يعرف ماذا يفعل. “أنا منفتح لأي شيء”، على الرغم من أن العودة للبرتغال لا تبدو أحد الخيارات. ويقول: “أن تكون عاطلاً عن العمل في بلادي الأصلية أصبح أمراً طبيعياً منذ زمن طويل. فالعديد من أصدقائي هناك عاطلون عن العمل. لأكون صريحاً، الأمر صعب للغاية - ومرهق جداً جداً”.

ومع أن التفاؤل بشأن الانتعاش الأوروبي قد انتشر عبر الأسواق المالية هذا العام، إلا أن توقعات 18.5 مليون شخص عاطل عن العمل في منطقة اليورو بالكاد قد تحسنت. ويخشى كثير من الاقتصادين أن الأزمة المالية تركت ندوبا دائمة في سوق العمل الأوروبية، الأمر الذي رفع مستوى ما يسمى البطالة الهيكلية - وهو مستوى البطالة الذي يمكن أن يتحمله الاقتصاد دون ارتفاع التضخم. وهذا قد يعني أن معدل البطالة سيبقى مرتفعاً حتى بعد أن يتعافى اقتصاد المنطقة.

وتقدّر منظمة التعاون الاقتصادي أن مستوى البطالة الهيكلية في بلدان منطقة اليورو الـ 15 التي هي أيضاً عضو في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ارتفع من نحو 8.5 في المائة إلى 10 في المائة. ويشاركها في مخاوفها بشأن ارتفاع معدل البطالة الهيكلية خبراء الاقتصاد في منظمة العمل الدولية والقطاع الخاص.

يقول دانيال جروس، مدير مركز دراسات السياسة الأوروبية: “إن الآفاق لا بد أن تكون جرداء”.

قد يكون معدل البطالة الهيكلية المرتفع مثيراً للقلق لا سيما في منطقة على حافة تحوّلات كبيرة في التركيبة السكانية، مع تحذير الاقتصاديين من أن اتحاد العملة الواحدة سيجد من الصعب دفع تكاليف سكانها من كبار السن.

مع ذلك الشباب هم الأكثر تضرراً. تقول منظمة العمل الدولية إن من بين 1.6 مليون شخص تم تسريحهم من العمل في اليونان وإيرلندا والبرتغال بين عامي 2007 و2012، ثلاثة أرباعهم ترواح أعمارهم بين 15 و34. وفي اليونان وإسبانيا أكثر من نصف أولئك الذين دون سن 25 بلا عمل. وفي إيطاليا أربعة من كل عشرة من الشباب عاطلين عن العمل.

ولمعالجة بطالة الشباب، أسس الاتحاد الأوروبي “مبادرة ضمان الشباب”، التي تهدف إلى ضمان أن جميع الأشخاص دون سن 25 سيحصلون على عرض عمل ذي نوعية جيدة في غضون أربعة أشهر من ترك التعليم، أو فقدان وظائفهم. كما تم أيضاً تكريس الإنفاق في إطار الصندوق الاجتماعي الأوروبي لمستويات أدنى من معدل البطالة طويلة الأجل.

البرامج الحكومية والإقليمية التي تم إطلاقها في محاولة لمعالجة المشكلة أسفرت عن بعض النتائج. وكان بيدرو فيراز دا كوستا وموظفوه من بين أولئك الذين استفادوا.

فيراز دا كوستا يملك ويُدير شركة أدوية عائلية في البرتغال، توظّف 230 شخصاً. فقدت الشركة المسماة إبرفار عُشر موظفيها خلال الأزمة المالية، لكنه بدأ للتو تعيين موظفين مرة أخرى. ويقول: “إن رؤية وجوه شابة جديدة في المقصف تعمل على تشجيع أجواء الشركة على الشعور بالسعادة”.

وإبرفار ليست الشركة البرتغالية الوحيدة التي تقوم بتعيين موظفين جُدد. فبعد ثلاثة أعوام من فترة الركود العميق وأرقام البطالة القياسية في البلاد، ظل معدل التوظيف يزداد لمدة عام تقريباً. لكن في حين أن هناك علامات مماثلة على ارتفاع سوق العمل في باقي المنطقة المحيطة في أوروبا - في أيار (مايو)، انخفض عدد العاطلين عن العمل بواقع 18 ألفا - إلا أن هناك مخاوف متنامية من أن أسواق العمل الجامدة، وعدم وجود مهارات مناسبة وبيروقراطية مفرطة، ستضع حداّ لأي تحسّن.

يقول نيل كاربيري، مدير التوظيف والمهارات في منظمة اتحاد الصناعة البريطانية لأصحاب العمل في لندن: “إن الشركات العالمية تملك خياراً في المكان الذي قد تستثمر فيه. عندما تنظر هذه الشركات إلى بعض مناطق قارة أوروبا وتتساءل: هل سأقوم بخلق فرص عمل في هذه السوق إذا لم أكُن مضطرة؟، الجواب في كثير من الأحيان “ليس بالضرورة”. وبذلك تتجنب هذه الشركات شبكة معقدة من القوانين”.

لقد كان لمحاولات إصلاح سوق العمل في البرتغال، حيث أكثر من ثُلث السكان الذين دون سن 25 هم دون عمل، نتائج متباينة.

يقول فيراز دا كوستا إن شركته استفادت من مبادرات الحكومة. لقد تم استقطاب أكثر من 20 موظفاً من موظفي شركة إبرفار ضمن إطار برنامج تقوم الحكومة من خلاله بدفع 80 في المائة من رواتبهم (البالغة نحو 650 يورو) لمدة عام، مقابل التدريب والخبرة العملية.

ويُضيف: “إنه نظام جيد يمنح كلا الجانبين فرصة لتقييم بعضهما بعضا. من بين الشباب الذين أنهوا مدة عام معنا حتى الآن، أبقينا على 70 في المائة منهم”.

لكن فيراز دا كوستا، الرئيس السابق لاتحاد الصناعة البرتغالية الذي خدم لفترة طويلة، ينتقد بشدة برامج الإصلاح الأخرى في سوق العمل التي تم إدخالها كجزء من برنامج إنقاذ البرتغال لمدة ثلاثة أعوام.

فهو يرى برنامج إنقاذ الاتحاد الأوروبي التابع لصندوق النقد الدولي، الذي خرجت منه البلاد في أيار (مايو) الماضي، بمثابة فرصة ضائعة لإقامة “نظام أكثر تعاونية” يحكم علاقات العمل. فلا يزال “من المستحيل تقريباً” فصل العاملين الأفراد من العمل.

أصحاب العمل في أماكن أخرى في أوروبا يُظهرون الإحباط نفسه. ماسيمو لوبا، وهو محامي عمالة مقرّه ميلانو، يقول: “إن التصوّر الذي يملكه (صاحب المشروع) هو أنه إذا قام بتوظيف شخص ما فإن طرده سيُسبب له المشاكل”.

وتفاقمت مثل هذه المثبطات بسبب عدم تنقّل القوة العاملة في أوروبا. فعلى الرغم من وجود زيادات موثّقة جيداً في عدد المهاجرين من إسبانيا والبرتغال الذين يبحثون عن وظائف في ألمانيا أو المملكة المتحدة، إلا أن الاقتصاديين يجادلون بأن عدد الذين انتقلوا إلى مناطق أكثر ازدهاراً في المنطقة لا يزال منخفضاً جداً. ويقول أندرو بينيتو، وهو اقتصادي في جولدمان ساكس: “إن منطقة اليورو تفتقر لسوق عمل متكاملة. حتى الزيادة في الهجرة تعكس إلى حد كبير مدى الضعف الكبير الذي أصبحت عليه أسواق العمل في البلدان الطرفية”.

ومن جانب آخر دعت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية للمزيد من الاستثمار في قطاع التعليم لتحسين فرص العمل. وقالت المنظمة في شباط (فبراير) الماضي: “إن تحسين المهارات مهم على وجه الخصوص بالنسبة للبلدان التي تلحق بالركب أو التي فشلت في القيام بذلك في الماضي”.

وتؤكد الشركات أن نمو معدل التوظيف في بعض قطاعات الاقتصاد الأوروبي، مثل تكنولوجيا المعلومات، قد تمت إعاقته بسبب نقص المهارات. وكان معدل البطالة في إيرلندا ينخفض بثبات على مدى العامين الماضيين. جزئياً، هذا نتيجة قيام الأشخاص بترك سوق العمل - سواء بسبب الهجرة أو العودة إلى التعليم. مع ذلك، هذا الانخفاض هو أيضاً نتيجة قيام المزيد من الشركات بالتوظيف في البلاد، مستفيدة من معدل ضريبة الشركات المنخفض، ومرونة سوق العمل، إضافة إلى مجموعة من الخريجين الناطقين باللغة الإنجليزية. لكن مع ذلك، لا تستطيع الشركات العثور على العاملين الذين تحتاج إليهم.

شين بليك، مسؤول الموارد البشرية في المقر الرئيس لشركة إيه سي آي ويرلد وايد في إيرلندا، وهي شركة متعددة الجنسيات سريعة النمو مقرها فلوريدا تعمل في مجال توفير برمجيات الخدمات المصرفية والمدفوعات، يقول إن الشركة اختارت تأسيس مكاتب في ليميريك بسبب مجموعة المواهب الكبيرة في إيرلندا، ومع ذلك يكافح للعثور على الموظفين ذوي المهارات المناسبة.

يقول بليك: “هناك الكثير من المنافسة على مهندسي البرمجيات الموهوبين في إيرلندا. قوانين العمل لا تعتبر مشكلة بالنسبة لنا في إيرلندا، لكن الحصول على تصاريح عمل للأشخاص الذين نريدهم قد يكون كذلك”.

كما تُظهر الخبرة الإيرلندية، فإن مختلف البلدان الأوروبية تواجه تحدّيات مختلفة في الحد من البطالة.

جروس، من مركز دراسات السياسة الأوروبية، يُقسّم أسواق العمل في منطقة اليورو إلى ثلاث مجموعات. في المجموعة الأولى توجد البلدان مثل ألمانيا والنمسا، حيث أسواق العمل لم تعانِ نسبياً من مشاكل بسبب الأزمة ومعدل البطالة يحوم حول نسبة 5 في المائة. ثم هناك البلدان الطرفية في منطقة اليورو، حيث ارتفع معدل البطالة إلى نحو ربع القوة العاملة. والمجموعة الثالثة تشمل البلدان مثل فرنسا وإيطاليا، حيث سلطت الأزمة الضوء على العوائق الهيكلية لزيادة فرص العمل.

يقول جروس: “في المجموعة الأولى، وصل العمل بشكل كبير بالقرب من الحد الأقصى من المستويات. في الثانية، هناك دلائل أنه يتم تصحيح الاختلالات لكن الأمر سيستغرق بعض الوقت. أما في المجموعة الثالثة، فقد كشفت الأزمة عن بعض المشاكل المتجذرة التي لا بد من التعامل معها”.

والأهم بين هذه المجموعات هو جمود سوق العمل. يقول بينيتو: “فوق كل شيء، تحتاج برامج الإصلاح إلى مساعدة العاطلين عن العمل لمنافسة العاملين على وظائفهم. والحد من الاختلافات بين عقود العمل الدائمة والمؤقتة طريقة جيدة للقيام بذلك”.

وفي حين كانت هناك دلائل على ارتفاع مرونة الأجور في بلدان مثل إسبانيا، إلا أنها تبقى غير مرنة في بلدان أخرى. ويقول جروس: “في إيطاليا، لديك مجموعة كبيرة جداً تكون محمية بشكل كبير، وآخرون لا يملكون أي حماية على الإطلاق”.

ويقول كاربري: “في جزء كبير من قارة أوروبا هناك مشكلة حقيقية تتعلق بالموجود داخل أو خارج سوق العمل. إما أن تكون في سوق العمل محمياً عن طريق نقابات العمّال، أو أن تكون في الخارج ضمن القائمة الطويلة من العاطلين عن العمل”، لكن نقابات العمّال ترفض ذلك. ويقول رونالد جانسين، وهو مستشار اقتصادي في كونفدرالية الاتحاد الأوروبي للتجارة: “نحن لا نعتقد أن مَواطن الجمود في سوق العمل هي وراء ضعف فرص العمل، لكنها في ضعف الانتعاش الاقتصادي”. ويضيف: “برامج إصلاح سوق العمل في أوروبا جعلت من السهل على الشركات فصل الموظفين. ونشكّ ما إذا كانت (تلك الإصلاحات) قد سهّلت إيجاد فرص العمل. حتى إذا كنت تقوم بالفعل بإيجاد فرص عمل، فهي غير آمنة، والعاملون الذين لا يشعرون بالأمان لا ينفقون بقدر العاملين الذي يشعرون بالأمان”.

ويجادل كثير من الناس بأن مشكلة عدم الأمان متفاقمة، بسبب “التخلّف”، وهو مفهوم مقتبس من الفيزياء الذي يُشير إلى أنه إذا كان الأشخاص عاطلين عن العمل لفترة طويلة، عندها يصبح من المتعذر إزالة التأثير في سوق العمل.

يقول إيكهارد إيرنست، كبير خبراء الاقتصاد الكلي في فرع البحوث في منظمة العمل الدولية: “إن الأزمة استمرت لمدة طويلة بحيث إن الأشخاص، الذين فقدوا الأمل في العثور على وظيفة أخرى، يخرجون من القوة العاملة”.

ماريا هيلينا أنتولين، عضو مجلس الإدارة في مجموعة أنتولين في بورجوس، إسبانيا، وهي شركة صناعة أجزاء السيارات التي توظّف نحو 14 ألف شخص في جميع أنحاء العالم، ترى أن هناك الكثير مما يجب القيام به لتحسين ظروف سوق العمل.

وتقول: “إن أحد الانتقادات الأكثر شيوعاً في ظروف العمل الإسبانية هو عدم وجود موارد لجعل القوة العاملة تتكيّف مع بيئة سوق متغيّرة. لقد ساعدت برامج إصلاح العمل على كسب بعض المرونة لكن لا تزال لدينا مساحة كبيرة للتحسين”.

فيراز دا كوستا في البرتغال يتفق معها ويقول: “من حيث العلاقات بين الشركات والموظفين، لا يزال يتعيّن علينا القيام بكل شيء”.

عن جريدة الاقتصادية

 

Google+ Google+