الخميس، 26 دجنبر 2024 15:44

زهِير الوَاسِينِي .. مسار إعلاميّ بحث عن ذاته بين طنجَة ورُومَا

الخميس, 22 يناير 2015

لم يكن شغف زهير الواسيني بالمجال الإعلاميّ وسط ممارساته المقترنة بالإصدار الورقيّ والبث الأثيريّ، وهو وسط مدينة طنجة، ينبؤه بأن المستقبل سيجعله يلاقِي التألّقات وسط الديار الإيطاليّة عبر بوابَتَي الصحافة الإلكترونيَّة والبرامج التلفزيونيّة.. وذلك بالرغم من الأحلام الغامرة التي وازت مسار الوَاسِينِي وهو يبحث عن الذات.. وفِيهَا.

زهير، الذي شرع في خطّ أولَى مقالات آرائه بالمغرب وهو في سنّ الـ18، يعدّ اليوم اسما تردّده ألسن أبناء الجاليّة المغربيّة المقيمة بإيطاليا فور سؤالِهَا عن نموذج لـ"ابن البلد" الذي أفلح في ملاقاة النجاح ضمن مساره المهنيّ باعتماد مجهودات ذاتيّة.. بينمَا تواضع الواسِينِيّ يدفعه للقول بكونه مجرّد قبل من نور يمكن أن يشعّ حيثما توفرت الإرادَة في تحقيق ما يُطمح إليه.

حرُوف مدرسَة "الدرادب"

شرع زهير الوَاسِينِي في تلقِّي أولى دروسه بمدرسَة "الدرادب" التي ما تزال، إلى اليوم، توفر العلم لتلامذتها بعاصمة البوغاز.. وبذات الفضاء المدرسيّ الابتدَائيّ حاز، طيلة 5 سنوات، القدرة على التعاطِي مع الغير زيادَة على فكّ رموز الخطّ والتواصل بِهَا.. بينمَا صقلت ثانوية ابن الخطِيب، بسلكَيها الإعداديّ والثانويّ، مدَاركَه التعليميّة.. خاصّة ضمن المواد الدراسيّة والوحدات التكوينيّة المقترنَة بالتوجّه الأدبيّ الذي رافق طلبه للتحصيل وسط أقرانِه من أبناء طنجة والوافدين عليها.

"فيما يتعلق بتكويني؛ أؤكّد أنّي وجدت ذاتي في التوجّه الأدبي بفعل ضعفي الشديد بالمواد العلميّ.. ووصولي إلى المرحلة الثانوية بمؤسّية ابن الخطيب عرفت سلكِي منحَى باتجاه الدراسَة الأدبيّة دون أدنَى معاناة في الاختيار.. وعقب ذلك التحقت بجامعة الرباط، وتحديدا بكليتها للآداب والعلوم الإنسانيّة، حيث درست لسنتين قبل الانتقال إلى نفس الكليّة بجامعة تطوان.. أذكر أنِّي كرّرت سنوات قبل أن أتحصّل على الإجازَة" يقول زهير لهسبريس.

الورق والأثير

في سنّ الـ18 كان اسم زهير الوَاسِيني يبرز وسط الصفحة الأخير من جريدة "العلم".. وعن ذلك يقول ذات "المغربيّ ـ الإيطَاليّ" ضمن لحظَة نستَالجيا استحضرهَا خلال لقائه بهسبريس: "انطلقت إعلاميا من طنجة، وأفتخر أن عبد الجبار السحيمي، المسؤول وقتها عن جريدة العَلَم، كان ينشر مقالاتِي ضمن عَمُود بالصفحة الأخيرة وأنا في ربيعي الـ18.. لقد كنت أحسّ وقتهَا وكأنِّي قد نلت جائزَة نُوبل، وأرضَى ذلك غروري الشخصيّ واعتبرت الأمر إيجَابيا، خاصّة عن نفس الجريدَة كانت هامَة ومؤثِّرَة وقتها".

بعد تجربَة جريدَة العَلم عملت في عدّة صحف.. إلى أن اشتغلت بإذاعة طنجة التي كان يديرُهَا الصحفيّ خالد مشبَال الذي اعتبره من أهم الأساتذة الذين تعلّمت منهم معنَى الإعلام وكيفيّة صناعة منتوجه.. ففي هذه التجربة وعيت طريقة التعامل مع انتظارات المتلقين.. وضعي كان مقبولا وسط إذاعة طنجة بفعل توفر هامش من الحرية يمكّنك من الاشتغال، وهنا أتذكر أن خالد مشبال كان يدعُونِي للابتعاد عن الملك وقول ما أشاء" يزيد الواسينِي عن الفترة التي كان يقدّم خلالها برنَامج "كُتب وأشيَاء أخرى" وهو في الـ24 من عمره.

الرّحيل..

اختَار زهير الوَاسِينِي مغادرة المغرب والاستقرار فوق التراب الإسباني، بغرنَاطَة على وجه التحدِيد، لأجل استكمال دراسته ونيل دكتورَاه في "الأدب المقَارن".. وتبريرا لهذا التحوّل يدفع الوَاسِينِي بـ"اعتبارات شخصيّة" و"ملاقاة صعوبات" يقرنها بالوضع السياسيّ للمغرب.

ويورد زهير، في ذات السياق، قوله: "لا أتذكر المغرب بشكل إيجابي عند استرجاعي للماضي، إذ غاب عنِّي الارتياح وقتها وأنا بمجتمعِي الأصليّ، خاصّة عند رصدي لاختلالات مقترنة بالوضع السياسي الصعب في ذلك الحين.. فأنا لم كن من المتحلين بالشجاعة للخروج نحو الشارع للمشاركَة في اي من الاحتجاجات، خاصّة وأنّي اخترت الاكتفاء بالكتابة من حين لآخر.. وأتذكّر لحظة مفصليّة دفعتني للهجرة بعدما كتبت مقالا بجريدة العلم، إذ قصدت جامعة تطوان وأحَاط بي من كنَّا نسمِّيهم الأَوَاكْسْ ليشرعُوا في سبِّي.. لم يكن هناك مجال لممارسة الحرية، على عكس الأن، حيث أن الوضع تغير بشكل كبير في مغرب اليوم".

مكّن توجّه الواسيني صوب جامعة غرنَاطَة من بقائِه على مقربة من مدينة طنجَة، ليشدّ رحاله إليها وقتما شَاء، بينمَا عمل على تدبير الموارد المَاليّة لدراسته ومستلزمات حياته، طيلة السنوات الستّ لتحصيله الأكاديميّ، بتدريس اللغة العربيّة لأجانب راغبين في إتقان التعبير بها.. ما مكّنه، أيضا، من محافظته على لسانِه الأصل.. وبعد التخرّج شرع في التعاون مع مؤسّسته الجامعيّة حتّى شروعه في الاشتغال مع وكالة الأنباء الإسبانيّة "إِيفِي" وسط قسمها العربيّ.

عَرب رُومَـا

عمل الصحفيّ المغربيّ على التوجّه صوب الديار الإيطاليّة، وتحديدا العاصمة رُومَا، عقب زواجه من إيطاليّة.. ويقُول زهير الواسِينِي عن هذا التحوّل: "أسباب شخصيّة جعلتني أغادر إسبانيا صوب مستقرّي الجديد، وقد لا قيت صعوبة في إتقان اللغة وإيجاد عمل، بادئ الأمر، وأذكَى كل ذلك تواجد البلد في أزمَـة.. لكنِّي لم أحسّ أبدا أنّي وسط بيئة أجنبيّة بعدما تواجدت وصل عائلة إيطاليّة تعاملت معي بشكل جيّد ولم تجعلني أحسّ أنِّي أجنبيّ".

افلح زهير، من وسط العاصمة الإيطَاليّة، على انتزاع فرص للاشتغال مدرسا لعلوم الإعلام، كما لقّن موادا أخرى لطلبة بعض المعاهد في البلد.. وقد مكّنه من ذلك اتخاذه قرارا بإنشاء جريدة إلكترونيّة تحت اسم "عَرب رُومَا".. "الغاية من هذا الموقع اقترنت بإيصال العالم العربي للمتلقين الإيطاليِّين، ذلك أنِّي اخترت الاستثمار في رأسمالي الإعلامي كي أكون وسيطا بين ثقافتي الأصليّة ونظيرتها لبلد الاستقبال الذي أتواجد به وانخرطت فيه بالكامل.. فقد رصدت أن الإيطاليّين يغيب عنهم الإلمام بالعالم العربي، ووجدث في ذلك حافزا يجعلني أحاول التقريب بين الطرفين رغما عن كل الصعوبات" يقول الواسِينِي لهسبريس.

وشرع ذات المغربيّ، بعد إطلاقه "عرب رُومَا"، في التعاون مع قنوات تلفزيّة عربيّة ينجز لفائدَتِها روبُورتاجات ومراسلاَت يتلقّى عنهَا تعويضات بـ"القِطعَة".. فيما أخذت عدد من كبريات الصحف الإيطاليّة في الاستعانة بقصاصات جريدة الواسينِي الإلكترونيّة من أجل شرح أوضاع منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط لقرائِهَا.. ويورد زهير في هذا السياق: "اعتبر الموقع هاما على مستوَى إيطاليا بفعل تطرقه للواقع العربي نهاية التسعينيات من القرن الماضي، وذلك بفعل تسليطه الأضواء على منطقة لم تكن تعيش فورة أزمات كما الآن، وبالتالي ساهم انتشار الجريدة الإلكترونية في دخولي للجامعات وفتح لي تدريس مواد مرتبطة بالأدب في كل من مدينَتَي روما ونابولي".

زهِير TV..

يضيف نفس المتحدّث لهسبريس: "عقب هجمات مانهَاتن الأمريكيّة، في الـ11 شتنبر2001، كنت قد بدأت تجربة مع التلفزيزن الإيطالي، وبفعل تواجد قلّة من ذوي الأصول العربية القادرين على شرح الأوضاع للمتلقي الإيطالي، لأنال فرصَة نحو انطلاقة حقيقيّة ضمنت لي التواصل مع الإيطاليِّين بشكل مستمرّ.. وفي إحدى الأيام اتصل بي مدير التلفزيون الرسمي الإيطالي ليطلب لقائي، بعدها مكّنني من الإشتغال داخل تلفزيون الـRAI بحكم إلمامي بالأوضاع في العالم العربي وإتقاني للإيطاليّة".

وراكم الواسيني، إلى حدود الحين، ما يزيد بقليل عن 14 من العمل التلفزيّ وسط ذات القناة الإيطاليّة.. مستفيدا من مبادرته في الإعلام الرقمي التي لاقت التقدير ونعتت بذات المصداقيّة، زيادة على ما أبان عنه تجاه الواثقين بقدراته من طاقَة متجدّدة في العطاء ووسع معرفة وإلمام بالمجال الصحفي.. ورغم أنّ مشروع شبكَة الـRAI في إنشاء قناة عربيّة لم ير النور، بعدما كان منتظرا تحت اسم RAIMED، إلاّ أن زهير ما يزال مشتغلا، حتَّى الحين، بالقناة الإخباريّة الشاملة مع ضمان بروز بعدد من القنوات الأخرَى لنفس الشبكَة كلّما تم الاحتياج لآرائه بخصوص أوضاع منطقة MENA.

أنَا مغربيّ

لا يخفي زهير الواسيني اعتزازه بمغربيّته، ويقول عن ذلك لهسبريس: "أنا مغربي بثقافتي وأصلي، لكنِّي أيضا مواطن أيطالي يدفع الضرائب، وفي بعض المقابلات التلفزيونية أو الإذاعية أسأل إن كنت أحس بكونِي مغربيا أو إيطاليا، فأجيب بالتساؤل عمّا إذا كان الإيطاليون يرونني مغربيا أو إيطالياّ، وأنّي لا أرَى أي تناقض في أن أكون مغربيا وإيطاليا بذات الوقت..".

ويسترسل الواسِيني: أنا مغربي فخور بانتمائي، ولا إشكال لديّ مع ثقافتي الأصل، خصوصا أن بلدي يتوفر على هامش من الحرية يسمح بمناقشة أمور عدة رغم اختلافات ناسه.. وأومن بكون قوتي، كمغربي، تكمن في قدرة وطني ضمن الحفاظ على حد من هامش الديمقراطية ومستوَى من النمو الإقتصادي.. فبناء مغرب قوي يعطيني قوة كذلك، تماما كما يمنحني غنى أحتاجه.. وأطلب دائما من زملائي في العمل أن ينظروا إلى كمحترف يقدم أكثر مما يقدمون، فلست أقل كفاءة منهم في عملي، بغضّ النظر عن كوني مغربيا أو إيطاليا.. وبهذا أكسر الصورة النمطية التي ما تزال ببعض التمثلات".

الأمن الإعلاميّ

يرَى زهير، بالرغم من تشديده على تفاديه المستمرّ لتقديم النصائح، أن وجهة نظره تدفعه للقول بكونه يمكن أن يسهم في إفادة الراغبين في الاشتغال ضمن المجال الإعلاميّ أكثر من رسمه خارطة طريق أمام الراغبين في ملاقَاة النجاح عبر اختراق بوابَات الهجرَة.. مضيفا أن "انفتاح الممارسات الإعلاميّة على العولَمَة، وكذا تقلبات الأوضاع العالميّة، يمكن أن تمنح للمغرب والمغاربة قدرات أكبر ممّا هو متوفّر حاليا".

"أؤكد أن بالمغرب هامش كبير من الحرية يتوجّب أستغلاله بطريقة إيجابية، كما أتمنى من الماسكين بزمام القرار في المغرب أن يعملوا على تقويّة الأمن الإعلامي، تماما كما تتمّ تقويّة الأمن العسكري والقومي، خاصّة وأن بلدِي الأمّ به طاقات وكفاءات إعلامية يمكن أن تدافع عن كل القضايا المصيريّة بشكل أفضل ممّا هو محقّق حاليا".

عن موقع هسبريس

Google+ Google+