جلست أم مع ابنتها في شقة بالقبو يوم الخميس الماضي أسرى الحديث الذي لم يغيراه منذ أسابيع. كان من المقرر أن يقام حفل تخرج الابنة من المدرسة الثانوية الليلة التالية، لكنها لم تسلم أي دعوة لذلك الحفل. وما زالت البطاقات التي اشترتها من المتجر ملفوفة بالبلاستيك وموضوعة على طاولة المطبخ بجوار صندوق مملوء بالقصاصات الملونة. وتساءلت الأم دورا ألدانا (40 عاما): «ألا تريدين الاستمتاع بتلك الليلة الأخيرة؟»، فأجابتها الابنة هايدي ميجا (18 عاما): «لم العناء؟». كانت هذه العبارة هي إجابتها عن الكثير من الأسئلة خلال الأشهر الخمسة الماضية، منذ قدوم موظفي الهجرة إلى منزلهما وأصبح عامها الأخير في المرحلة الثانوية هو الموعد النهائي لترحيلهم. لماذا تحتفل بحصولها على الشهادة الثانوية التي لن تعني أي شيء لها في حياتها الجديدة، ومع أصدقاء ربما لن تراهم مجددا كانوا يرتدون قمصانا رياضية مكتوبا عليها «احضروا غدا» ويتبادلون النصائح الخاصة بطريقة تنسيق ديكور غرفهم في المدينة الجامعية. وقالت ميجا: «يبدو لي هذا الأسبوع مثل نهاية».
وستتخرج ميجا من مدرسة ميدوبروك الثانوية يوم الجمعة ورداء التخرج الأزرق مزين بجوائز من جمعية الشرف القومية وبرنامج المتفوقين بالمدرسة وحاكم ولاية فيرجينيا. وكان من المقرر أن يتم ترحيلها إلى غواتيمالا بعد بضعة أيام. وفي إطار الجدل حول الإصلاحات المتعلقة بالهجرة الذي يشهده عام الانتخابات، أصبح الموقف الذي تواجهه ميجا واحدا من أكثر المواقف إثارة للجدل.
ما الذي ينبغي على الولايات المتحدة القيام به تجاه المهاجرين غير الشرعيين الذين يأتون إلى البلاد وهم أطفال ويترعرعون بها ولا يخالفون القانون ويرغبون في البقاء؟ كيف ينبغي أن يتم التعامل مع حالة مثل ميجا التي وفدت إلى البلاد بطريقة غير شرعية وهي في الرابعة من عمرها وتجيد الإنجليزية أكثر مما تجيد الإسبانية وتريد الالتحاق بجامعة راندولف ماكون كوليدج في فيرجينيا وتصبح ممرضة، ولا تعرف عن غواتيمالا حاليا أكثر مما يذكره موقع «ويكيبيديا».
قدم الجمهوريون والديمقراطيون مشاريع قانون تمنح الإقامة الدائمة للطلبة المتفوقين، لكن لم يحظ أي مشروع قانون حتى هذه اللحظة بالدعم الكافي لتحويله إلى قانون. وأصدر أوباما في محاولة منه لإيجاد حل مؤقت تعليمات إلى مسؤولي الهجرة بمراجعة الحالات ومنح تصريحات عددا محدودا من الطلبة الذين يستحقون البقاء. وتحولت العملية، التي كان ينظر إليها يوما ما من جهة قانونيتها، إلى مسألة جدارة. وتم منح خريجة بتقدير عال من تكساس إعفاء مؤقتا في اللحظة الأخيرة بعد تظاهر ألفي شخص تضامنا معها. ونجا طالب ألقى خطبة حفل التخرج في ميامي من الترحيل من خلال جمع 100 ألف توقيع والسفر إلى واشنطن من أجل عمل مؤتمر صحافي مع عضو عن الحزب الجمهوري في الكونغرس. مع ذلك ما الذي يحدث عندما تحتل المركز الاثنين والعشرين في مدرسة ثانوية في ضواحي ريتشموند ولا يرد السياسيون على مكالماتك الهاتفية ولا يعرف المسؤولون في مدرستك تهجئة اسمك بالطريقة الصحيحة؟ في نهاية الربيع الحالي، في الوقت الذي كان أصدقاؤها يبقون إلى ما بعد انتهاء برنامج المتفوقين من أجل ملء استمارات الكليات، كانت ميجا ووالدتها تستعينان بمحامي هجرة في ماناساس من أجل تقديم التماس لإعادة فتح ملفها. وأوضح لهما المحامي أن القانون لا يحمل أي أمل لميجا. من المقرر أن يقر الديمقراطيون قانون «الأحلام» (دريم أكت) الذي من شأنه إتاحة فرصة الحصول على الجنسية للطلبة الذين قدموا إلى البلاد وهم في سن صغيرة وأتموا عامين في الكلية أو الخدمة العسكرية. واقترح أحد أعضاء الكونغرس عن الحزب الجمهوري مشروع قانون «ستارز» الذي سيمنح المهاجرين فرصة إنهاء دراستهم الجامعية والحصول على إقامة دائمة. وقال المحامي لها: «أملنا الوحيد هو التوضيح لموظفي الهجرة بالأدلة كل الأمور الإيجابية التي قمت بها في حياتك والأمل في بعض التساهل». لذا بدأت ميجا كتابة طلب خاص بها. وأرسلت درجات اختبار القبول في الجامعة وصور أسرتها وسجلات مدرستها التي تعود إلى الصف الأول، وشهادة اشتراكها في معرض العلوم في الصف السادس. وكذلك حددت مواعيد مع أساتذتها واعترفت لهم للمرة الأولى بأنها مقبلة إلى البلاد بطريقة غير شرعية، ثم طلبت منهم كتابة خطابات توصية. وكتب ناظر المدرسة في خطاب رسمي: «هايدي مهذبة للغاية وإيجابية ومفعمة بالطاقة والنشاط». وكتب معلم اللغة الإنجليزية: «إنها طالبة تحصل على متوسط درجات 99 في مادتي». وكتب معلم تجميل البشرة: «إنها إنسانة رائعة بكل المقاييس». وكتبت ميجا خطابا طويلا وأعادت استخدام عبارات من المقال الذي كتبته للكلية عن أنشطتها خارج المنهج واختتمت الخطاب بقولها: «أعرف أشخاصا وعشت معهم حياتي. إنهم الأشخاص الذين أريد أن يكونوا معي عند تخرجي في الكلية أو زواجي. أرجو أن تضعوا هذا في الاعتبار».
جاء رد وزارة الأمن الداخلي بعد يوم من تلقي طلب ميجا، وتضمن رفض إعادة فتح ملفها طبقا للقانون. وكان التاريخ الذي تم تحديده للترحيل هو منتصف شهر يونيو (حزيران) حتى تتمكن من إتمام الشهادة الثانوية.
تتذكر ميجا عبور نهر ريو غراند عند منتصف الليل والسباحة بجانب أمها على لوح خشبي معلق مربوط بإطارين، وسحب رجل اللوح وقوله لميجا أن لا تقلق، فالنهر مثل حوض سباحة طويل مسطح. وألقت شرطة الحدود على الجانب الآخر القبض عليهم وطلبت منهما المثول أمام المحكمة، لكنهما لم يذهبا يوم الجلسة. وأصدرت السلطات الأميركية أمرا في 21 سبتمبر (أيلول) 1999 بترحيلهما عند العثور عليهما. خلال السنوات العشر التي تلت ذلك التاريخ انتقلت ميجا وألدانا إلى ريتشموند ليكونا بالقرب من أقارب لهما، واستقرا في شقة بقبو تتكون من غرفتين أطلقا عليها بحب اسم «الحفرة». وعثرت ألدانا على وظيفة في صالون تجميل وتزوجت والد ميجا، الذي كان يعمل في مجال البناء إلى أن تم ترحيله عام 2009. وانضمت الأسرة إلى كنيسة وجمعية بالحي ونادي سام. وأنجبت ألدانا صبيا يبلغ الآن الثالثة وهو مواطن أميركي.
كبرت ميجا وأصبحت مراهقة وبدأت تنفق المال على القمصان الرياضية الضيقة من «آيروبوستال»، وتضع مسكرة رموش، وتصبغ شعرها باللون الأحمر، ثم باللون الأشقر.
وكانت تواعد عازف طبول في فرقة موسيقية بالكنيسة وتشكو له أعباء السنة النهائية من المرحلة الثانوية. وكانت ترتدي سوارا عصريا يساير الموضة، وكانت تحدد مواعيد مع مستشار الكلية وتحصر اختياراتها في أربع كليات صغيرة في فيرجينيا. وكان أغلب أصدقائها من برنامج المتفوقين وهم مجموعة تضم أميركيين من أصول إسبانية وهندية وأفريقية فضلا عن البيض. وكانت تقضي معهم أياما في الاستمتاع بحمامات الشمس على ضفاف نهر جيمس. وكان بعض الأصدقاء يعتقدون أنها من هندوراس في السلفادور، لكنها أخبرتهم أنها من غواتيمالا، لكن لا يهم فقد كانت تعتقد أن هذا الأمر لا أهمية له.
وفي الثانية مساء يوم الأحد من شهر ديسمبر (كانون الأول) جاء إلى منزل الأسرة تسعة من موظفي الهجرة وقرأوا عليهما حقوقهما. لم يكن لدى ألدانا أدنى فكرة عن كيفية عثور السلطات عليهما. وتم تعقب الاثنتين بجهاز تعقب في كاحليهما، وصدرت إليهما أوامر بشراء تذاكر ذهاب فقط إلى غواتيمالا قبل 20 يونيو. أخفت ميجا جهاز التعقب عن أعين زملائها في المدرسة بارتداء بنطال والدتها ذي المقاس الكبير. ووافق موظفو الهجرة على السماح لها بخلع الجهاز قبل حفل التخرج ببضعة أسابيع مستعيضين عنه بتعقبها عن طريق الهاتف المحمول.
وكانت أمها تشعر بالراحة عند الحديث عن ترحيلهما، لذا تحدثت عنه مع الزبائن في صالون التجميل الذي تعمل به، وكانت تصلي بصوت مرتفع في غرفة المعيشة، واتصلت بأسرتها في غواتيمالا مع اقتراب موعد الترحيل.
12-06-2012
المصدر/ جريدة الشرق الأوسط