تعج الخزانات الألمانية بأعمال أدبية لكتاب من أصول شرقية، اختاروا الألمانية لغة للتعبير عن مشاعرهم وأفكارهم. DW عربية التقت كتابا من أصول مغربية وفلسطينية وإيرانية للكشف عن دلالات هذا الاختيار وسر حبهم للثقافة الألمانية.
ترك العديد من الكتاب ذوي أصول مهاجرة بصمات على الأدب الألماني، بعضهم ولد وترعرع في ألمانيا وبعضهم الآخر هاجر إليها قصد الدراسة أو العمل أو بحثا عن اللجوء السياسي. وكان الكتاب المنحدرون من أوروبا الشرقية من الأوائل الذين استمدوا من الألمانية لغة لأدبهم وكتاباتهم مثل الكاتب التشيكي الأصل فرانتس كافكا والروائي البلغاري الأصل إيليا ترويانوف والروماني يان كورنيليوس المتخصص في أدب الأطفال. وفي عام 1969 ظهرت أول مجموعة قصصية باللغة الألمانية بعنوان "القرد الذي يبحث عن تأشيرة" للكاتب المغربي مصطفى الحجاج، الذي يحكي فيها عن تجربته قبل الهجرة إلى ألمانيا وظروف حصوله على تأشيرة السفر إليها.
"الألمانية تتيح لي إمكانية التعبير عن أفكاري ومشاعري"
وهاهي المغربية الأصل فوزية الطيبي تلتحق بركب الأدباء المنحدرين من دول عربية والذين يتخذون من لغة غوته وسيلة للكتابة، لا بل وترأس الكاتبة والشاعرة جمعية للكاتبات من جنسيات مختلفة في مدينة فرانكفورت. وحول علاقتها بلغة غوته تقول طيبي لDWعربية: "أعتبر الألمانية لغتي الأم إلى جانب الأمازيغية والعربية. لكن الكتابة باللغة العربية أمر صعب بالنسبة لي، لأنني ترعرعت في ألمانيا وتعودت على الألمانية كلغة تعبير تتيح لي إمكانيات عديدة لترجمة أفكاري إلى كلمات". وتركز فوزية الطيبي في أشعارها على نقل صورة عن المرأة الشرقية سواء التي تعيش في الشرق أو التي اختارت الهجرة وارتمت في أحضان ثقافة جديدة. وبخصوص دلالات الثقافة الألمانية تقول الشاعرة الطيبي: "لقد ولدت في ألمانيا وترعرعت في فرانكفورت، المغرب وألمانيا مهمان بالنسبة لي. لكن هناك اختلاف ثقافي بين البلدين وهذا ما يشدني إلى كلا الثقافتين".
من جهته، حرص الشاعر الفلسطيني الأصل صالح سروجي في الكتابة على المزاوجة بين العربية والألمانية، إذ يقول في إحدى قصائده: "عندما أكتب أستمتع بحرية كبيرة، بالألمانية أكتب من اليسار إلى اليمين، وبالعربية من اليمين إلى اليسار، وفي الوسط يلتقي الخطان". هذا الانسجام والتلاقي بين اللغتين جسّده الشاعر في ديوان شعري أصدره عام 2006 تحت عنوان "من وراء الغربة" وفي ألبوم شعر موسيقي باللغتين العربية والألمانية أصدره عام 2010. وعن اختياره للغة معينة بدلا من أخرى، فيقول سروجي في حديث مع DWعربية: "السبب قد يكون حالة اللحظة النفسية بعينها أو بالتحديد اللحظة الشعرية المكثفة التي تسقط عليّ كالبرق، فتحاول إحدى هاتين اللغتين استيعاب مضمون الفكرة لتعطيها إطارها الحيوي القادر على حياكة النسيج اللغوي الملائم للدهشة النفسية الأولى التي تنتابني وللرمز الأدبي المناسب لحالة البرق التي تنزل عليّ بلا استئذان".
"ألمانيا، وطني الجديد - والألمانية لغتي الجديدة"
تجربة أخرى لكاتب استقى من الألمانية لغة للتعبير عن أفكاره، وهو الكاتب الألماني الإيراني رضا حياتبور، الذي أصدر روايتين: الأولى عام 2005 بعنوان "طعم الحرية"، يتحدث فيها عن تجربته المرة في إيران حين قرر الثورة على القيم السائدة، والثانية صدرت عام 2011 بعنوان "أيام الحب".
وعن سبب اختياره الكتابة بلغة غوته، فيقول حياتبور لDWعربية: "أكتب بالألمانية لأنني أستطيع من خلالها التعبير بسهولة عن أفكاري ومشاعري، فمنذ سنواتي الأولى في ألمانيا بدأت أحلم بهذه اللغة". وعن دلالات الثقافة الألمانية وعلاقته بها يضيف حياتبور:"ألمانيا كانت في البداية بلد لجوء سياسي، فحاولت أن أتعود على نمط حياة جديد، تعرفت على أناس كثيرين من جنسيات مختلفة، نسجت صداقات، ومع مرور الوقت تحولت ألمانيا إلى وطني الجديد بكل ما تحمل الكلمة من دلالات سياسية ووجدانية".
وقد تختلف ظروف وسياقات اختيار اللغة الألمانية لغة للتعبير الأدبية والعلمية، إلاّ أن إيصال الأفكار والمشاعر للقارئ الألماني يبقى هدفا مشتركا بين كل الكتاب. وفي سياق متصل يقول البروفسور، وأستاذ علوم اللغة بالمدرسة العليا للعلوم البيداغوجية في مدينة هايدلبرغ، إدوار هاوأيس، في حديث مع DWعربية: "الكتاب الذين اختاروا الألمانية لغة للإبداع بالرغم من كونها لغة أجنبية أو لغة تعلموها عندما كانوا صغارا، فهم يقومون من خلال كتاباتهم بإثراء الثقافة الألمانية وإضفاء طابع متميز عليها."
15-06-2012
المصدر/ شبكة دوتش فيله