المواجهة والانخراط في المجتمع أفضل من العيش على هامشه المعزول، هذا ما دفع مجموعة من الشباب اللاجئين في ألمانيا إلى تقديم مسرحية "فاوست" للكاتب الألماني غوته، التي تتناول الحب والإغواء، لكن في رؤية ثقافية متنوعة.
"ما يزال الغبي على اعتقاد أن الشيطان مليونير"، جملة لم ترد على لسان مفيستو، الشخصية الرئيسية في مسرحية "فاوست" للكاتب الألماني غوته، لكن عندما يتلفظها ديالو القادم من غينيا بطريقته المتعثرة في نطق الألمانية، فإنه يعطي انطباعاً بأن الشيطان مفيستو قالها بالفعل. العمل الذي ينهمك ديالو وعشرون لاجئ آخر لتقديمه على خشبة المسرح هو صياغة حداثية مرتجلة للتراجيديا الأشهر في الأدب الألماني "فاوست" للأديب الألماني يوهان فولفغانغ فون غوته.
وحتى وقت قريب لم يكن أحد منهم يتكلم الألمانية، لكن العمل على تقديم هذه المسرحية يشكل خطوة كبيرة، قامت على الخطة التي وضعتها منظمة In Via الخيرية التي تتخذ من مدينة كولونيا الألمانية مقراً لها. وقامت المجموعة باكتشاف رائعة الأدب الألماني هذه وبتوزيع الأدوار على أعضائها.
ولم يسبق إلا ما ندر تقديم أحد أعمال غوته في إطار متعدد الثقافات، كما هو الحال في تقديم هذه الصياغة الحداثية، فالممثلون الشباب – وجزء منهم ما يزالون قاصرين- ينحدرون من بلدان آسيوية وإفريقية مختلفة، منها أفغانستان وأثيوبيا وغينيا وإيران والعراق والصين، وهم من الذين انتهى بهم المطاف هاربين إلى ألمانيا ولم يمض على وجودهم فيها أكثر من عام. لكن قبل ذلك كانت حياتهم مثقلة بالحروب والملاحقات، أما الآن فيرغبون في حياة جديدة في ألمانيا وفي الذهاب إلى المدرسة أو القيام بتدريب مهني ما. من خلال التمثيل تعلموا اللغة الألمانية، وباتت ثقتهم بأنفسهم عالية لأداء الأدوار أمام الجمهور.
المسرح لتعلم اللغة
في الكثير من المدن الألمانية توجد مسارح للاجئين، وهي تعد أحد الفرص القليلة أمامهم لتقديم أنفسهم إلى العامة بعيداً عن السياسة. ويمكنهم ربما الانخراط في أدوار أخرى والمشاركة في الحوار الاجتماعي. المشروع المسرحي لمنظمة In Via والذي يتولى هانس-بيتر شبايشر إخراجه، يهدف منذ 10 أعوام إلى تحقيق نوعاً من الاندماج على خشبة المسرح. وكان شبايشر قد أخرج أعمالاً لشكسبير وشيللر وفيدكيند، وقام بتمثيل أدوارها على خشبة المسرح لاجئون شباب.
لكن تقديم أحد أعمال غوته يعد أمراً جديداً بالنسبة له، فقد أصبحت صياغته عبارة عن مزيج فني من مختلف الشخصيات والعناصر الموجودة في أعمال غوته، الذي تأثر فيه الممثلون أنفسهم. عن ذلك يقول المخرج الألماني: "أكتب نسخة مختصرة من العمل الأدبي وأجعل الممثلين يعملون عليه، فيغنوه بلهجة الشباب ومفردات الهيب-هوب والرقص. أرغب في إيقاظ المواهب الكامنة". وهذه هي خطة العمل التي يمكن نعتها بالحيوية والبعيدة عن القوالب التقليدية الصارمة. وفي بعض الأحيان يبدؤون بالرقص والتطبيل بشكل مفاجئ.
لكن الحدث يبقى قريباً من عمل غوته الأصلي، وحتى القوافي الختامية والعَروض تبقى على حالها، كما يقول شبايشر. لكن بالنسبة للمخرج الألماني فحتى أفضل أعمال الأدب الألماني لا تمثل مشكلة أمام المبتدئين في تعلم اللغة الألمانية، "بل انهم يتحدثون خارج المسرح أيضاً بلغة المسرحية"، فالقدرة على التعبير والحدث ليسا غريبين على الممثلين. الشخصية الرئيسية للعمل فاوست يرغب في إغواء "غريتشن"، فيقول مفيستو إن عليه أن "يوضح للحلوة ذلك".
فاوست جديد وثقافات مختلفة
تدرك المجموعة أن مصائر اللاجئين تربطهم معاً، لكن يندر أن يتحدثون بسهولة عن الأسباب التي دفعتهم لترك أوطانهم. يتعثر مرتضى في الكلام ويطيل النظر إلى الأرض، لكنه يبدأ فيما بعد برواية قصته: أتى قبل عامين من أفغانستان وكان عليه أن يبقى لفترة في اليونان كمحطة في طريقه إلى ألمانيا. وهناك كان عليه أن ينام في الشوارع وتحت الجسور. لم يعد يعرف إن كان الموت هو سر اختفاء عائلته. الخوف ما يزال يعتريه حتى هنا في ألمانيا. "رأيت الكثير من الحروب، لم يكن بوسعي رؤية رجال الشرطة".
مرتضى يذهب الآن إلى المدرسة للمرة الأولى في حياته، حاله حال الكثير من أعضاء المجموعة. "أشعر بالسعادة. وضعي في تحسن. وجدت الكثير من الأصدقاء من مختلف الدول والديانات". التمثيل على خشبة المسرح يشعره بالمتعة، وهو راغب في الاستمرار، فخلال التدريبات أكتسب الكثير من الشجاعة، وحصل على إمكانية تعلم الألمانية وزيارة أحد الصفوف المدعومة دولياً.
إقامة بدون مصير
خياو ياو من الصين، وصلت في العام الماضي بمفردها إلى ألمانيا، تاركة عائلتها وأصدقائها خلف ظهرها. في الوقت الراهن تعيش في ألمانيا بوثيقة إقامة مؤقتة، وهذا يعني أنها سوف لا تُرحل في ألمانيا قريباً لكنها لن تحصل على تصريح بالإقامة. وخياو ياو واحدة من 162 لاجئ من القاصرين، الذين وصلوا إلى مدينة كولونيا الألمانية بمفردهم عام 2011. لكنها تنسى كل هذه الهموم عندما تبدأ بتمثيل دورها على خشبة المسرح. لم تكن تعرف غوته في ما مضى، لكنها اليوم تقوم بأداء دور "لوته"، وهي إحدى شخصيات رواية غوته "آلام الشاب فارتر"، الأمر الذي يروق لها كثيراً. عن ذلك تقول خياو ياو: "أعتقد أن لوته لم تكن خجولة مثلي".
وبسبب المشاكل التي يواجهها الممثلون اللاجئون مع السلطات الألمانية بين الحين والآخر، قام شبايشر بوضع ممثلين اثنين لتأدية كل دور من أدوار العمل. الكثير من الشباب في منظمة In Via ليس لديهم تصريح بالإقامة. في نهاية سبتمبر/ أيلول سيُقدم آخر عرض لمجموعة In Via المسرحية على هامش أسبوع التنوع الثقافي لمدينة كولونيا. لكن أعضاء المجموعة يرغبون في تقديم أعمال مسرحية أخرى.
3-09-2012
المصدر/ شبكة دوتش فيله