الأربعاء، 03 يوليوز 2024 16:26

باريس- مغاربة فرنسا يعيشون على وقع الأزمة الاقتصادية وصعوبة الاندماج

الثلاثاء, 18 شتنبر 2012

بعد يوم مُخيب، يجمع محمد ما تبقى له من أقمشة وضعها على طاولة مهترئة بسوق "الثلاثاء" في بلدة Bourges الفرنسية الصغيرة التي تبعد عن العاصمة باريس بحوالي 230 كلم، قبل أن يركب سيارته الصغيرة عائدا إلى بيته الريفي حيث يستقر وعائلته.

محمد الذي غادر المغرب قبل 15 سنة ليستقر في فرنسا، بدأ يجد صعوبة كبيرة في إيجاد عمل يقيه قسوة الضبابية التي دخلها الاقتصاد الفرنسي و"الكآبة" التي بدأ يعيشها الفرنسيون جراء توالي الأرقام المخيبة لمؤشرات ارتفاع أسعار المواد الأساسية للحياة.

حال محمد هو حال العديد من المهاجرين المغاربة الذين دخلوا في حالة من القلق على مستقبلهم في بلاد المهجر بعد أن ارتفعت تكاليف العيش وأصيب سوق العمل بضربات موجعة طيلة الأشهر القليلة الماضية حين فقد الاقتصاد الفرنسي آلاف الوظائف في مجال البناء والفلاحة والخدمات التي غالبا ما يشتغل فيها أغلب المغاربة في فرنسا من الجيل الأول والثاني.

"فرنسا لم تعد كما كانت"، بهذه العبارة اختصر شاب مغربي الوضع في فرنسا التي جاء إليها قبل تسع سنوات عن طريق "زواج أبيض" كلفه 10 ملايين سنتيم كاملة.

عزيز وهو الاسم الحقيقي لشاب في 35 من العمر يدرك جيدا أن الحلم الذي جاء به إلى فرنسا لم يكن حقيقيا. "هناك فرق كبير بين أن تحلم وبين أن تعيش الواقع" يقول عزيز لـ"هسبريس" قبل أن يستدرك بالقول "بأن الحياة رغم ذلك ليست بالقاسية كما هو الحال في المغرب".

أمثال عزيز ومحمد كثيرون هنا بفرنسا حيث التخوف من دخول البلاد في انكماش اقتصادي يدفع بالفرنسيين والمهاجرين على حد سواء إلى تخفيض تكاليف حياتهم والادخار لأوقات عصيبة تنتظرهم في القادم من الأيام.

ورغم التخوف الكبير الذي يشعر به الفرنسيون المُبرر من الأخبار اليومية التي تتحدث عن حال جيرانهم في اسبانيا التي دخلت في سياق طلب حزمة إنقاذ مالي لمؤسساتها من الاتحاد الأوروبي، إلاّ أن المهاجرين المغاربة غير مكثرتين بشكل كبير من قلق الفرنسيين على مستقبلهم بفعل دفء النظام الاجتماعي الذي تمنحه الدولة الفرنسية للعاطلين أو لذوي الدخل المحدود. هذا على الأقل ما عبرت عنه المغربية فاطمة التي تعمل في شركة للنظافة براتب شهري يزيد بقليل عن 1200 أورو شهريا، وتستفيد من نظام مساعدة يمكنها من تحمل مصاريف تربية أبنائها الأربعة، من خلال بعض التحايل على القانون.

مهاجرون مغاربة لم يتكيفوا على العيش في فرنسا

في مدينة Tours التي لا تبعد إلاّ 120 كلم عن العاصمة باريس يوجد العديد من المغاربة الذين فقدوا وظائفهم خلال الأشهر الأخيرة. ميشال وهو فرنسي له مقاولة للبناء أكد لـ"هسبريس" أنه كان يوظف سبعة مغاربة في مجال البناء قبل أربعة أشهر من الآن قبل أن يضطر لتخفيض العمالة بمقاولته نظرا للصعوبات التي واجهها في تأمين مشاريع تؤمن السير العادي للمقاولة التي أسسها سنة 2007.

غير ان العديد من الفرنسيين الذين التقتهم "هسبريس" أكدوا أن ارتفاع البطالة في صفوف المهاجرين المغاربة ليس بالضرورة راجع لعدم وجود مناصب عمل شاغرة بالقدر الذي يعود إلى أن العديد من المهاجرين ومنهم المغاربة على وجه التحديد وجدوا صعوبة كبيرة في الاندماج داخل المجتمع الفرنسي، حيث يعمد العديد منهم إلى العيش في محيط ضيق بين أبناء جلدتهم مشكلين "غيتوهات" ثقافية خاصة بهم يرفضون التنازل عليها.

جولة صغيرة في الأحياء والمقاهي التي تكتظ بالمهاجرين المغاربة في العاصمة باريس يمكنها أن تبيّن بالملموس إلى أي حد يرفض المغاربة التنازل على الطبائع التي جلبوها معهم من المغرب، ويفضلون في الكثير من الأحيان التحدث بالعربية على الفرنسية وممارسة طقوسهم الخاصة وعاداتهم دون أي مركب نقص، وهو ما يعتبره الفرنسيون "مشكلة في الاندماج" لا تساعد المهاجرين في إيجاد حلول لمشاكلهم بفعل صعوبة التكيف مع تقاليد المجتمع الفرنسي العلماني.

نحب المغرب لكننا لا نريد استيراد ثقافته

العديد من الفرنسيين يؤكدون أنهم يحبون المغرب، لكنهم لا يريدون استيراد ثقافته إلى بلدهم. "نحن نحب مراكش وبساطة العيش في البوادي المغربية والكسكس والطاجين المغربي، لكننا لا نريد أن نرى محجبات ومنقبات وغيتوهات تتكاثر في بلدتنا" يقول أحد رجال الشرطة في بلدة Bourges من خلال تصريح غير رسمي لـ"هسبريس" بعد أن تم اعتقال مغربية ترتدي النقاب قرب متجر "كارفور"، بداية الأسبوع الماضي.

الاحتكاك مع الشرطة الفرنسية غالبا ما أصبح يأخذ طابعا حادا بعد أن تغيرت تركيبة المجتمع الفرنسي التي أصبح المهاجرون من إفريقيا جنوب الصحراء، ومن المغرب العربي يشكلون عنصرا هاما داخل منظومته. هذا على الأقل ما عبر عنه باسكال الذي يدير متجرا لإحدى ماركات الثياب العالمية بوسط بمدينة Tours في تصريح لـ"هسبريس". باسكال لا يعتقد أن المهاجرين العرب ومنهم المغاربة يمكنهم أن يهددوا الهوية الفرنسية كما كان يدعي الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، لكن مع ذلك يفضل أن يظل المجتمع الفرنسي محافظا على علمانيته دون أن يتم المساس بحقوق الآخرين من ذوي الثقافات المختلفة. لكن باسكال نفسه يعود ليرفض بشكل قطعي أن يصبح المهاجرون من المستعمرات الفرنسية السابقة عامل تهديد للرخاء والحرية والثقافة المنفتحة التي اعتادها المجتمع الفرنسي.

"شخصيا لا أرغب في أن تقتطع الدولة الفرنسية من راتبي الشهري من أجل أن تمنح للمهاجرين الكسالى كيفما كانوا رواتبا شهرية ليعيشوا بها في ظل بحبوحة الدفء الاجتماعي الذي تمنحها لهم فرنسا، دون أن يجتهدوا ويعطوا شيئا لهذا المجتمع". يضيف باسكال وفي صوته نبرة غضب وتحد.

رأي باسكال المُعلن هو رأي العديد من الفرنسيين الذين باتوا يفقدون صبرهم اتجاه أبناء الضواحي في العديد من المدن الفرنسية الذين يرفضون إتمام دراستهم، ويخرجون للشارع بحثا عن الحياة السهلة التي لا مسؤولية فيها.

أغلب العائلات من الجيل والأول والثاني يبدو أنها وجدت صعوبة كبيرة في جعل أبنائها تبوؤون مناصب اجتماعية مهمة. العديد من الشباب المغربي في الضواحي الهامشية للمدن الفرنسية يعيشون البؤس والضياع، هذا ما يمكن ملاحظته في ضواحي العاصمة باريس حيث يمكن للمتجول قرب الضواحي الفقيرة في عاصمة الغنى الفاحش والفقر المدقع أن يلاحظ العديد من الشبان العرب ومنهم المغاربة وسط أكوام من الأطعمة الفاسدة وقنينات الكولا الفارغة يلفون أعقاب السجائر غير آبهين بما يحيط بهم وغير مهتمين باكتشاف العالم خارج هذا الحي البئيس.

غير بعيد عن هذه الصورة القاتمة، يجلس العديد من المسنين المغاربة يتبادلون أطراف الحديث عن مشاكل الحياة وعن صعوبة العيش في ظل رواتب التقاعد التي لم تكفيهم. هكذا تدور عجلة الحياة وتكرر نفسها في الضواحي الباريسية التي أصبحت مادة خصبة للتنافس السياسي بين الساسة الفرنسيين في كل انتخابات بلدية أو رئاسية.

التخوف الفرنسي من المد الإسلامي الأخضر

قبل أن يتمم مارسيل فنجان قهوته السوداء على ناصية إحدى المقاهي في شارع الشانزلزيه الشهير بالعاصمة باريس حيث التقته "هسبريس"، أصر الفرنسي الذي تعلم العربية في لبنان على تسليط الضوء على التخوف الفرنسي من "المد" الأخضر" للمسلمين في بلاد شارل ديغول.

مارسيل الذي يملك شركة لترميم المنازل تعاني بشكل كبير من أجل البقاء في ظل الأزمة التي بدأت تسلط خيوطها على الاقتصاد الفرنسي برمته، أكد لـ"هسبريس" أنه على مدى 17 سنة كان غالبية عمال شركته من المغاربيين بفعل ليونة التعامل معهم، وقلّة متطلباتهم وقبولهم بالأعمال التي برفضها الفرنسيون، ويقبل بها المغاربيون بدون مركب نقص، غير أن هذه الصورة النمطية التي ترسخت عند الفرنسيين اتجاه مسلمي دول المغرب العربي ـ حسب مارسيل ـ بدأت تتغير خلال العشر سنوات الأخير حين وصل إلى فرنسا العديد من الطلاب العرب والمغاربيين على وجه التحديد الذين فتحوا النقاش بشكل مستفيض على وضع المسلمين بفرنسا وحقوقهم، ومحاولة طمس هويتهم، والتضييق على شعائرهم الدينية، مع العنصرية المتنامية التي أصبح اليمين المتطرف في فرنسا يغذي بها الفرنسيين يوميا عبر وسائل الإعلام وفي الحملات الانتخابية.

كل هذه العوامل وأخرى حسب مارسيل الذي تحدث لـ"هسبريس" بمنطق العارف لتعقيدات الصورة التي يرى بها الفرنسيون المسلمين والتي زادت تعقيدا بعد أحداث "تولوز" الأخيرة، التي استغلها اليمين المتطرف في فرنسا بشكل جيد لكسب القلوب المرهفة للفرنسيين وعقولهم المتعبة بأرقام تصاعد البطالة ومشاكل منطقة اليورو وارتفاع الضرائب والخوف من المجهول الذي بدأ يمس هويتهم المتحررة التي ناضل من أجلها الفرنسيون كما باقي الأوروبيين في معارك طاحنة مع الكنسية قبل قرون.

يأتي ذلك في الوقت الذي يصحا الفرنسيون ويمسون على الإحصاءات التي بدأت تزعجهم والتي تشير إلى إن طفلا من كل ثلاثة أطفال بأوروبا سيولدون لأبوين مسلمين بحلول سنة 2025. هذا هو "الرعب" الذي يعيش عليه اليمين المتطرف الفرنسي ويحاول تسويقه للفرنسيين من خلال جعلهم يفتحون النقاش حول "اللحم الحلال" "والبرقع" و"الحجاب" و"الإرهاب الإسلامي" الدي يهدد فرنسا.

في ظل كل هذه المشاكل والنقاشات المجتمعية في فرنسا، يظل المهاجرون المغاربة مصرين على أخذ كامل حقوقهم من التعويضات العائلية وفي العمل وفي التطبيب والتعليم وكل ما يملكه الفرنسي وذلك لأسباب تاريخية حسب فاطمة التي تحدثت لـ"هسبريس" بغير قليل من التحفظ لتقول: "كل ما نعيشه في بلداننا وما نعيشه اليوم كمهاجرين هو نتاج استعمار فاسد مازال يمتص خيرات بلداننا إلى اليوم، وما نحصل عليه كمهاجرين ممن استعمروا بلداننا ما هو إلاّ النزر القليل من حقوقنا".

وبين رأي فاطمة الذي وجدنا أنه رأي العديد من مغاربة الجيل الأول والثاني الذين هاجروا نحو فرنسا في أواخر القرن الماضي، وبين واقع العيش في بلد يعتبر اقتصاده الثاني من ناحية الأهمية في أوروبا بعد ألمانيا، يتوه جيل بكامله الذي يجد صعوبة في تحديد هويته ورسم مسار حياته وتشكيل مستقبل يخرجه من الضياع. إنه الجيل الثالث والرابع من ابناء المهاجرين المغاربة الذين لا يعرفون عن المغرب إلا الطاجين والكسكس والمسمن المغربي الذي تعده الوالدة في كل عيد.

18-09-2012

مختارات

Google+ Google+