تمثل الحدث الثقافي في باريس أمس في افتتاح قسم الفنون الإسلامية في متحف اللوفر، وحرصت فرنسا على أعلى مستوى على إبراز اهتمامها بهذا المشروع الضخم، إذ قام الرئيس فرنسوا هولاند بتدشين العرض وزيارة أقسامه المنتشرة على طابقين بشكل مطول والاستماع للشروح والتفاسير. وحضر من العالم العربي المساهمون الرئيسيون في تمويل المشروع الضخم أو من يمثلهم، ومنهم رئيس وزراء الكويت، ووزير خارجية المغرب السابق والأميرة للا مريم، ممثلين الملك محمد السادس، ووزير السياحة العماني أحمد المحرزي ممثلا السلطان قابوس، والأمير الوليد بن طلال، أكبر المساهمين الفرديين، ورئيس جمهورية أذربيجان، وغيرهم. ومن الجانب الفرنسي حضرت وزيرة الثقافة أورلي فيليبيتي، ومدير عام اللوفر هنري لواريت، ومدير عام وزارة الخارجية بيار سلال، ونائب رئيس دائرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مارك باريتي، ووزير الثقافة السابق جاك لانغ، ووزيرة العدل السابقة إليزابيث غيغو، والمستشرق أندريه ميكيل، والرئيس التنفيذي لمعهد العالم العربي برونو فالوا، ومديرته العامة منى خزندار، ومجموعة من السفراء العرب، بينهم سفيرة الأردن دينا قعوار، وسفير السعودية محمد آل الشيخ، والكويت علي السعيدي، والعراق فريد ياسين، والجزائر ميسوم صبيح، وعدد كبير من المثقفين وأهل الفن والفكر من العرب والفرنسيين. وحضر أيضا المهندسان المعماريان اللذان أشرفا على المشروع، وهما ماريو بلليني ورودي ريكيوتي.
وفي الكلمة المطولة التي ألقاها، نوه الرئيس هولاند بالحدث وبالأهمية التي يرتديها، معتبرا أنه «مرحلة جديدة» يجتازها متحف اللوفر في مسيرة البناء الواسعة التي أطلقها الرئيس الاشتراكي الأسبق فرنسوا ميتران منذ بدء انتدابه الأول عام 1981. وبحسب هولاند فإن إنجاز قسم الآثار الإسلامية في متحف اللوفر الأكثر ارتيادا في العالم هو «الموقعة الأخيرة» في مسار المتحف الوطني الفرنسي. وبرأي هولاند، فإن إنشاء هذا القسم وإغناءه بـ3000 قطعة أثرية رائعة تغطي 12 قرنا من الإبداع الفني الإسلامي وانتشاره الجغرافي من إسبانيا الأندلسية إلى الهند وكل المناطق الأخرى التي انتشر فيها الإسلام وازدهرت حضارته، يعكس من جهة «رسالة» اللوفر العالمية كملتقى للآثار الفنية لكل الحضارات، ويشكل من جهة ثانية دعوة لاكتشاف فنون الإسلام.
ولم يفُت الرئيس الفرنسي الإشارة إلى أن الاطلاع على الآثار الإسلامية في اللوفر هو للمواطن الغربي «جزء من التعرف على الذات»، واستيعاب أن الجميع «يتقاسمون القيم نفسها»، فضلا عن تبيان الروابط التاريخية والثقافية التي تشد الحضارات في ما بينها.
وفي إشارة سياسية واضحة، أعلن الرئيس الفرنسي أن «أفضل سلاح لمواجهة الظلامية والتعصب الذي ينسبه البعض إلى الإسلام موجود في الإسلام نفسه»، مؤكدا أن بلاده «تفتخر» باحتضان الفنون الإسلامية وأن تحميها وتبرز قيمتها». وقالت صوفي مكاريو، مديرة قسم الآثار الإسلامية، إن الهدف الأسمى للقسم الجديد هو «إعادة إبراز عظمة الإسلام وعدم إفساح المجال للجهاديين بتلويث ما هو أساسي لديه».
وإذا كان هولاند يشيد بما تحقق في متحف اللوفر، فإنه لا يجانب الحقيقة، ولا يبالغ لأن الإنجاز الرائع يستحق الإشادة. ورأس الإنجازات الغلالة المصنوعة من الزجاج والفولاذ، وهي تشبه جناح الفراشة، وهي تغطي بهو جناح «فيسكونتي». وغرض هذا الجناح الذي يحمي جانبا من الفنون الإسلامية المعروضة أنه يستقبل الزائر ويعطي هوية خاصة لقسم الآثار الإسلامية.
وتبدو زيارة هذه المساحات الجديدة أشبه بجولة عبر تاريخ وجغرافيا الحضارة الإسلامية وما أبدعته على مر العصور، وفي الفضاءات التي انتشرت وازدهرت فيها. فمن المخطوطات القديمة إلى الأدوات الحربية كالسيوف والخناجر والخوذات الحربية إلى المنمنمات والزخرفات ثم الأواني الفضية والعاجية والذهبية والكريستال وأدوات الزينة والتبرج وفنون الطاولة، وكذلك الجداريات والسجادات النادرة، وكل المعروضات التي يصعب حصرها تعكس وبألق أمجاد ما أنتجته الحضارة الإسلامية أينما حلت.
ولا شك أن الأسلوب المعماري المتمثل في الغلالة الشفافة الفوقية وفي الأعمدة المائلة والنحيفة التي تحملها وفي غنى المعروضات الفنية وأسلوب عرضها الذي يستفيد من التقنيات الجديدة ولعبة الضوء والظل، كل ذلك يتضافر ليعطي لقسم الآثار الإسلامية في متحف اللوفر معنى خاصا يدلل ويؤكد ما قاله الرئيس هولاند ومدير عام اللوفر هنري لورايت من أن لهذا المتحف الوطني «رسالة إنسانية» وليس فقط مكانا للمحفوظات والآثار الفنية.
19-09-2012
المصدر/ جريدة الشرق الأوسط