أطلت البلجيكية من أصل مغربي «فرح» على مشاهدي قناة «لايف» بالحجاب في سابقة هي الأولى من نوعها في التلفزة البلجيكية، وجاء ظهور فرح لتقديم ثلاثة برامج بالتزامن مع الجدل الدائر حاليا بشأن الفيلم المسيء للرسول، فهل كان الأمر مقصودا لاختيار هذا التوقيت لظهور مقدمة برامج ترتدي الحجاب؟ وبالتالي تهتم بالأمر وسائل الإعلام المختلفة، وتوجهت بهذا السؤال إلى المسؤول عن المحطة ويدعى خيرت فان مول وقال لـ«الشرق الأوسط» إن الأمر جاء مصادفة ولم يكن مقصودا نهائيا؛ لأن ظهور فرح في تلفزة «لايف» كان مخططا له قبل عرض الفيلم المسيء للإسلام، كما أنه تزامن مع إطلاق قناتين جديدتين في بلجيكا، «وبالتالي خططنا له من قبل لإحداث تغيير في شكل قناة (لايف)، واقترح أحد الزملاء ويدعى سعيد وله برنامج موسيقي في القناة، أن نستعين بفتاة محجبة، وفكرت في الأمر، ونظرت إلى من حولي في الشوارع فوجدت أن الحجاب أصبح موجودا تقريبا في كل مكان، ووافقت على الفكرة من منطلق أن القناة تعكس الواقع الذي يعيشه المجتمع البلجيكي». وعن القناة نفسها يقول فان مول، إنها تبث عبر الإنترنت ومن خلال شركة «تيلي نت» للبث التلفزيوني في المنازل، وأشار فان مول إلى أن مليونا و400 ألف عائلة في بلجيكا تشاهد القناة التي تقدم برامج مهتمة بالعائلة في المقام الأول، ثم الشباب بشكل خاص، وتبث برامج عن التكنولوجيا والرياضة والمغامرات والموسيقى والغناء، وهناك أغاني من ثقافات مختلفة، ويمكن أن تستمع لأغان تركية ومغربية وبلجيكية وفرنسية، ومن أماكن أخرى من العالم.
وخلال زيارتنا لاستوديو قناة «لايف» في بلدة زورسيل القريبة من مدينة انتويرب، التقينا مجموعة العمل التي تعمل في جو عائلي، ودارت محادثة جماعية في أجواء من الابتسامات والضحك والدعابة، والتقت «الشرق الأوسط» عروس القناة، وهي المحجبة فرح التي تبلغ من العمر 22 عاما، وهي تدرس حاليا الصحافة وفي السنة النهائية، وتعيش مع أسرتها بالمنطقة الفلامنكية، وبالتحديد في مدينة سانت كلاس القريبة من زورسيل حيث يوجد استوديو بث القناة، وهي أسرة مغربية تنحدر من شمال المغرب، حيث المنطقة الأمازيغية، ولا تتحدث فرح العربية بينما تتحدث الأمازيغية والفرنسية والهولندية والإنجليزية، وقالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»» إنها تشعر بالفخر لأنها أول مقدمة برامج تظهر على تلفزة بلجيكية وهي ترتدي الحجاب، وتأمل أن يكون ذلك بداية لظهور مذيعات محجبات في قنوات أخرى في الفترة المقبلة. واعتبرت فرح أن ما حدث هو بداية تحقيق حلمها بالعمل الإعلامي، وأنها تتلقى الدعم والتشجيع والمساندة من والديها.
يذكر أن أول مذيعة من أصل عربي في التلفزيون البلجيكية، وربما في محطات التلفزيون الأوروبية، المغربية الأصل خيتي أمينة بن هاشم، التي بلغت الآن سن التقاعد، التحقت بالعمل في محطة الراديو والتلفزيون البلجيكي الناطق بالفرنسية في عام 1973، عندما قررت القناة «بي آر تي» في ذلك الوقت، توجيه برامج للأقليات الموجودة في بلجيكا، ومنها العرب وجنسيات أخرى مثل الإيطاليين والإسبان واليونانيين والأتراك. وقدمت المذيعة المغربية برنامجا في الراديو والتلفزيون، يحمل الاسم نفسه «إليكم»، وكان موجها للجالية العربية، التي كان المغاربة يشكلون الجزء الأكبر منها. واهتم البرنامج بالمواضيع التي تهم العمال العرب المغاربة، واستمر البرنامج عدة سنوات يقدم لهؤلاء الأجانب مواضيع تتعلق بظروف العمل، والمشكلات التي يمكن أن تواجههم وكيفية التغلب عليها، بالإضافة إلى تقديم الأغاني المغربية والجزائرية، وأغاني أم كلثوم وعبد الوهاب وغيرهما، بعدها قدمت أمينة برنامج «سندباد» الذي بدأ يوسع دائرة اهتماماته ومواضيعه، من خلال مناقشة أهم الملفات التي تهم المهاجر العربي في كل النواحي الحياتية، وأخيرا قدمت المذيعة المغربية برنامجها «ألف ثقافة وثقافة»، الذي يخاطب الثقافات والأقليات المختلفة الأجناس.
وعن وجود شخصيات أجنبية في التلفزيون البلجيكي أعربت المذيعة المغربية الأصل عن أسفها لقلة عددهم، وقالت: «هناك سيدتان عربيتان في نشرات الأخبار من أصل جزائري، وعدد محدود في إعداد الأخبار والفنيين، ولكن للأسف لا يحصل الأجنبي على فرص كثيرة في التلفزيون، ليس فقط في بلجيكا، ولكن على المستوى الأوروبي، باستثناء إنجلترا التي أعطت الفرصة لعدد من الأشخاص من جنسيات أجنبية مختلفة، وأتمنى طبعا أن يحصل الأجانب، سواء العرب أو الأفارقة أو أي جنسية أخرى، على فرص أكبر في مجال الإعلام البلجيكي». أما عن الأسباب وراء قلة عددهم فقالت أمينة: «أعتقد أن المسؤولين في محطات التلفزيون أقدر مني على الإجابة عن هذا السؤال». وفي محطة التلفزيون الفلامنكية التجارية «في تي إم»، التقت «الشرق الأوسط» في وقت سابق «مارك فان لومبيك» مدير العلاقات العامة والمسؤول الإعلامي، الذي اتفق مع المذيعة المغربية في الكثير من النقاط، ومنها غياب المنافسة بين محطات التلفزيون الفلامنكية والفرانكفونية. وعن غياب العنصر الأجنبي وعدم وجود برامج موجهة للجاليات الأجنبية من خلال القناة التي يعمل بها قال مارك إنه بالفعل لا توجد مثل هذه البرامج، لأن معظم الأجانب الذين جاءوا إلى بلجيكا «يفضلون اللغة الإنجليزية أو الفرنسية، وخاصة المغاربة الذين يجيدون اللغة الفرنسية، ولا يتحدثون الفلامنكية، ولكن نحن نقدم برامج تناقش مواضيع تهم الجاليات الأجنبية، كما أدركنا مع مرور الوقت أن هناك أجيالا جديدة من الأجانب تتحدث اللغة الفلامنكية، وأعطينا الفرصة لشخصيات من أصول أجنبية للعمل معنا، وهناك على سبيل المثال مذيع للأخبار من أصل تركي، كما أن إنتاج المحطة من الدراما يعطي الفرصة للممثلين من أصول أجنبية للعب أدوار في المسلسلات، وأعتقد أن المرحلة المقبلة سوف تشهد فرصا أكبر واهتماما أكبر بالجاليات الأجنبية، وسوف نراعي ذلك في خطط القنوات سواء من خلال البرامج أو فرص العمل، وخاصة في ظل تزايد أعداد الأجانب المتحدثين باللغة الفلامنكية، وظهور أجيال متعاقبة منهم في بلجيكا». وعن ظهور القنوات التجارية قال: «ظهرت تلك القنوات في البداية في الجزء الوالوني، ثم انطلقت في عام 1989 في المنطقة الفلامنكية، وظهرت (في تي إم) ونجحت منذ انطلاقها وتأثرت بها القنوات العامة أو الحكومية التي كانت تتلون بلون الأحزاب السياسية، والتي لاحظت ذلك في عام 1996، وقررت الأحزاب عدم التدخل في عمل تلك القنوات التي عادت من جديد وبقوة، وبدأت منافسة قوية بينها وبين القنوات الخاصة، وخاصة في المنطقة الفلامنكية، حيث تشير الأرقام الصادرة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إلى حجم المنافسة بين قناتنا والقناة العامة (قناة رقم واحد)، ولكن في الجزء الفرانكفوني الأمر يختلف، حيث إن القناة التجارية (آر تي إل)، تتفوق على القناة العامة (آر تي بي إف)». وأضاف فان لومبيك أن النجاح الذي حققته قناة «في تي إم» والطفرة في مجال الاستثمار بالعمل التلفزي، ساعد في ظهور قنوات أخرى تابعة للمحطة، «ويمكن القول إننا نخاطب كل الأعمار، حيث توجد قنوات وبرامج موجهة لكبار السن والأطفال والنساء والمراهقين، والمراحل السنية المختلفة والهوايات المختلفة، ومنها قنوات للرياضة والموسيقى والدراما وغيرها، ونقدم البرامج بكل أنواعها لخدمة كل المواطنين».
يذكر أنه مع مطلع الخمسينات انطلق الإرسال التلفزيوني البلجيكي «إن آي آر»، ليقدم برامج وفقرات لعدة ساعات في اليوم على مدى أيام الأسبوع، باستثناء يوم الاثنين. وكانت البداية انطلاق برنامج يحمل اسم «المشهد في أسبوع»، وجرى تقسيم البرامج والفقرات بين اللغتين الرسميتين في البلاد الفلامنكية «القريبة من الهولندية»، التي يتحدث بها ما يقرب من 58 في المائة من البلجيكيين، واللغة الفرنسية التي يتحدث بها سكان المنطقة الوالونية أو الفرانكفونية الذين يشكلون أقل من 40 في المائة من إجمالي السكان. ومع مطلع الستينات زادت ساعات الإرسال التلفزيوني، وزادت معها البرامج التي كانت موجهة للمواطنين، والفقرات المختلفة سواء الإخبارية منها أو الحوارية أو الدراما وغيرها، وفي السبعينات بدأ الانفصال الحقيقي لمحطات التلفزيون البلجيكية حسب اللغة، وحسب الانتماء السياسي، وأصبح هناك انتماء حسب الألوان! بمعنى أن انتماء القناة يكون للحزب السياسي، الذي يسيطر على الأمور، وتكون القناة ملونة بلون الحزب. وعرف المواطن البلجيكي في منتصف السبعينات قناة ناطقة باللغة الفرنسية، وهي قناة «بي آر تي» التي أصبحت بعد ذلك «آر تي بي إف»، وقناة باللغة الفلامنكية هي «في آر تي» التي أصبحت القناة «رقم واحد»، وبدأت تقدم برامجها في المجالات المختلفة. ونسبة كبيرة من المشاهدين كانت تفضل، في ذلك الوقت، مشاهدة قنوات من الدول المجاورة مثل فرنسا وهولندا، ولكن مع مرور الوقت أصبح عدد المتابعين لتلك القنوات أقل بكثير، وهبطت نسبة من يشاهدون تلك القنوات من 25 في المائة إلى 3.5 في المائة، في أواخر العام قبل الماضي. وفي نهاية الثمانينات ظهرت القنوات الخاصة أو التجارية التي تعتمد على الإعلانات، وحدثت طفرة في الاستثمار في المجال الإعلامي، وظهرت قنوات متخصصة في الرياضة والموسيقى والدراما وغيرها، وتراجعت القنوات الحكومية أمام تلك القنوات التي حققت نجاحا كبيرا، وكان أبرزها قناة «آر تي إل» في الجزء الفرنسي، وقناة «في تي إم» في الجزء الفلامنكي.
4-10-2012
المصدر/ جريدة الشرق الأوسط