الأربعاء، 03 يوليوز 2024 16:23

القاهرة- "عرب أوروبا .. الواقع والمستقبل" أول دراسة تولي هجرة العرب إلى الغرب أهمية قصوى

الثلاثاء, 09 أكتوير 2012

يعتبر كتاب "عرب أوروبا .. الواقع والمستقبل" أول دراسة تولي هجرة العرب إلى الغرب أهمية قصوى وهي دراسة تعتمد على العديد من المصادر العلمية الحية وتتركز، في المقام الأول حول قضية العلاقة بين الشرق والغرب .. الشرق العربي والغرب الأوروبي في حقبة وصل العداء فيها بين الشرق والغرب إلى درجات قصوى في بداية الألفية الثالثة. وتعتبر ظاهرة هجرة العرب للغرب أهم هذه الإشكاليات التي شوهت صورة العرب في الغرب وعملت على النيل منه، ووضعته في صورة (سلبية).

والمعروف أن هذه الصور السلبية عن العرب في العالم الغربي تعود إلى عصور أبعد من عصرنا الراهن، إذ أن تلك الصورة تحددت بفضل مجموعة من العوامل التاريخية لعل أهمها الحروب الصليبية. ومن تلك النقطة يبدأ المؤلف الحديث عن بدايات الرحيل إلى الشمال في عدة صور .. قائلاً: بعضها جاء نتيجة لسياسة الفتح أو "الجهاد" منذ عرفناها في القرون الإسلامية الأولى، وبعضها الآخر نتيجة للرحيل طوعاً إلى الشمال دون دوافع دينية، ثم كانت هناك صورة ثالثة مثلت حالة من القمع الذي تعرض له الإنسان العربى، إما لضغوط داخلية من بلاده، أو للضغوط التى اضطر إليها تحت ضغط القمع الخارجى حيث أصبحت دول الشمال تستعمر أقطار الجنوب، ومن ثم فإن الهجرة القسرية هنا توالت من الجنوب إلى الشمال (لصعوبة الحياة في مناخ مترد) وبعد ذلك شهدت الفترات التالية عدة هجرات انتهت للهجرة الرابعة إلى طرد العرب المسلمين والأسبان من إسبانيا، ورغم أن هؤلاء قد تحولوا إلى المسيحية في الظاهر لكي يحتفظوا بوجودهم مع استمرارهم على دينهم في الكتمان، خشية النيل بهم.

ويتطرق المؤلف إلى المشاكل والتحديات التي تعترض مسلمي أوروبا فيذكر: المشاكل ليست واحدة عند عموم المسلمين فهي تختلف من بلد إلى آخر، وذلك باختلاف قوانينه وباختلاف نظرة سكانه إلى الإسلام والمسلمين، لكن هناك أموراً مشتركة أبرزها: التردد بين العزلة والاندماج، حيث يدور الصراع الداخلي بين أن يعزل المسلم ليحافظ على المفاهيم التي حملها من بلاده .. وبين أن يندمج في المجتمع الجديد الذي أصبح موجوداً فيه مع الاختلاف بين المفاهيم الموروثة والمفاهيم المستجدة والخوف من الذوبان في ثقافة الآخر، حيث الإعلام الأوروبى والغربي أقوى من الإعلام الإسلامى والعربى، وأخيراً ضعف الإمكانيات والموارد وندرة الدعاة المتخصصين والداعين والبعيدين عن منطق التطرف وفقه البداوة الذي لا يستطيع منهم حقائق العصر، ولا يستطيع على استنباط الحلول الإسلامية الملائمة لتحديات هذا العصر.

ويقسم المؤلف العرب المقيمين في أوروبا إلى أربع شرائح، الشريحة الأولى: شريحة العمال ويمكن وصف هذه الشريحة بإيجاز بالصفات التالية: ضعف المستوى الثقافي للغالبية العظمى، الانحياز نحو العزلة لضعف شديد في لغة القوم وحرص الغالبية منهم الحفاظ على التزامهم العام بالإسلام.

أما الشريحة الثانية: شريحة الكفاءات العلمية والاقتصادية والطلبة الدراسين، هذه الشريحة كانت هجرتها الواسعة إلى أوروبا متأخرة عن الشريحة الأولى، وبدأ أثرها في محيط الجالية المسلمة يظهر قبل أربعة عقود، وكانت صاحبة الفضل في إنشاء الاتحادات الطلابية أولاً، ثم المراكز الإسلامية المتقدمة، ويمكن وصف هذه الشريحة بالسمات التالية: تتمتع بمستوى ثقافي مرتفع أسهم في تأثيرها الإيجابى في الأجيال الجديدة، أسهمت في بناء جيل المؤسسات الكبرى، تأثير العادات والتقاليد في مفهومهم لقيم الإسلام أقل بكثير من الشريحة الأولى.

ويتناول المؤلف الشريحة الثالثة: شريحة الأجيال الجديدة، وهي الأجيال التي ولدت وترعرعت وتشربت الثقافة الأوروبية، وأصبحت تمثل الشريحة الثانية في عددها ويحمل اليوم الغالبية العظمى منهم جنسية البلاد الأوروبية. وأخيراً: الشريحة الرابعة: المسلمون من أصل أوروبى وهؤلاء هم الذين اعتنقوا الإسلام، إما تأثراً بقيمه ومثلُه، أو من خلال دراساتهم الأكاديمية أو الشخصية.              

قضايا الحاضر .. الواقع

وفي الفصل الثاني من هذه الدراسة تحت عنوان "قضايا الحاضر .. الواقع" يقول المؤلف: قضايا الهجرة كثيرة، تتنوع في الكثير من الخطوط التي تنال من حق الإنسان في الجنوب من العقول المهاجرة للشمال، أو حق المواطنة التي يجب أن يتمتع بها من يرحل إلى الشمال، وما يتبعه من قضايا سسلبية كثيرة تنال من هويته وكيانه كإنسان .. إنها خسائر الرحيل إلى الشمال بصورة متنوعة عديدة.

وتمثل الهجرة إلى الشمال خسائر فادحة إلى الجنوب، بقدر ما تضيف فوائد جمة للشمال .. فمثلاً تشير إحصاءات الجهاز المركزى للإحصاء بمصر أن عدد العلماء الذين غادروا مصر يصل إلى 24 ألف عالم وخبير في شتى الميادين، وعلى رأسهم أحمد زويل وفاروق الباز وجراح القلب العالمي مجدي يعقوب، ولا يزال العدد في ازدياد. في المقابل نرى ألمانيا تستولى على أكبر عدد من المهاجرين إلى أوروبا وعددهم قدر بـ 7.3 مليون في 1999 بنسبة 8.9% من إجمالي السكان، ثم تأتي فرنسا بعدها في المرتبة الثانية، وتليها إيطاليا، اليونان، بلجييكا، هولندا … إلخ.

 

ويضيف المؤلف: ومع أن نزيف الأدمغة الفادح في الجنوب لا يهمنا الآن، فإن أصحاب هذه الأدمغة من العلماء العرب، خاصة يجدون أنفسهم في واقع مغاير كما يريدون أن يعيشون فيه، ومن ثم، تتزايد مشكلات الرحيل إلى الشمال، مما يعود بنا ثانية إلى الإشكاليات الكثيرة التي يجد العالم أو المواطن العربى نفسه فيه.. وتتمثل هذه المواقف الغريبة في صورة العنصرية المعادية أو تشويه الصورة العربية لتصبح سلبية تماماً وتظل أهم هذه الإشكاليات قاطبة قضية العنصرية المعادية.

تحولات المستقبل

ويتناول المؤلف في الفصل الثالث "تحولات المستقبل" قائلاً: لا يمكن أن نصل إلى إشارات المستقبل دون أن نكون وعينا أكثر إشكاليات الواقع الحاضر خاصة، ذلك أن المستقبل ليس غير إشارات يمكن أن نجد أغلبها فيما مضى من أحداث، وما سوف يأتي بالتبعية لهذه العلاقة الزمنية التي لا يمكن تجاهل مسارها أي دراسة لحركة التاريخ. وعلى هذا النحو، فإن علاقات الرحيل إلى الشمال وإشكاليات الصعود إلى الحاضر ـ وبالعكس ـ يمكن أن يصل بنا إلى إشارات المستقبل .. ويشير المؤلف إلى أن مراكز الأبحاث الأميركية، فكاتب مثل فوكوياما ـ على سبيل المثال ـ في كتابه المعروف "نهاية التاريخ والإنسان الأخير" راح في وضوح تام يصور خطر المهاجرين العرب على أوروبا، فلنتأمل كتاباته التالية التي لا يكف فيها عن ذكر انفجارات لندن أو باريس، مؤكداً الخطر العربي هناك فاتخذت من أفكار الباحث الأكاديمي أوليفرروي كقاعدة انطلاق بنى عليها أطروحته التي يبرهن فيها على أن الكثير من المسلمين المقيمين في أوروبا، خاصة الجيل الثاني منهم، غير قادرين على الإحساس بهويتهم، فالمجتمعات الأوروبية تختلف عن المجتمع الأميركي الذي تنصهر فيه جميع الأجناس والأعراق في بوتقة واحدة، فالمجتمعات الأوروبية تلفظ الغرباء، وتأبى أن تحتضنهم في كنف العباءة القومية وبالتالي يشعر الشباب المسلم بعدم وجود هوية محددة لهم، وهو أمر نادر الحدوث إذا ما عاش هؤلاء وسط مجتمع إسلامي.

والشيء الذي يدعو للدهشة هنا أنه عندما كتب فوكو ياما كتابه "نهاية التاريخ .." لم يبد الناس اهتماما كبيراً بالشطر الثاني من عنوان الكتاب وأطروحته ألا وهو "الإنسان الأخير"، وفي هذا الشق من موضوع الكتاب يتساءل فوكو ياما عن حال الإنسان وصراعه من أجل المجد في ظل عالم تسوده البهجه والسلام والديمقراطية، ورغم تفاؤل فوكو ياما الشديد، وإيمانه بهيمنة الديمقراطية، فإنه أبدى قلقاً بشأن وجود بعض فئات المجتمع مثل التي ذكرتها نيوت جنجرش، التي تميل طبيعتها البشرية إلى العدوان، مثل هؤلاء الأشخاص لا يطيقون العيش في المدينة الفاضلة.

 

ولا يخف على أحد أن فوكو ياما – المتيم بالديمقراطية – يبدي إعجابه بهؤلاء الثوار، إن جاز تسميتهم كذلك على سبيل الافتراض، ولكنه أيضاً لا يرى أن المسلمين الذين يشهرون السلاح في وجه المجتمع الغربي يستحقون أن ينتموا إلى سلالة منحطة وخطيرة، بل معقدة من أصحاب الفكر الآخر.

ويشير المؤلف إلى مؤتمر برشلونة الذي عقد لأول مرة في عام 1995 ثم بعد عشر سنوات 2005 ففي هذه الفترة اتضحت أكثر ملامح هؤلاء المهاجرين من جنوب المتوسط وشرقه في عيون الغرب. إن إعلان برشلونة الأول كان يشير إلى كثير من التعاون بين أوروبا والعرب سواء داخل القارة أو خارجها، ومراجعة أهم بنودها يمكن أن تترك فينا هذا الأثر، ففي مسار برشلونة الرسمي يمكن أن نتعرف على الصيغة باختصار شديد وعلى مستوى متعدد، فقد تم تبني إعلان برشلونة الذي يتألف من ثلاث دعائم أساسية لتطوير العناصر الأساسية لشراكة أمنية وسياسية، وشراكة اقتصادية ومالية، وشراكة اجتماعية وثقافية وإنسانية، إن أهم ناحية من الإعلان من تأسيس منطقة التجارة الحرة عام 2010 ولكن الشركاء الموقعين قد التزموا أيضاً باحترام العديد من المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان وهي: العمل بما يتوافق مع ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمى لحقوق الإنسان، تطوير سيادة القانون والديمقراطية في أنظمتهم السياسية، احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية وضمان ممارسة الشرعية لهذه الحقوق بما يشمل حرية التعبير وحرية التنظيم، احترام وضمان التعددية في مجتمعاتهم وتعزيز التسامح بين المجموعات المختلفة في المجتمع ومحاربة جميع أشكال اللاتسامح والتمييز العنصري وكراهية الأجانب. (خدمة وكالة الصحافة العربية).

9-10-2012

المصدر/ موقع ميدل إيست اونلاين

مختارات

Google+ Google+