في ظل الإجراءات المشددة التي تتخذها إسرائيل بحق المهاجرين الأفارقة والتضييق عليهم لطردهم من البلاد دون توفير حماية قانونية، أخذ هؤلاء المهاجرون في التفكير جديا في العودة إلى أوطانهم بعد أن باتوا يفرون من البلدات الإسرائيلية إلى البلدات الفلسطينية التي توفر لهم الأمن ومصادر الرزق.
فمن المقرر أن تبت المحكمة المركزية بالقدس بتاريخ 30 أكتوبر/تشرين الأول الجاري بالالتماس الذي قدمته جمعيات حقوقية ضد وزير الداخلية الإسرائيلي إيلي يشاي الذي أعلن شروع وزارته بمطاردة المهاجرين الأفارقة من إقليم دارفور بالسودان وإريتريا وجنوب السودان المتواجدين بإسرائيل وسجنهم بمعسكرات تجميع خاصة أقيمت بالنقب تمهيدا لطردهم.
وأصدرت المحكمة أمرا احترازيا مؤقتا يحول دون الشروع بمطاردة اللاجئين الأفارقة وحظر سجنهم أو تجميعهم بالمعسكرات، ويبلغ تعدادهم نحو ثمانين ألفا انتقلوا مؤخرا بغالبيتهم الساحقة للسكن بالبلدات الفلسطينية بحثا عن الأمن والأمان عقب التضييق عليهم بالبلدات اليهودية وما رافقه من أعمال عنف وتحريض شكل خطرا على حياتهم.
واستعرض المحامي عوديد فيلر من جمعية "حقوق المواطن" بالالتماس مخطط وزارة الداخلية الإسرائيلية الذي ينذر "بكارثة إنسانية" في حال دخل حيز التنفيذ، خصوصا وأن ذلك يعني اعتقال آلاف المهاجرين الأفارقة من أفراد وعائلات وأطفال طالبي اللجوء وتجميعهم بمعسكرات بظروف مزرية لأجل غير مسمى، ليس هذا وحسب بل سيتم إلغاء جميع إقامات وتصاريح العمل إلى آلاف اللاجئين ممن يعملون بشكل منتظم لتوفير لقمة العيش لأولادهم وعائلاتهم.
وتمتنع وزارة الداخلية عن التداول بطلبات اللجوء للمهاجرين الأفارقة البالغ تعدادهم نحو 45 ألفا، وتتذرع بأنهم ليسوا لاجئين سياسيين بل هم مهاجرون أتوا طلبا للعمل وبالتالي لا يحق لهم تقديم طلبات اللجوء، حيث تعتبر إسرائيل من أقل الدول الأوروبية والغربية التي تصادق على طلبات اللجوء.
لاجئون أفارقة من السودان وإريتريا يتوجهون للعمل في البلدات الفلسطينية بحثا عن الأمن (الجزيرة نت)
لجوء وعودة
وتباينت المواقف بصفوف اللاجئين الأفارقة بخصوص طلب اللجوء السياسي بإسرائيل، حيث يرى اللاجئ الإريتري إبراهيم طارقي (18 عاما) الذي يقيم بإسرائيل منذ عام، أن الغالبية العظمى من اللاجئين من مسلمين ومسيحيين يريدون العودة لأوطانهم الأصلية بعد أن مكثوا للعمل في البلدات الفلسطينية وقاموا بادخار الأموال التي تكفيهم لضمان مستقبل عائلاتهم.
واستبعد إبراهيم -في حديثه للجزيرة نت- وجود نوايا حقيقة وصادقة لدى من يدعو ويطلب اللجوء بإسرائيل، معتبرا هذا المطلب ردا على الإجراءات التي شرعت إسرائيل بتنفيذها ضد المهاجرين الأفارقة وتقضي بطردهم دون توفير الحماية لهم.
وأوضح أن اللجوء إلى إسرائيل كان بهدف العمل وتوفير لقمة العيش في ظل انعدام فرص العمل بأفريقيا والحروب هناك، مؤكدا أن الإقامة بإسرائيل للاجئ أفريقي تحولت بهذه المرحلة إلى جحيم وتكاد تكون مستحيلة بظل تضييق الخناق وانعدام الأمن والاستقرار وهاجس الطرد والتشريد.
الأمن والأمان
أما اللاجئ عبد الرحمن خالد البالغ (22 عاما) وهو من إقليم دارفور بالسودان فقال إن المهاجرين الأفارقة من مسلمين ومسيحيين باتوا يبحثون عن الأمن والأمان بالبلدات العربية بالداخل الفلسطيني إلى جانب توفير فرص العمل والبيئة العربية والإسلامية، وذلك لتفادي التضييق الإسرائيلي وهربا من فخ المطاردة والسجن الذي يأتي كمقدمة للطرد والإبعاد دون توفير الحماية للاجئين مثلما تنص الأعراف والمواثيق الدولية.
وتحدث للجزيرة نت عن الأسباب التي دفعت بعشرات الآلاف من السودانيين والإرتيريين للقدوم إلى إسرائيل قائلا: "لم تكن هناك أي دولة عربية وإسلامية لديها النية لاستقبال النازحين من الحرب أو الباحثين عن فرصة عمل ولقمة العيش، لذا هربت كغيري من الشباب والعائلات من الحرب وكانت وجهتنا مصر لكن نظام (الرئيس المخلوع) حسني مبارك قام بقمعنا وطردنا لذا اضطررنا للقدوم إلى إسرائيل لكننا نعيش حاليا بين الفلسطينيين والجميع على قناعة بأنه عاجلا أم آجلا سيعودن لديارهم".
الغطاء القانوني
وكان الكنيست الإسرائيلي (البرلمان) قد صادق على رزمة من القوانين التي تضيق الخناق على المهاجرين الأفارقة، أبرزها منع كل من لا يحمل الجنسية الإسرائيلية مقاضاتها، و"قانون المتسللين" الذي يجيز لسلطات القضاء اعتقال كل لاجئ أفريقي واحتجازه بالمعسكرات الخاصة التي أقيمت بالنقب لمدة ثلاث سنوات دون أي محاكمة.
ويحرك وزير الداخلية الإسرائيلي إيلي يشاي مخططات للحد من ظاهرة لجوء الأفارقة، معتبرا وجودهم خطرا يتهدد الطابع اليهودي لدولة إسرائيل، ودعا بتصريحات لوسائل الإعلام الإسرائيلية الحكومة إلى القضاء على ظاهرة المتسللين غير الشرعيين والمهاجرين الأفارقة وتشجيعهم على مغادرة إسرائيل، رافضا منحهم حق اللجوء السياسي.
ولفت النظر إلى أن بناء السياج الأمني بطول 250 كيلومترا على طول الحدود مع سيناء حتى وقبل إنجازه ساهم بمنع تسلل المهاجرين الأفارقة، وبالتالي على إسرائيل الشروع تدريجيا بطرد عشرات آلاف المهاجرين، مؤكدا أنه في حال وفرت لوزارته كافة الوسائل والغطاء القانوني فسيتم طرد جميع اللاجئين خلال أقل من عام.
18-10-2012
المصدر/ الجزيرة نت