هدوء غير عادي يخيم على إحدى أقسام مدرسة ماكس بلانك في برلين عند دخول "سيباستيان كال" عبر الباب الزجاجي للبناية. فسباستيان من جمعية الطلبة وينشط في شبكة " مدارس بدون عنصرية " وهوعلى موعد مع مجموعة من التلاميذ الشباب الذين يقومون بلورة خطة عمل جديدة في مدرستهم من أجل مكافحة العنصرية.
وهذا ليس هو أول مشروع ينجزه التلاميذ في هذه المدرسة. فمنذ عشر سنوات تنتمي مدرستهم إلى شبكة "مدارس بدون عنصرية" و على المدارس المنضوية تحت هذه الشبكة الالتزام بتقديم مشروع سنوي على الأقل ضد التمييز والعنصرية، حيث يقوم الطلاب والمعلمون وجميع العاملين في المدرسة بالتوقيع على وثيقة تؤكد على التزامهم بعدم السماح لأي شكل من أشكال التمييز والعمل بنشاط ضد العنصرية.وقد جاءت فكرة الانضمام لهذه الشبكة التي تنشط على الصعيد الأوروبي من جمعية التلاميذ نفسها.
روح المبادرة
فريق مشروع مدرسة ماكس بلانك يريد إخبار كال سيباستيان بالأنشطة المختلفة التي يخططون لها خلال هذا العام الدراسي. ومعظم الأفكار تأتي دائما من هؤلاء الشباب ثم تساعد الشبكة في تحقيقها على أرض الواقع.
فألبرت أحد تلاميذ الصف العاشر يريد مثلا تنظيم مقابلة مع عضو سابق في تنظيم النازيين الجدد. ويقول ألبيرت بثقة عالية:"بالنسبة لي، فإن مكافحة العنصرية أمر طبيعي ". ولهذا فهو يسعى إلى محاورة عضو النازيين الجدد السابق أمام جميع التلاميذ من أجل توعيتهم بهذا الخطر: "أعني، من خلال لقاء شخصي مع منفصل من النازيين الجدد يمكننا أن نتعلم أكثر حول طريقة تفكير النازيين وكيف يحاولون استقطاب التلاميذ ونشر فكرهم العنصري":
سيباستيان كال يستمع إلى أفكار التلاميذ بتمعن. ثم يبدأ هذا الطالب الذي يبلغ من العمر 24 عاما في طرح الأسئلة وتقديم اقتراحات ووعود بترتيب الاتصالات اللازمة لإنجاح هذه المشاريع والمخططات التي تحتاج إلى مجهودات جبارة. ولهذا فإن التلاميذ في حاجة ماسة لهذا الدعم من أجل تنظيم الحفلات واللقاءات والمبادرات المختلفة التي يسعون لتحقيقها.، وبالتالي تحويل أفكارهم إلى أفعال ملموسة بنتائج محمودة.
كسر الصور النمطية
بعض التلاميذ من مدرسة ماكس بلانك كانت لهم تجربة شخصية مع التمييز والعنصرية. مثال على ذلك تلميذة الصف العاشر "شارونيا" التي من أصول سريلانكية، والتي تروي معاناة صديقاتها ذوي البشرة الداكنة، اللواتي يتعرضن للإهانة والسب في الشارع أو يتم مناداتهم مثلا بـ"مرحبا أيتها الشوكولاته". ربما كان ذلك مجرد مداعبة " ولكنها تضيف بنبرة صارمة: " لكل شيء حدود."
ولكن التلاميذ والتلميذات يؤكدون على أن العنصرية في مدرسة ماكس بلانك لا تطرح مشكلة كبيرة. فهناك على حد تعبيرهم أشكال أخرى من التمييز تلعب دورا أكبر مثل المضايقة عبر الإنترنت Cybermobbing أو العداء ضد المثلية الجنسية أو كراهية النساء. وهذه الوجوه المختلفة من التمييز يتم معالجتها أيضا في إطار شبكة " مدارس بدون عنصرية." وهو ما يؤكده عنوان العدد الجديد من الشبكة" فاطمة فتاة متحررة ومايكل الشاب الماتشو". ويحاول الشباب من خلال ريبورتاجات وبورتريهات تقديم صور وأنماط حياة عن التعايش الثقافي والأشكال الحديثة للاندماج الاجتماعي.
مدرسة بشجاعة
وحتى المدارس الابتدائية تشارك بنشاط في شبكة "مدرسة بدون عنصرية" التي يتزايد عدد المنخرطين فيها يوميا ونسبة التلاميذ من أبناء المهاجرين مرتفعة أيضا وهو ما يعطي إشارة إيجابية عن نجاح التعايش بين الثقافات المختلفة في المدارس. وتضم الشبكة في الوقت الراهن حوالي 1000 مدرسة من ألمانيا فقط. وكانت انطلاقتها الأولى في الثمانينات من بلجيكا عندما تمكن حزب يميني من الدخول إلى البرلمان، وهو ما أثار ردود فعل التلاميذ و والمعلمين.
سيباستيان كال يدعم الشبكة منذ فترة طويلة فقد قام بدأ بذلك عندما كان تلميذا أيضا، والآن أصبح يقدم المساعدة والاستشارة للعديد من المدارس في برلين، ويقول كال. "العمل مثير جدا للاهتمام، وخاصة بالنسبة للطلاب الذين يريدون أن يصبحوا معلمين، أنصحهم بالمشاركة في شبكتنا". هدف سيباستيان من هذا العمل التطوعي هو إعطاء التلاميذ دفعة إضافية لمكافحة العنصرية اليومية في المدارس.وأما في مدرسة ماكس بلانك فلازال التلاميذ يناقشون أفكارهم تحت لافتة كتب عليها "مدرسة بشجاعة".
19-11-2012
المصدر/ شبكة دوتش فيله