الأربعاء، 03 يوليوز 2024 14:31

إشبيلية- بيدرو كاسترو.. مسيحيّ وهب حياته لمساعدة المغاربة بجنوب إسبانيا

الخميس, 29 نونبر 2012

بيدرو رانيس كاسترو، رئيس جمعية laz alos nasionis، معجب بالثقافة المغربية أيما إعجاب، لاسيما في جانبها العالمي الذي نشأ بالأندلس وتدفق إلى شمال أفريقيا في ظروف تاريخية معروفة، كما يعتبر نفسه جزءا من حضارة الأندلس الرائعة والمتنوعة، حسب رأيه.

من السياحة والفندقة إلى العمل الخيري والإنساني

اشتغل بيدرو كاسترو سابقا مرشدا سياحيا في الفنادق والمطاعم فتمكن من إتقان عشر لغات باستثناء اللغة العربية التي يقرأها ويكتبها ولكنه لا يفهمها، " ما كاينش بلاصة في الراس ديال العربية" يقول بالدارجة المغربية.

ويُرجع عدم تعلمه للغة العربية –حسب قوله- إلى تحدّث المغاربة للغات التي يتقنها هو أيضا ويسهلون التواصل معه، ويتساءل لماذا لا يطالب المغاربة ومعهم عرب أفريقيا المقيمون في المدن الأندلسية بإنشاء مدارس خاصة لتعلم العربية لأبنائهم؟ " إنهم سيندمون كثيرا ولا شك في المستقبل كما ندمت أنا شخصيا على عدم تعلم العربية، لأن العربية ستكون لغة المستقبل، ناهيك على أن أبناء المهاجرين من عرب أفريقيا سينقطعون عن ثقافتهم الأصيلة".

بيدرو كاستروا.. الإسباني المتيم بحب حضارة الأندلس

يصمت بيدرو كاسترو لحظة... إنها لحظة تشعر معه أن أفكارا تنداح وتتمدد داخل أعماق وجدانه، يحاول أن يسترسل، لكنه يتردد، عودا على بدء، إنه التاريخ الفاضح للسياسة، بيدرو يُعرب عن أسفه من لعنة التاريخ التي لا تزال تلاحقه كلما فكر في قضية التثاقف التي تربط العرب بإسبانيا عبر أواصر تاريخية اسمه الأندلس، إذ يقول: "أنا أتأسف كثيرا إزاء موقف بلادي التاريخي الذي طرد العرب من الأندلس وطرد معهم الثقافة العربية الرائعة، أنتم يا سيدي طردتم المستعمر واستفدتم منه وتتحدثون لغته وتفهمون ثقافته، نحن هنا في إسبانيا طردنا العرب وطردنا معهم حضارة عظيمة، وحاولنا نزعها من رؤوس الناس وأجبرناهم على لباس محدد ولغة معينة ودين بعينه، ولا يزال هنا في غرناطة الآلاف من المورسكيين، أحياء تعج بهؤلاء بمدن الأقاليم الأندلسية، لقد تعرضت حضارة عظيمة للاغتيال عام 1492 وما بعد هذه الحقيبة" ويضيف بيدرو بأسف بالغ.

مساعدات من فنلندا وتوزيع على المحتاجين بإسبانيا

وعن جمعية laz alos nasionis، التي أنشأها رفقة زوجته الفينلندية بيير كوز كاسترو، يقول بأن "الجمعية إنسانية وخيرية تساهم في مساعدة الإنسان"، ويمضي في بسط أهداف جمعيته، قائلا: "بالنسبة لنا في لجمعية نعتبر أن الإنسان هو المهم ويحظى لدينا بأهمية قصوى، الجمعية ليست لها أهداف سياسية، صحيح أننا مسيحيون بروتستانت، ومنا الكاثوليك، ولكن الجمعية تبقى بعيدة أن أي تبشير سياسي أو ديني، نحن نعتبر أن الإنسان في حاجة إلى الأمل والابتسامة، في حاجة إلى الأكل والاستقرار، الإنسان بصرف النظر عن عرقه وجنسيته وملته، نقوم بمساعدة الإنسان الذي في حاجة إلى المساعدة من المرض والحاجة والفقر... نحن نعتبر أنفسنا نخدم ونساعد الإنسان ونرعى أبناءه..".

وعن مصدر هذه المساعدات، أفاد بيدرو كاسترو، بأن المساعدات تأتي من فنلندا، وتُمنح لجمعيته أربع مرات في العام، والآن اقتصرت على ثلاث مرات في السنة نظرا للظروف الاقتصادية الحالية التي تجتازها أوربا وإسبانيا على وجه التحديد.

أما عن الشروط التي يتم بموجبها منح المساعدات للمحتاجين، فالجمعية تشترط شهادة الإقامة، والسكن أو جواز السفر، بالإضافة إلى وثيقة تثبت عدم العمل، هي وثائق تسلم إلى الصليب الأحمر الإسباني، كما تسلم أيضا على الصعيد الأوربي.

وتقوم الجمعية بتوزيع الخضر والفواكه كل أسبوع بمساعدة متطوعين من أعضاء الجمعية الخمسة وآخرين من الجالية المغربية في كل من مدينتي ألميريا وغرانادا.

وأضاف كاسترو بأن المساعدات لا تقتصر على الخضر والفواكه واللحم والملابس، بل إن مجموعة من الناس المغاربة يعترضونه ويطلبون منه مقاعد متحركة للأطفال أو ثلاجة أو تلفزة أو حاسوب، ويذهب إلى غرانادا ويأتي بما يطلبه هؤلاء.

هو عمل مضن إذن؟!

" لا ..لا أبدا، كلمة شكر تريحني كثيرا، وتشجعني على المضي في عملي، كما أن العمل في الميدان الخيري والإنساني أكثر من رائع، يشعرك براحة الضمير والخشوع والطمأنينة حين تسمع كلمة شكرا، أشعر بالخشوع لما أرى راحة الناس تستقر في عيون المحتاجين.." يقول كاسترو.

ويضيف: "ابني يشتغل في غرناطة بمحل تجاري لبيع الساعات اليدوية، هناك ساعات تباع بـ 300 ألف درهم مغربية (30 مليون سنتيم)، إنني أشعر بتفاهة هؤلاء الذين يشترون مثل هذه الساعات بهذا الثمن الباهظ الثمن في مقابل ذلك لا يكلفون نفسهم مساعدة الناس المحتاجين... فين غاديين هؤلاء الناس؟!!" يتساءل بيدرو.

ويحكي كاسترو قصة، يعتبرها رائعة لأنها تمثل قمة التناقض بين الإنسان الذي يعيش الفرح بالرغم من الحاجة والآخر الذي يعيش الأسى بالرغم من الغنى واليسر المادي، ويسترسل في سرد القصة قائلا: "حينما وصلت لمدينة تطوان شمال المغرب لمساعدة أسرة مغربية، فلاحظت أطفالا في الشارع المغربي يلعبون الكرة بدون أحذية ومع ذلك كان الفرح يتطاير من عيونهم، بينما هنا في إسبانيا يمتلكون الانترنيت والأحذية ولا يستمتعون بالحياة، هنا الملل واليأس والضعف الروحي لدى المراهقين الذين باتوا ينتحرون.. نحن في حاجة إلى الفرح وإعادة ترتيب العلاقات بين الناس، لقد قتلت الفردانية الإنسان الأوربي...".

ويردف قائلا: "إن زيارة مريض والوقوف على معاناته ومواساته أحسن بكثير، فحتى الانترنيت لا تحقق الحميمية بين الناس، لأن العالم الافتراضي يختلف عن الواقع، فالواقع يبقى هو الواقع ولا يستطيع المرء أن يعبر حقيقة عما كان يعبر به في الواقع الافتراضي.. الواقع هو الواقع بقساوته وحلاوته، وعلينا أن نتعامل مع الواقع بأسلوب إنساني واقعي".

شهادات مغاربة يستفيدون من جمعية بيدرو كاسترو

حاولنا أخذ آراء مواطنين مغاربة يعيشون في غرانادا وشهاداتهم عن طبيعة المساعدات التي يقدمها لهم بيدرو كاستر، كل الأشخاص الذين التقيناهم رفضوا أخذ صور لهم، بل وحتى لأبنائهم والذين يعرفون كاسترو ويحبونهم ويعاملونه وكأنه من أسرتهم، كما أن كاسترو يبادلهم حبا بحب ويشعر وكأنهم أحفاده، رفض آباؤهم التقاط صور لصغارهم رفقة كاسترو، كلهم يعرفونه، وكلهم يطلبون منه المساعدة، وكلهم يلتقونه حين يأتي، بل ينتظرون اليوم، وكأنه يوم عيد، حين يأتي قادما لهم بالمساعدات، ومع ذلك يرفضون التقاط صور من أجل النشر في منبر إعلامي مغربي "خشية من الفضيحة" أمام المعارف.

في مقابل ذلك تطوع البعض في تقديم شهاداته عن هذه الجمعية وصاحبها بيدرو كاسترو، فالسيدة عائشة والتي تنحدر من الفقيه بنصالح، تقول في تصريح لها لهسبريس: "لقد سمعت كثيرا عن هذه الجمعية، ولما التجأت إليها وجدت أن الخدمات التي تقدمها ماديا ومعيشيا لا تقاس ولا تتخيل أبدا، فخلال كل شهر أحصل على الحليب المجفف لابنتي والملابس والمواد الغذائية".

أما السيدة خديجة من بني ملال، وهي امرأة ترتدي الحجاب، فتعتبر أن هذه الجمعية لا تقوم بأي تبشير ديني في صفوف المغاربة، والسيد كاسترو هو رجل طيب وحنون نحبه ونحترمه كثيرا، وعن شهادتها في الجمعية بالنظر إلى ما تقدمه من مساعدات، فتضيف خديجة في تصريحها لهسبريس، بأن "هذه الجمعية ومن اسمها، رأيت الضوء، فلقد اتصلت بي جارتي وذهبت معها وأخذت كمية من المواد الغذائية ساعدتني على تغطية بعض متطلباتي..لولا هذه الجمعية لما أكلت وما أكل أطفالي، فلقد اتصلت بهم ومدني بالمواد الغذائية والملابس ولما حكيت له المأساة تألم كثيرا ومدني حتى بالنقود، ولذلك فأنا اشكره كثيرا".

محمد باسو، وهو مواطن من اصل مغربي ينحدر من تاوريرت، يحكي أنه كان يعيش حياة مأساوية بعد توقفه عن عمله في ورش البناء، إلى درجة أنه كان يبحث في صناديق القمامة عن أشياء يمكن إعادة بيعها، و"فوجئت برجل يدعوني للذهاب معه، ولما سألت عنه وجدته بيدرو الذي ساعدني كثيرا ولولاه لبت بالجوع أياما وليالي" يقول السيد باسو.

29-11-2012

المصدر/ موقع هيسبريس

مختارات

Google+ Google+