الصورة الشائعة عن مغاربة هولندا أنهم لا ينشرون ’غسيلهم‘ على الملأ، تراهم يضجرون من تصرفات شبابهم في الشوارع والأمكنة العامة لكنهم يحجمون عن انتقادها أمام الآخرين أو أمام وسائل الإعلام. يبدو أن مقاطعة ’ديلفسهافن‘ في روتردام تريد القطع مع هذه الصورة المنمطة حيث بادرت مجموعة من جمعيات ومؤسسات مغربية لتنظيم سلسلة نقاشات مفتوحة في ما بين المغاربة أنفسهم عن شغب شبابهم. "نحن كمغاربة سئمنا من أفعال فئة قليلة من شبابنا". هذا ما يقوله الناشط الجمعوي محمد طراز.
غض الطرف
يأمل كارلوس غونكالفيس رئيس مقاطعة ديلفسهافن التي تقطنها أغلبية مهاجرة من تركيا والمغرب والمستعمرات الهولندية السابقة، أن يكون للمغاربة الآن "دور" في تربية أبنائهم من الشباب المشاغب. فعادة ما يغض الآباء المغاربة الطرف عن "الأنشطة الإجرامية" لأبنائهم، بحسب ما نقلته عنه صحيفة تراو اليومية في عدد الخميس.
تضم هذه المقاطعة عددا من الأحياء الشعبية التي غادرها سكانها الأصليون ليحل محلها ’القادمون الجدد‘ وهم أبناء المهاجرين، كما حدث في أحياء مشابهة في مدن هولندية أخرى تعرف كثافة سكانية مهاجرة. وتتميز هذه الأحياء بارتفاع نسبة البطالة فيها وانتشار الجريمة والاتجار بالمخدرات وشغب الشوارع وأعمال العنف.
زمام المبادرة
رئيس المقاطعة غونكالفيس أوضح لمراسلة صحيفة تراو أن مبادرة تنظيم جلسات نقاش مع المغاربة جاءت بعد تكرار "حالات مختلفة لإطلاق النار في أحياء كان فيها الجناة والضحايا مغاربة. الأطفال الذين يتم تجنيدهم للعمل في ترويج المخدرات هم أطفالهم". كما أن تجار المخدرات يقومون، بحسب هذا المسؤول، بترهيب التجار وسكان الأحياء فضلا عن محاولتهم التحكم وفرض السيطرة على أحياء بعينها. ففي إحدى حملات التمشيط التي قامت بها الشرطة وموظفو الضرائب ودائرة الإعانات الاجتماعية مؤخرا، ألقي القبض على عدد كبير من المشتبه بهم. "أحيانا تكون عائلات بكاملها متورطة في تجارة المخدرات"، يضيف غونكالفيس.
محمد طراز رئيس مؤسسة أبو رقراق في روتردام واحد من الذين كانوا وراء ظهور هذه المبادرة للوجود، وهي مبادرة أخذ زمامها ممثلو عدة جمعيات مغربية نشطة في المدينة. وفي حديث لإذاعة هولندا العالمية يوضح السيد طراز أن عمدة مدينة روتردام أحمد أبو طالب (من اصل مغربي هو الآخر) هو الذي أعطى الانطلاقة لهذه المبادرة الجماعية قبل أكثر من شهرين:
"نحن كجمعيات مدنية مستقلة تصلنا أصداء النقاش عن الإجرام وترويج المخدرات حيث يمثل الشباب المغاربة نسبة كبيرة فيهما، فعقدنا العزم على عمل شيء ما وشرعنا قبل الصيف الماضي في عقد سلسلة من الاجتماعات أفضت إلى هذه المبادرة التي أعطى إشارة الانطلاقة لها عمدة المدينة أحمد أبو طالب يوم 25 سبتمبر".
تتضمن المبادرة أنشطة مختلفة موزعة على الجمعيات المشاركة المنضوية تحتها، حيث يتم دعوة الآباء والشباب ومساعدين اجتماعيين ومختصين للنقاش المفتوح حول "العنف" و "الشغب" و "المخدرات" و "الإجرام" و "التربية" وما إلى ذلك من مواضيع يفضل المغاربة عادة اجتناب الحديث عنها علناً. هي إذن جلسات مواجهة ومكاشفة.
دور المساجد
يوضح طراز أن كثيرا من الآباء كانوا في السابق ينكرون إذا ما قيل لأحدهم مثلا إن ابنك يروج المخدرات. ويضيف طراز أن على المغاربة أن يتعودوا على مواجهة أبنائهم إذا لاحظوا منهم سلوكا معينا أو ظهرت عليهم فجأة علامات الرفاه، كأن يسألونهم مثلا: من أين حصلت على هذه الأموال؟ أو من أين جئت بهذه الأغراض؟
تقوم المبادرة أيضا على إشراك المساجد وخاصة الأئمة لمخاطبة الآباء وتوعيتهم بما تقوم به "فئة قليلة" من الشباب المغاربة الذين مرغوا سمعة البقية في الوحل، وتسليط الضوء على المشكلة، وإذا لزم الأمر دعوة الجالية المغربية إلى "مقاطعة هذه الفئة القليلة المسيئة".
استجابة الآباء المغاربة لهذه المبادرة متباينة. "بعض الآباء لا يعلمون حتى أين يتسكع أولادهم"، يوضح طراز، إلا أن العزيمة قائمة على مواصلة العمل وستعقد الجمعيات المنخرطة في هذه المبادرة التي تلقى دعما خاصا من بلدية روتردام اجتماعا عاما مع بداية السنة القادمة لمناقشة النتائج وتقييمها ثم عقد اتفاقات مستقبلية في ما بينها.
شعار الحملة: "لا للمخدرات" تشارك فيها جمعيات ومؤسسات مثل أبو رقراق، التوحيد، التوحيد – آفاق وغيرها، تمتد أنشطتها حتى السنة القادمة وتشمل أيضا الأمهات والأطفال والشباب.
30-11-2012
المصدر/ إذاعة هولندا العالمية