حسنا فعلت مؤسسة سينمار بعدم توقفها هذه السنة عن اقامة الدورة السابعة من مهرجان الفيلم المغربي بروتردام بسبب العجز المالي التي تعاني منه، فرغم الدعم الذي حصلت عليه المؤسسة من بعض الجهات والمؤسسات المغربية، إلا انه بقي محدودا لم يستجب لمتطلبات البرنامج الذي حضَّره المنظمون والذي كان يمثل وزن وقيمة هذا المهرجان المغربي باعتباره النشاط السينمائي الوحيد الذي يمثل السينما المغربية بقلب اوروبا.
تضافرت كل الجهود لانجاح هذه الدورة، وطرقت كل الابواب من اجل ترسيخ مكانة هذه التظاهرة والاحتفاظ بوجودها فوق سكة، نقطة بدايتها الأولى رسمت قبل اربعة عشر عاما، وحتى يستطيع المهرجان مواصلة المسير واثبات مكانته تم التضحية بالعديد من الفقرات التي تشكل عموده الفقري كفقرة المسابقات على سبيل المثال، وهي الفقرة التي كان المتتبعون والسينمائيون بمن فيهم المخرجون ينتظرونها على احر من الجمر لكن للاسف الشديد تم التخلي عنها في آخر لحظة للاسباب الآنفة الذكر.
كانت هذه الدورة مميزة رغم الأزمة التي حدت من نشاطاتها وضيقت من
حدودها، حيث كانت بعيدة عن البروتوكولات المتعارف عليها والرسميات المتبعة في مثل هذه الملتقيات، مما ساعد على خلق اجواء عائلية وحميمية اكثر من الدورات السابقة بعيدا عن الغربة والاغتراب وقد ساعد على هذا مجهود المنظمين الذين حاولوا بكل السبل احتواء الكل ضيوفا كانوا ام جمهورا سعيا منهم الى سد النقص الذي خلفته الأزمة المالية، كما ان قلة اعضاء الوفد المغربي الذي حضر من المغرب ساعد على اندماجهم بسرعة مع الوفد المستقبل، فكان تلاحما رائعا وحميميا ساعد بقوة على انتفاء الحدود وبالتالي خلق اجواء رائعة وتفاعلا أروع قلما تجده في مهرجانات بحجم مهرجان روتردام.
لكن هذا لا يعني ان هذه الدورة ادت رسالتها كما يجب، فنيا وثقافيا على الأقل، حيث كان تأثيرها محدودا ومنعزلا في اماكن بعينها، فمهرجان بهذا الحجم كان لابد وان يحظى بدعم الجميع، خصوصا تلك الدولة التي يمثلها وهي المغرب فلولاه لما كان للصورة السينمائية المغربية هذا الصدى الذي تعرفه الآن داخل هولندا ولما تعرفت الجالية المغربية وهي ثاني اكبر الجاليات الاجنبية في هذا البلد على جديد السينما الوطنية، ولما كان هناك اطار يجمعنا نحن المغتربين لاكثر من خمسة ايام (للاشارة مدة الدورة الحالية ثلاثة ايام فقط لكونها استثنائية) نتعرف فيه على الافلام المغربية الجديدة وعلى اصحابها ولانقطعت الصلة بيننا وبين المغرب سينمائيا ولما كان للتدابير والاستراتجييات المتبعة هناك حضور هنا بفعل المناقشات الجانبية والندوات الرسمية.
للاسف يقيم مهرجان الفيلم المغربي بروتردام فعالياته مرة كل سنتين وهي مدة غير كافية للتعرف على كل الافلام المنتجة في المغرب، كما ان الجمهور يشعر بالاغتراب السينمائي ان صح التعبير بفعل الانقطاع التام عما تجود به السينما الوطنية من جديد افلامها كل هذه المدة وهي مدة غير قصيرة على كل حال، كما انه يشعر بغصة وحرقة وهو يشهد الحضور المكثف للانشطة السينمائية والثقافية التي تقيمها باقي الجاليات الاجنبية في هولندا وخصوصا الجاليتين التركية والسورينامية. وحتى لا نبخس المنظمين جهودهم فهم يقومون بأكثر من الواجب، خصوصا على الصعيدين التنظيمي والتواصلي رغم قلة الموارد المالية والبشرية، وهنا اشهد شخصيا على المجهود الكبير لرئيسه المحجوب بنموسى الذي لا يتوانى في طرق كل الابواب من اجل الدعم المادي والمعنوي، ولا يستسلم للعقبات
والعراقيل التي تواجهه من اجل النهوض بهذه التظاهرة والرقي بها من حسن الى احسن، كما يسانده في هذه المهمة زميله محمد الصغير رئيس مؤسسة سينمار - وهي الجهة المنظمة ـ بوقوفه على المسائل التنظيمية والادارية.
لاشك ان الجمهور المغربي بهولندا والمهتمين السينمائيين يتوقون الى تفعيل دور المؤسسات الوصية على الميدان الثقافي والفني ببلادنا اتجاه التظاهرات والانشطة الثقافية خارجها من اجل ترسيخ الفعل الثقافي بدول يعاني فيها المغاربة بالغربة الثقافية بسبب ندرة وشح الفعاليات المهتمة بهذا الميدان وحتى ان وجدت تكون اقل مردودية وتأثيرا بفعل التهميش المادي و حتى المعنوي الذي تعاني منه سواء من البلد المضيف أو من البلد الأصل بسبب الازمة المالية الخانقة التي يمر منها الأول وبسبب القوانين واللوائح المحصورة داخل حدود الثاني مما يدفعنا إلى التساؤل
عن عدم صياغة ملحق أو بديل لحد الآن يمكن من تقديم يد المساعدة لابنائه خارج الحدود هذا رغم استصدار قانون جديد يمكن المهرجانات المغربية خارج ارض الوطن من الحصول على جزء من الدعم وهي خطوة قوبلت بالتصفيق والترحيب الا انها تبقى محدودة بفعل محدودية الدعم المرصود لها والتعقيدات البيروقراطية المرافقة له.
3-12-2012
المصدر/ جريدة القدس العربي