الأربعاء، 03 يوليوز 2024 14:16

بروكسيل- قساوة المناخ والمجتمع تطال مغاربة مشرّدين بمحطّات برُوكسِيل

الإثنين, 17 دجنبر 2012

اختاروا الرحيل، طوعا أو قسرا، للبحث عن حياة أفضل.. متخذين بذلك خطوة علّها تجعلهم هاربين من بطش البطالة والفقر الذي عمّ غالبية الوطن.. هم جزء من مغاربة أوروبا الذين خالوا القارّة العجوز جنّة تُحلّ بها المشاكل.. إلاّ أنّهم اليوم يعيشون ظروفا أصعب من تلك التي كانوا ضمنها قبل "الهروب الكبير"، وحدها محطّات النقل السككيّ تحصّنهم من البرد والثلوج في هذه الفترة من كل عام.

هم مغاربة غالبيتهم متواجدة خارج المشروعيّة ببلجيكا، لعبت بهم ظروف المغامرة حتّى أضحوا ينتظرون قلوبا وأياد رحيمة توافيهم بالغطاء والغذاء المنشئَين للدفئ والأمل.. وأمام غياب الرعاية الرسميّة، لا من بلد الاستقبال أو الوطن الأمّ، تبقى مبادرات التنظيمات الجمعوية هي الوحيدة التي تنقذ بعضا مما يمكن إنقاذه..

مآوى سريّة بمحطات النقل السككيّ

بزاوية منعزلة وسط المدخل الخلفي للمحطّة الشمالية السككيّة، ببروكسيل، تشكّلت مجموعات، من بينهم عدد غير هيّن من المغاربة.. يخالهم المارة مسافرين ينتظرون حلول قطار ما لقصد وجهتهم، لكنّ الأمر غير ذلك، خصوصا وأنّ بعضهم يبرز إلمامه بتفاصيل الفضاء المتواجد به بشكل يجاري إلمام كل فرد بتفاصيل مسكن اعتاد الإقامة به منذ وقت غير يسير.. البعض من هؤلاء يحرصون على تبادل أطراف الحديث، فيما آخرون استسلموا للنوم، وثلّة تجاري قساوة البرد بارتشاف مشروبات كحوليّة.

المعتادون على استقلال المواصلات من ذات المحطة وحدهم من يعرفون كنه هؤلاء المألوف رصد تنقلهم بين محطات القطار والميترو ببروكسيل.. جواد، وهو الذي يشتغل بجوار ذات المرفق، يقول: "تراهم مجتمعين لتبادل أطراف الحديث قبل أن يتوزعوا على جنبات المحطّة بحثا عن سويعات من النوم.. هؤلاء مشردون ولا يجدون راحتهم إلاّ بهذا الفضاء، ومن بينهم مغاربة أيضا".

عبد الله، وهو البالغ من العمر 38 عاما قضى منها 15 بأوروبا كمهاجر غير نظاميّ حتّى الآن، يقول إنّه يعاني من مرض مزمن وفقد عمله، قبل 3 سنوات، بسبب الأزمة المالية.. "أعيش متنقلا بين محطات القطار والميترو لأنّها الأماكن الوحيدة التي يمكن أن يلاقى بها الأمن والدفء عوضا على الشارع"، ويزيد: "لست الوحيد المتواجد على هذا الحال، بل هناك عدد كبير من المغاربة، وقد ألفنا الالتقاء وسط هذه المحطّات بشكل يوميّ".

"لاقيت الكثير من المغاربة بذات وضعي، وأحاديثنا ترتكز على أوضاعنا الحاليّة زيادة على بعض الذكريات المقترنة بالوطن.. كلامنا لا ينقطع إلاّ بفعل استسلامنا للنوم أو حين تغلق أبواب المحطات من الواحدة بعد منتصف الليل حتّى الرابعة صباحا، وهنا نكون مجبرين على الاختباء من عناصر الأمن الخاص أو المغادرة إلى حين معاودة الافتتاح.. فالمحطّة الشمالية لبروكسيل هي ملاذنا الرئيس ونقطة تجمّع من وجدوا أنفسهم دون مأوى وسط العاصمة الأوروبيّة" يقول عبد الله.

الصراع مع البرد والخوف والمرض

ويورد ذات المتحدّث أن هذه الفترة من السنة "تعدّ مرحلة معاناة وسط غير المتوفرين على مآوى بفعل اشتداد البرد المفضي إلى المرض بفعل الدرجات الخمس التي تنحدر بها الحرارة تحت عتبة الصفر"، صحيح أن الدولة البلجيكية توفر لنا بعض الأماكن للإيواء، لكنّها تبقى بقدرات استيعاب ضعيفة أمام الوافدين، وهذا ما يجعل الكثيرين، من بينهم عبد الله، يلجأون إلى طرقهم الخاصة في التصرّف.

"وضعنا غير النظاميّ يثير مخاوفنا، ونحاول تفادي حملات التفتيش التي تفعّلها الشرطة بحثا عن أمثالنا.. وهذا ما يجعلنا نعيش وسط رعب يلازمنا من الاستيقاظ حتّآ معاودة النوم" يقول عبد الله قبل أن يسترسل: "هناك أيضا بعض الشباب العدوانيّ الذي يقبل بنا ولا بوضعنا، وأتذكّر قبل سنة من الآن كيف أنّ أحدهم حاول حرقنا بعد أن قصد محطّة الميترو للتنقل في حالة سُكر.. أمّا التعرض للسرقة أثناء النوم فقد أضحى أمرا عاديا يطالنا به مجهولون".

محدّثنا يعاني من الاكتئاب إلى درجة تعرضه لنوبات تستلزم تناوله لدواء يبلغ ثمنه 120 أورو للعلبة الواحدة، ومن حسن حظّه أنّ طبيبا مختصّا وافاه بوصفة تجعل المركز العمومي للمساعدة الاجتماعية، الشهير اختصارا بـ CPAS، يمكّنه من العلاج مجّانا.. أمّا احد أصدقائه، وهو الممتنع عن ذكر هوّيته، فيروي كيف تعرضت قدماه لتعفّن بعدما مكث وقتا طويلا دون انزاع حذائه، ما استلزم نقله للمشفى الذي اكتفى بإجراء عملية تطهير للإصابة، فيما عُمد للجوء إلى إمكانيات بعض المحسنين لضمان تطبيب بالأدوية.

قلوب رحيمة

نشطاء من جمعية "la relève asbl"، وهي التي بدأت تحركاتها سنة 2010، يعمدون إلى توزيع الأغذية والأغطية والملابس لمن لا مسكن لهم ببروكسيل.. و يقول زكرياء الحجوي، من ذات التنظيم، إنّ عمليات الدعم تشهد أيضا تمكين ذات الفئة من وجبات غذائية لمرتين في الأسبوع، وأنّ المبادرة أتت من منتمين للجيلين الثاني والثالث للمتأصلين من المغرب.. "نعتمد على إعانات المحسنين إضافة لمقدار مالي شهري نقتطعه من أموالنا الخاصّة، كما نستعين بعرباتنا الذاتية في التحرك، زيادة على توزيع المهام وتسطير نقاط التدخّل" يزيد الحجوي.

وحسب نفس الجمعوي فإنّ تدخل "La relève asbl" يمتدّ إلى حدّ ربط الاتصال مع الإدارة البلجيكيّة، ضمن حالات بعض من غير المتوفرين على مأوى من المستقرين قانونيا فوق التراب الأوروبي، بغية التدخل لدى الفندق الاجتماعي إيواء لعائلات تنام في العراء.. "نحاول خلق التكامل في نطاق الاشتغال هذا، وهناك جمعيات أخرى تقاسمنا نفس الأهداف وتوفر بعضا من أماكن المبيت لهذه الفئة التي تشغَلنا.. من بينها ESG ASBL وAidons les pauvres وLes Généreuses Fourmis".

المساجد.. الحاضرة الغائبة

آخر الإحصائيات تبرز أن عدد المساجد المتواجدة ببلجيكا قد وصل إلى الـ 290، فيما تتوفر ببروكسيل لوحدها 84 منها، ورغما عن ذلك إلاّ أن مساهمات هذه المؤسسات في التعاطي مع ظاهرة الـ "بدون مأوى" تبقى هزيلة.. عام 2011 فتح مسجدان اثنان فقط أبوابهما لاستقبال هؤلاء.. فيما تبقى الغالبية الساحقة رافضة لولوج المشرّدين ولو لأمور بسيطة مثل الاغتسال.

وكانت بداية العام الجاري قد شهدت فتح نقاش ببلجيكا حول دور المساجد في تقديم المساعدة الاجتماعية للمجبرين على التشرّد، وذلك عقب دعوة فؤاد أحيضار، البرلماني البلجيكي ذو الأصل المغرب، لدور عبادة المسلمين بفتح أبوابها لكل من لا يتوفر على مسكن.. وهي الدعوة التي لاقت دعما من لدن الهيئة التنفيذية لمسلمي بلجيكا ضمن مراسلة عمّمت على جميع مساجد البلد وقالت إنّ "هذا الجراء ينبغي أن يتمّ خلال موسم تدنّي درجات الحرارة"، لكن الاستجابة غابت من طرف الجمعيات المسيرة لشؤون المساجد.

ويقول عبد الله إنّ "الإسلام لا يجعل من المساجد دورا للعبادة فقط، تفتح أبوابها للمصلين قبل أن تغلق بعد انقضاء الصلاة"، ويزيد: "صحيح أنّ المسيرين لا يرغبون في ولوج المخمورين إلى المسجد، لكن هذا لا يبرّر غلق هذه المرافق الدينية في وجه من لا يعاقرون الكحول".

بين العودة للوطن والاستمرار في التشرّد

يحكي زكرياء الحجوي عن حالات لمغاربة ضاق بهم الوضع ببلجيكا إلى حدّ دفعهم للتفكير في العودة للمغرب، "بعضهم لا يطلب غير تذاكر السفر" يورد الحجوي قبل أن يضيف: "الغالبيّة تخاف ما تسمّيه الشُّوهة في حال معاودة قصدها للمغرب وهي في عزّ الأزمة.. لذلك يتم العمد إلى صرف النظر عن هذه الفكرة تجنّبا للأسئلة المحرجة التي قد تأتي من العائلة والمعارف".

أمّا عبد الله فقد أقرّ أن الوضع الذي يعشه قد دفعه إلى قطع الاتصال قسرا مع الأسرة، "الكلّ يسألني عن حالي وتقدّمي في نيل وثائق الإقامة، وأجد حرجا في إخبارهم بالحقيقة التي أعيشها.. لذلك أنا بين نارين لا خيار بينهما"، وزاد: "حتّى المصالح الدبلوماسية المغربية ببلجيكا لا اتصال لها بنا، بل الأكثر من ذلك أنّ جواز سفري وبطاقة تعريفي خارج الصلاحية وتمّ رفض تجديدهما بداعي عدم توفر عنوان للسكن".

17-12-2012

المصدر/ إذاعة هولندا العالمية / موقع هيسبريس

مختارات

Google+ Google+