سجل عام 2012، مع امتداد عمر التجربة المهجرية المغربية في أوروبا، على ارتفاع في حصلية المنجز الإنساني لمغاربة هذه القارة في مجتمع الاستقبال، يسجل هدما لمزيد من الحواجز وتقليصا لسطوة الهامش باتجاه مواقع داخل المركز. يحدث ذاك في قطاعات متنوعة في السياسة وفي التدبير الاجتماعي، في الفن والثقافة، وفي الرياضة وفي التكافل الإنساني وغيرها، وهم جميعا أبناء مهاجرين بسطاء لكنهم بنوا بسواعدهم جزءا كبيرا مما تحفل به هذه القارة من إنجازت في البينة التحتية والعمران وفي مجالات غيرها كثيرة. وشهد العام 2012 في الوجه الآخر لعملته تفاصيل محنة تُجابَه بعزم وصمود من قبل مغاربة دول أوروبية أقعدتها الأزمة الاقتصادية عن النهوض، وحشرتهم في خنادق يقاومون ببسالة وطأتها.
تألق رغم التحدي
يسجل أوروبيون من أصل مغربي خلال العام 2012 حضورا في أشد مجالات الحياة تنافسا وأكثرها احتداما: في مجال السياسة، والتدبير الاجتماعي والفن والثقافة.
في فرنسا تصبح نجاة بلقاسم سيدة من أصول مغربية خلال العام المنقضي، ناطقة باسم حكومة أقوى دولة أوروبية، ووزيرة للمرأة في ذات الحكومة، وتختارها صحيفة لوفيغارو من بين أبزر الشخصيات النسائية العشرين في العالم ووصفتها "بالاكتشاف السياسي" في بلادها خلال هذا العام.
و خلال هذا العام نفسه المنقضي 2012، نالت في بلجيكا، لأول مرة، بلجيكية من أصل مغربي تدعى نادية سمينات عمدة مدينة بهذا البلد الأوروبي بعد انتخابات محلية شهدتها البلاد.
وفي المجال الفني وبالبلد الأوروبي الذي يحتضن اكبر تجمع لمغاربة هذه القارة فرنسا ، تم اختيار شخصيتين فنيتين من أصول مغربية ضمن قائمة أبزر الشخصيات المحببة إلى الفرنسيين عام 2012، حيث حل الفنان الساخر جاد المالح ثانيا في القائمة التي أعدها معهد إيفوب الفرنسي بناء على استطلاع رأي. وأتى مواطنه من أصل مغربي جمال الدبوز وهو ممثل وكوميدي رابعا في ذات القائمة المحببة لدى الرأي العام الفرنسي.
وفي بلدين إسكندنافيين، هما السويد وفلندا، لم يغب نجم المغاربة عن السماء الفني والثقافي، فظفرت زينب نوكا طلحاوي وهي من أصل مغربي بدورة هذا العام 2012 من المسابقة الاوروبية للإذاعة والتلفزيون "اورفوزيون" لصالح دولة السويد التي تحمل جنسيتها. وفي العام ذاته حصدت مواطنة فلندية من أصل مغربي لقب حسناء فلندا للعام 2012.
وتعكس هذه الانجازات حجم البذل والعطاء والجهد الذي تقتضيه تحديات الانتقال من الهامش إلى قلب المركز في مجتمع تنافسي باحتدام.
مهاجرون مغاربة في مرمى تحرش اليمين
سجل العام 2012 فصلا آخر من فصول حملات اليمين الأوروبي المتنامية على المغاربة سواء ضمن تجمع المهاجرين أو ضمن الجالية المسلمة، أو حتى باعتبارهم مغاربة. وسجلت هذه السنة ارتفاعا لافتا في حدة هذا التحرش السياسي خصوصا مع مواعيد الاستحقاقات السياسية المحلية والوطنية. وبات المهاجرون عموما وبينهم المغاربة منذ بدأ الأزمة الاقتصادية عملة انتخابية مربحة لليمين لاستقطاب الأصوات الناخبة.
وعلى الرغم من أن حجم استهداف اليمين المتطرف سواء مثلا في فرنسا أو في هولندا خلال السنة 2012 شهدا ارتفاعا ملحوظا وموصولا أساسا بالتجليات الدينية لثقافتهم، إلا أن أكبر تحرش بالجالية المغربية في أوروبا جرى هذا العام في مدينة انزبروك النمساوية خلال الانتخابات المحلية في أبريل الماضي، حينما وضع مرشح حزب الحرية النمساوي ملصقا إعلانيا ينعت المغاربة باللصوص في حملته الانتخابية ، كتب على ذات الملصق"حب الوطن بدلا من حب اللصوص المغاربة". وشكل ذلك وجها من أبشع وجوه التوظيف الدعائي المغرض للمغاربة في الانتخابات المحلية من قبل اليمين الاوربي المتطرف. ويعتبر حزب الحرية النمساوي أكثر الأحزاب اليمينية تطرفا وهو يرفع شعار "النمسا بدون أجانب ولا مسلمين"، وتأسس في الخمسينات من طرف نازيين سابقين كان البعض منهم قد اعتقل في أعقاب الحرب العالمية الثانية.
صلابة في مواجهة محنة الأزمة
يقضي مغاربة البلدان الأوروبية المتأثرة بالأزمة الاقتصادية، ظروفا صعبة بسبب ضيق فرص العمل، وشدة وطأة الأزمة وتدعياتها عليهم. وما يضاعف من هذه المحنة أنه يشتد ثقلها عليهم من جراء السياسات التي تتخذها حكومات البلدان الأوروبية المنغمسة في الأزمة في سياق التقشف الشامل الذي ينتهجونه لتقليص العجز.
ولم تكن القوانين التي تُسن بخصوص إقامات المغاربة مثلا في إسبانيا رحيمة بهم، إذ فقد الآلاف وثائقهم بعدما عجزوا عن تجديد الإقامة بسبب قلة فرص العمل، وشهد العام 2012 أكبر تداعيات ذلك وتمثل حرمانهم من التغطية الصحية الذي أقصرته سياسة التقشف على من يملكون الوثائق وظلوا من دونها، ولم يبق لهم من ملجأ غير تضامن الأطباء المحليين الذين رفضوا باسم أخلاق مهنة الطب إ غلاق ابواب المستشفيات العمومية في وجه من لايملك وثائق الإقامة.
وتبقى المحنة الأكبر لتداعيات الأزمة على المهاجرين المغاربة في إسبانيا، تلك التي تعيشها فئة واسعة من المغاربة تقدر بأكثر من عشرة آلاف ممن افقدوا منازلهم بعدما صادرتها البنوك بسبب عجرزهم عن تأدية الاقساط الشهرية، وتمعن هذه المحنة في دراميتها عندما تبلغ حدا لا يفقد فيها المهاجرون منازلهم فحسب، بل ايضا يُلْفون رقابهم مقيدة بدين يلاحقهم. وتبقى هذه أبرز وجوه محنة مغاربة إسبانيا في معركتهم مع طواحين الأزمة الحادة، يواجهونها بصلابة اكبر لتجاوزها.
المغاربة رافد من روافد التضامن الاجتماعي في اوروبا
على الرغم من أن مغاربة أوروبا هو واحد من التجمعات الأجنبية التي عصفت بها الازمة الاقتصادية، حيث أوقعت بهم اكبر عدد من الضرر: عطالة واسعة ، فقد لوثائق الإقامة وللتغطية الصحية، تحرش من اليمين المتطرف، إلا ان ذلك لم يقعدها عن التحول إلى فاعل يسعى في تخفيف الازمة وتداعياتها على شرائح اجتماعية متضررة بشكل أكبر ، ورفضت ان تظل مجرد ضحية في وضع سلبي، بل بادرت إلى الفعل. ويتجلى ذلك في تنامي ظواهر التضامن والتكافل الاجتماعيين في بلدان الاستقباليكون ايطلها مهاجرون مغاربة .
ففي إيطاليا قرر مسلموا هذا البلد وبينهم العديد من المغاربة خلا ل هذا العام 2012، تخصيص زكاة الفطر لضحايا الزلزال الذي ضرب بلدة إيطالية وألحق بأهلها ضررا كبيرا حيث انتهى معظمهم إلى العراء، فقرروا تخصيص زكاة الفطر لتخفيف معاناتهم.
وفي مدن إسبانية بما فيها العاصمة مدريد انخرط شبان وشابات مغربيات بعضهم طلاب في حملة تضامن، يطعمون من خلالها، على الرغم من محدودية مواردهم، مشردين وأناسا بدون مأوى أومطعم لفظتهم ظروفهم الاقتصادية والمالية إلى أركان الشوارع. وقد تكون الصورة الدالة على ذلك والناطقة بحس تضامني لافت تلك التي رسمتها مغربيات مقيمات بمدريد وضعن بعضا من القليل مما يملكن ليهيئن وجبات طعام لعشرات المعوزين، ويخرجن إلى الشوراع مع فرقة من المتضاميين من مواطنين محليين لإطعام جوعى ليل المدينة البارد.
أولئك لم تقعدهن ظروفهن عن أن يصيرن غنيات بفعلهن على الرغم من قلة اليد، ويجسدن لونا آخر من ألوان التكافل ورافدا من روافد التضامن، ويصبغن بفعلهن ذالك وجه العام 2012، ببصمتهن الخاصة.
7-01-2012
المصدر/ موقع ألف بوست