الأربعاء، 03 يوليوز 2024 14:23

الرباط- "بعض مِنِّي": محكيات لجوء من حيفا إلى الرباط

الإثنين, 21 يناير 2013

ستعيد الكاتب الفلسطيني المقيم بالمغرب واصف منصور في كتابه الذي صدر حديثا تحت عنوان "بعض مني" مسارات رحلة مثيرة وحافلة قادته في بداية الستينيات من القرن الماضي من حيفا الى الرباط. رحلة عبور تفضي الى اقامة ممتدة في حضن بلد شرع له أبواب فضاءاته العمومية والاجتماعية دون أن يسلبه حنينه الى الوطن المسلوب الذي يحيا في الذاكرة.

في "بعض مني" أوان البوح وتداعي الذكريات العابرة للمكان..في مسقط الرأس، في مخيمات اللجوء، في المغرب، وعبر ربوعه، حاضرة وقرية، ثم عودة لتجديد الصلة التي لا تنقطع مع الوطن، أو جزء منه. يفتح واصف منصور مسارات للحكي، تتجاور فيها السيرة الذاتية مع التأريخ العام، بحيث تبدو تجارب ومنعطفات المسار المهني والنضالي للكاتب، أكثر من مجرد محكيات شخصية بل توثق مشاهد من مراحل هامة لدراما اللجوء الفلسطيني والتاريخ الاجتماعي لمخيمات ومنعطفات القضية الفلسطينية، مقاومة وسياسة، وحركية التعبئة الشعبية بالمغرب من أجل خدمة قضية الشعب الفلسطيني.

لا يبدي واصف منصور في كتابه حرصا على تقفي كرونولوجيا زمنية خطية أو تبويب محكياته في تحديدات موضوعاتية دقيقة، بل يعطي الكلمة الحرة لزخم الذاكرة التي تنثال حكيا ووصفا ومونولوغا، محتفية بالتفاصيل ذات الطابع الانساني الحميم، موثقة لعلاقة الكائن بالمكان، بالزمن، بالذاكرة..لاسيما في موقعه البرزخي بين ذاكرة المهد وموطن العيش.

من وحي أحاديث الأهل وقراءات عابرة، يرسم واصف منصور صورة لقرية "أم الزينات" التي غادرتها العائلة وهو بعد لا يتجاوز سنتين وبضعة أشهر، ولن يزورها إلا عام 1996 متسللا من مناطق السلطة الوطنية إلى أراضي 1948. يستعيد نظام الحياة القهري وإمكانيات المعيش المحدودة في خيام اللجوء، وكيف يبدع الكائن آليات الالتفاف عليها لصنع الفرح المسروق، قبل أن يتحدث عن ذلك اليوم الفاصل في حياته: 19 أكتوبر 1964، يوم حلوله بالمغرب تدشينا لمرحلة جديدة مختلفة. كانت رحلة مسطرة تحت عنوان "على أبواب المجهول" قبل أن تتكشف له فسح الحياة عرضا وطولا في ربوع المغرب الأقصى.

في المقام المغربي، ينتقل واصف منصور من ممارسة التدريس إلى تقلد وظائف نضالية تحت لواء مكتب حركة فتح بالمغرب ثم سفارة فلسطين، وبهذه الصفة ينخرط في أجواء التعبئة الوطنية الحماسية لمختلف تنظيمات الشعب المغربي من أجل نصرة الفلسطينيين، مكتشفا تخوما بعيدة للعشق المغربي لفلسطين، جسدتها حملات جمع التبرعات ومشاهد مؤثرة كحال ذلك الشخص المقعد الذي يستعين بصدقات الناس على إعالة أسرته، فلم يتردد ذات أمسية من أواخر 1969 في منح حصيلة يومه كاملة للمجاهدين الفلسطينيين.

ذكريات حية وبصرية يحتفظ بها واصف منصور حية عن ذلك "المغرب العميق...المغرب الأصيل"، عن "محمود درويش والعشق المغربي"، عن شبكة علاقات واسعة نسجها الكاتب مع مختلف أطياف النخبة المغربية، السياسية والجمعوية والثقافية، عن ناس الغيوان والبدوي وأحمد البيضاوي.

كلها ذكريات تحيا تحت شرفات أفق العودة الى فلسطين. تلك العودة الي تحققت جزئيا في يوليوز 1996 بعد "11 ألف و 587 يوما"...كما أحصاها واصف. مدة فضل أن يقدمها بحساب الأيام كناية عن وجع الفراق القسري عن المكان والأهل. يبرز مشهد اللقاء بالأم كواحد من أكثر المحكيات شجنا ودمعا.."استمر مشهد عناقي وأمي زمنا لم يكن بالامكان حسابه، الى أن سمعت صوت عمتي الكبرى يسرى تقول (واحنا ما لناش حق؟)". عاد واصف منصور ليقف على واقع منعطف نوعي في مسيرة الشعب الفلسطيني في صيغة تسوية مرحلية، ليستأنف من جديد قصته المغربية التي لم يوقفها تقاعده الإداري، بل فتحها على آفاق ارتباط أرحب.

على غلاف الكتاب الصادر ضمن منشورات جريدة الاتحاد الاشتراكي، كتب واصف منصور "من أجل أن نحافظ على انسانيتنا، يجب أن نحصل على وطن -جزء من وطن- نحمل مواطنته ونستطيع أن نضمن أن رفاتنا سيجد حيزا فيه، ونضرب موعدا لأسرتنا المشتتة في جهات العالم الاربع لنلتقي دون أن ندوخ بحا عن تأشيرة دخول..لنلتقي وتبكي فرحا وحزنا كما يفعل الآخرون".

21-01-2013

المصدر/ عن وكالة المغرب العربي للأنباء

مختارات

Google+ Google+