الأربعاء، 03 يوليوز 2024 12:21

موسكو- الطلبة المغاربة بروسيا...برودة المهجر وظلم ذوي القربى

الأربعاء, 30 يناير 2013

إن كانت الحكمةُ العربيَّة تحث على طلبَ العلمِ ولوْ في الصين، مع ما توحِي بهِ من تعظيمٍ لقدره، واستهانة من شأنِ الكدِّ في سبيلهِ، فإنَّ آلافَ الطلبة المغاربة، ييمونَ كلَّ سنة بعدَ الحصول على البكالوريَا، وجهات عدة من العالم تمتدُّ عبر القارات الخمس. وإنْ كانَ الحظُّ قد أسعفَ الكثيرينَ منهم بالدراسة في بلدان تقعُ على مرمَى حجر من المغرب كفرنسا وإسبانياَ. فإنَّ آخرين قادهم مشوارهم الدراسيَّ إلى أصقاعَ نائية، منهَا بلدان أوربَا الشرقيَّة، وروسيَا علَى وجه الخصوص، التِي يجدُ الطلبة المغاربةُ بهَا أنَّ نظرة مواطنيهم إليهم بعدَ التخرج والعودة إلى البلاد، تحمل كثيراً من الازدراء. بالرغم من سنوات قاسية أفنوها انكباباً على التحصيل العلمي، ببلد لم يعهدُوا بردَه، وصعوباته وسطَ غيابِ منحة تقدمُ لدعم الطالب، إسوةً بمَا يحصلُ مع طلبة كثرٌ، لا يعلمُ أحد بالمساطرِ التِي سلكوهَا حتَّى تأتت لهم الاستفادة.

غير بعيد من سانكت بطرسبورغ، يوجد أزيد من120 طالب مغربي بمدينة فيليكي نوفكورود، يدرسون في مختلف التخصصات، جلهم اليوم في شعبة طب الأسنان، بعدما صرفوا النظر عن الصيدلة التي دأب المغاربة على دراستها ببلد القياصرة.

هسبريس تحدثت إلَى طلبة مغاربة يتابعون دراساتهم بروسيَا، وبمدينة فيليكي نوفكورود على وجه التحديد، التي تبعد عن العاصمة موسكو بحوالي عشر ساعات، وتندرج جامعتها الحكومية ضمن الجامعات العشر الأولى من أصل 100 جامعة روسية. ورصدت معاناتهم في المهجر، وقد اضطرهم حلمُ تكوين أفضل إلى الابتعاد عن الأهل، كي لا يواجهوا شبح بطالة يرعب في بلدهم من لم يحصل على تكوين جيد.

رباب...

"حين أصحوا في الصباح الباكر، والليل مرخٍ سدوله على المدينة الباردة، التي قد تنزل بها درجة الحرارة إلى 30 تحت الصفر، أتساءل مع نفسي، ما الذي أتى بي إلى هذا البلد النائي" بهذه الكلمات تجمل ابنة مدينة الشرق المتدينة، قصتها مع الدراسة في روسيا. قبل أن تستطرد "لقد كان الأمر في البداية أشبه بحلم، مدخله السفر إلى بلد بعيد ورؤية حضارته المختلفة، والحظوة بشوق الأهل والناس وقد غبت عنهم عاما في المهجر، قبل أن يستحيل ذلك غربة قاتلة تبدد ما كان من بهجة الوطن، ولا يبقى إذ ذاك إلا انتظار طويل لموعد الرجوع إلى المغرب بعد الظفر بشهادة تضمن موطئ قدم في سوق الشغل".

بعيداً عن أهل يعيشون في وجدة، أمضت رباب حتى اليوم خمسة أعوام بروسيا، واحد منها لدراسة اللغة الروسية، وأربعة للطب الذي ارتضه مهنة لها، وقد استطاعت أن تحقق نتائج حسن بخلاف الكثيرين الذين وجدوا النظام التدريسي صعباً، وطردت الجامعة عناصر منهم بسبب عدم الانضباط والاستهتار. رباب تقول إنَّ ظروف التكوين أفضل كثير مقارنة بالمغرب حيث يحتشد طلبة الطب في قاعة بها أكثر من خمسين، في الوقت الذي لا يتجاوز فيه العدد عشرة على أقصى تقدير بالجامعات الروسية، ومعلوم وفق رباب، أن العدد القليل ينعكس بشكل ملحوظ على تكوين الطلبة.

تكاليف الحياة بروسيا ليست جد مرتفعة حسب رباب، فوالدها يؤكد أنها تماثل أو تتخطى نظيرتها بالمغرب، على اعتبار أن هناك مدارس خاصة تطلب أزيد من 6000 درهم في الشهر، وحسب تقديرها فإن الطالب الذي يحسن التقشف بإمكانه أن يقضي العام بنحو اثنين وثلاثين ألف درهم، الكتب تقدمها الدولة الروسية على أساس إرجاعها، والطلبة يقطنون بالمدينة الجامعية التي يدفعون لها سنويا ما يقارب ثلاثة آلاف درهم. وهي لم تسمع حتى اليوم بطالب في روسيا جاء بمنحة من المغرب، إذ لا علم لأحد بمسطرة توزيعها.

ومن بين الأمور التي تجدها رباب غير مستساغة، نظرة المغاربة إلى خريجي روسيا، وحطهم من شأن الشهادات التي حصلوا عليها، فقد ترسخت فكرة لدى كثير من المغاربة، تفيد أن خريج الجامعة الروسية أدنى ممن تخرج من جامعة فرنسية أو إسبانية، وأنه ابتاع شهادته بشكل مشبوه. فبالرغم من عدم وجود دخان بدون نار، تقول رباب، بحكم وجود بعض التجاوزات في السابق، إلا أنها تجدُ النظام التعليمي صارما، وهي لا ترتاحُ إلا لساعات محدودة، وتفني أفضل سنوات شبابها بين مراجع الطب ودورات التدريب بالمستشفيات، الأمر الذي يجعلها ترفض ما يطلق من أحكام مسبقة غير مؤسسة، وكأنها تستعيد بيت الشاعر الذي قال (وظلمُ ذوي القربى أشد مضاضة – على النفس من وقع الحسام المهند).

عامان اثنان تتنظرُ رباب أن ينقضيا، كي تقفل راجعة إلى المغرب، حيث سيكون عليها أن تنتظر ثمانية عشر شهراً، ما بين فترة انتظار معادلة الشهادة، وتداريب ستقوم بها، في أفق تخويلها إمكانية العمل بالقطاع العام. فالطلبة الدارسون بروسيا مطالبون بالمعادلة، عكس الدارسين بفرنسا والسينغال، تقول رباب. التي تحرص بشدة على تمثيل المغرب في المناسبات الثقافية بالمدينة، وسبق لها أن أحرزت جائزة في الطبخ وأخرى في التجويد، ودخلت الإعلام الروسي كي تقنع الروس أنَّ مهر الفتاة العربية، ليسَ استصغارا وإنما بمثابة هدية، لا شراء كما اعتقدوا.

مريم...

لا تعيرُ سليلة بني ملال من الأهمية الحظ الكبير لمن يقولون إن الشهادات تشترى في روسيا، فهي مقتعنة بكدها في سبيل شهادة الصيدلة، وتجد ما يقال ضرباً من المغالطة، مردفة في حديث لهسبريس، أنه يتوجب بالأحرى مناقشة معاناة الطالب المغربي مع مركز "racus، الذي يتكفل بطلبات الطلبة المغاربة للدراسة وفي الخارج، بحيث يطلب منهم أكثر مما تفعل فروعه في بلدان أخرى، كالجزائر التي يدفع بها بها تذاكر الذهاب والإياب للطلبة، في حين يحصل على 15.000 من الطالب المغربي الراغب في الدراسة بروسيا، مقابل تذكرة ذهاب يتيمة.

أمين..

بعد تعذر التحاق بالمدرسة التي أرادها لدراسة الهندسة بالمغرب، وقبوله من لدن المدرسة العليا للتكنلوجيا دون غيرها، ارتأى أمين الالتحاق بأخته رباب، التي وجدت في حضوره عزاء بالغربة، وهو اليوم في سنته الخامسة من دراسات الهندسة المدنية الصناعية، واحدة للغة قال إن اكتسابها كان صعبا بسبب اختلافها عن الفرنسية، وأربع للهندسة.

أمين يقدر أن التجربة صعبة للغاية، بسبب طول مدة التكوين والبعد عن الأهل، وكذَا طغيان النزعة الفردية وسط المهاجرين، إذ يندر وفق قوله، إيجاد صديق بمعنى الكلمة، فالكل يلاحق مصلحته أنى وجدت، والطلبة يئنون في كل ذلك، تحت ضغط الغربة، وعراقيل الاندماج والتحصيل العلمي وكذا بعض الممارسات العنصرية التي تصدر عن بعض أهل "فيليكي نوفكورود" الذين ضاقوا ذرعاً بارتفاع مطرد لعدد الطلبة الأجانب بالمدينة.

30-01-2013

المصدر/ موقع هيسبريس

مختارات

Google+ Google+