لم يحمل التقرير الذي خلصت إليه هيئة الحسابات في فرنسا، بخصوص الوضعية الراهنة التي يوجد عليها معهد العالم العربي، مضامين تبعث على التفاؤل بمستقبله، حيث وضع الأصبع على العديد من مكامن الخلل التي يعاني منها، ما دعا باريس إلى التحرك واقتراح اسم جديد على رأس هذه المؤسسة، له وزنه على الساحة الثقافية والسياسية الفرنسية، هو وزير الثقافة الاشتراكي السابق جاك لانغ.
وتنتظر لانغ مهمة ليست بالسهلة، بسبب تراجع أداء هذه المؤسسة الذي انعكس سلبًا على شعبيتها، حيث تناقص عدد الوافدين عليها، حسب بعض الأرقام، بالآلاف، كما سيكون ملزمًا بترشيد تدبيرها المالي، بالإضافة إلى مشاكل أخرى ستكون ضمن التحديات الكبرى المطروحة أمام الرئيس الجديد لأجل النجاح في مهمته، خصوصًا أنه يتمتع الآن بكافة السلطات، بعد أن قررت السلطات الوصية إلغاء سياسة المؤسسة التي تسير برأسين، كما كان سائدًا في السابق.
تخاذل عربي
كانت هيئة الحسابات دقت ناقوس الخطر، عندما وضعت بين يدي وزارة الخارجية الفرنسية، الجهة الوصية رسميًا على المعهد، تقريرًا وقف عند الشوائب التي تعترض هذه المؤسسة في التسيير المالي والإداري.
وتساهم فرنسا بنسبة 60 في المئة في مالية المعهد، كما أن للدول العربية الـ22 في الجامعة العربية مساهمات سنوية، إلا أنها عرفت مشاكل قبل سنوات بسبب تخاذل بعض الدول عن دفع المستحقات عليها، كما حصل مع العراق وليبيا، والتي تمت تسويتها في آخر المطاف. كما أن بعض هذه الدول وجهت لها انتقادات للبرامج المتواضعة التي تقدمها إذ تحمل، بحسب منتقديها، طابعًا فلكلوريًا بعيدًا عن أي مضمون ثقافي له رسالة ومعنى.
وينظر إلى معهد العالم العربي كجسر ثقافي بين العالم العربي، ممثلاً في 22 دولة، وفرنسا ثم أوروبا عامة، يتوخى منه إرساء عملية التواصل والتبادل الثقافي بين الجانبين، وبسط الحضارة والثقافة العربية أمام المتلقي الفرنسي، لتسهيل عملية فهمه وفهم التطورات التي مرّ بها في الماضي ويقطعها اليوم.
قيمة مضافة
يلخص المعطي قبال، وهو كاتب ومسؤول في معهد العالم العربي، أهداف هذه المؤسسة في أنها تقوم "بالتعريف بالثقافة العربية في المشهد الفرنسي والأوروبي بشكل أعم، إضافة إلى مد الجسور الثقافية والفنية والمعرفية بين المجتمعات العربية والمجتمعات الغربية".
أضاف: "في زمن الإسلاموفوبيا والعنصرية، لمعهد العالم العربي دور تربوي وتنويري هام، فإحدى رسائله هي ربط الصلة بين العرب القاطنين في باريس والضواحي، وبدأنا نلاحظ زيارة الجالية المغاربية التي تسكن بالضواحي وببعض الأقاليم القريبة للمعهد لتعلم اللغة والحضارة العربية أو الاستمتاع بالموسيقى".
وعن ما يمكن أن يحمله تعيين لانغ من قيمة مضافة للمؤسسة، قال: "يعطي هذا التعيين دفعة قوية للمعهد، خصوصًا أنه يحظى بشعبية في الأوساط الثقافية بحكم المشاريع الثقافية التي أطلقها وهو وزير، وقد يستفيد المعهد من خبرته ومن علاقاته، وبدأنا نشعر بالفعل بعودة الثقة إلى الأطر الثقافية العاملة بالمعهد بعد أن حطمت الادارة السابقة من معنوياتهم".
واقع وتطلعات
يرى هذا الكاتب المغربي الأصل أن حضور الإبداع والثقافة العربية يتعزز مع إطلاق ورشات جديدة أو إعادة أحيائها، مثل مهرجان الشعر العربي الفرنسي أو الأنشطة السينمائية، أو تعزيز المحاضرات والندوات. أضاف: "هناك أيضاً رغبة بالتعريف بثقافة الهجرة وإنجازات مختلف الأجيال المغاربية في المجال الموسيقي والفني والأدبي، وستجد هذه المواهب والكفاءات في المعهد مجالًا يبرزها".
بعد 25 عامًا من تاريخ التأسيس، يصعب الجزم إن كان المعهد نجح فعليًا في أداء رسالته. ويعتبر قبال أن "الطريق ما زال شاقًا، مشددًا على أن الدول الخارجة عن نطاق المساهمة المادية في ميزانية المعهد، أي البلدان العربية، يجب أن تقدم المستحقات وأن تساهم ببرامج عالية المستوى وليس من خلال تظاهرات فلكلورية"
ويؤكد قبال في خلاصته أن المال يبقى عصب الحرب الثقافية، "وفي أزمنة الأزمة، فإن المتضرر الأول هو الثقافة، وأعتقد أن المشروع الذي يحمله جاك لانغ سيضع المعهد في قلب الفعل الثقافي الأوروبي والعربي".
21-02-2013
المصدر/ موقع إيلاف