قال متحدث باسم «الوكالة الفرنسية لضمان حقوق عمال المناجم» إنها ستؤدي تعويضات حكمت بها محكمة النقض الفرنسية لصالح عاملين من عمال المناجم المغاربة، بعد أن خاضوا عملية قانونية طويلة ومعقدة اعتبرت الأطول من نوعها في تاريخ نزاعات العمل أمام القضاء الفرنسي.
وكانت محكمة النقض الفرنسية أصدرت حكما لصالح عشرة منجميين مغاربة، يجبر السلطات الفرنسية بدفع تعويضات بسبب سوء ظروف العمل والتمييز العنصري التي عاناها هؤلاء المنجميون، طوال مدة عملهم في مناجم الفحم الفرنسية، ويعتبر الحكم تتويجا لكفاح مرير خاضه العمال المغاربة دام عقودا من أجل إنصافهم. وأضحى الحكم نهائيا وغير قابل للطعن أمام أي محكمة فرنسية باعتباره صادرا عن محكمة النقض، وهي أعلى هيئة قضائية في فرنسا.
وسيحصل كل واحد من عمال المناجم المغاربة العشرة بموجب الحكم على تعويض قيمته 40 ألف يورو عن عدم استفادتهم على غرار زملائهم الفرنسيين والأوروبيين من امتيازات يحصل عليها عمال المناجم في فرنسا مدى الحياة، وهي السكن والتدفئة المجانية والعلاج.
وستدفع المبلغ «الوكالة الفرنسية لضمان حقوق عمال المناجم» التي تدير حقوق وامتيازات عمال المناجم في فرنسا بعد أن أدانتها محكمة النقض بتهمة التمييز على غرار شركة مناجم «نور بادكيلي» التي كانت تشغل العمال المغاربة وسرحتهم بعد الإغلاق النهائي لمناجم الفحم الحجري في ثمانينات القرن الماضي.
ويرجح أن يستفيد من هذا الحكم لاحقا نحو 1600 من عمال المناجم الأجانب السابقين في فرنسا (معظمهم مغاربة) من بينهم نحو 50 ينتظرون البت في دعوى سيتقدمون بها في سبتمبر (أيلول) المقبل.
وأعلن عبد العزيز شاذي عضو جمعية المناجم بشمال فرنسا أنهم سيتابعون نضالهم إلى أن ينال المنجميون المغاربة كامل حقوقهم.
وكانت قصة معاناة هؤلاء المنجميين بدأت قبل أكثر من 50 سنة، حينما كان فيليكس مورا، العسكري الفرنسي السابق الذي أصبح من أبرز المشتغلين في مناجم فرنسا، يتأكد بطريقة مهينة على قدرة العمال المغاربة الجسمانية المرشحين للعمل في المناجم، ثم يختم على صدورهم بما كان يطلق عليه بعض قدماء المنجميين في شمال فرنسا «الكدمة»، وهي علامة خضراء اللون توضع على الصدر إشارة على قبولهم، في حين كانت توضع علامة حمراء على الذين يعتبرهم مورا غير صالحين للعمل في المناجم بسبب هزالة بنيتهم الجسمانية.
وعاش الذين قبلوا العمل في المناجم في ظروف سيئة تحت الأرض معرضين حياتهم للخطر، وفي ظل تعامل اتسم بالعنصرية والميز لصالح المنجميين الفرنسيين.
وكانت إدارة المناجم أجبرت هؤلاء العمال على توقيع «عقود عمل» مؤقتة، عوض أن يكونوا مستخدمين دائمين، حتى يتسنى لها أن تتخلص منهم في أي وقت أرادت ذلك. وشيدت لهم مساكن كانت عبارة عن أكواخ خشبية دون تدفئة أو ماء ساخن، وجندت وسطهم مخبرين لإحباط أي تحركات نقابية.
لم يكن أمام عمال المناجم المغاربة مخرج سوى تحمل تلك الظروف القاسية، لكنهم لم يستسلموا، لذلك شنوا أول إضراب بمنطقة الألزاس واللورين عام 1980. وخلال تلك الفترة كان فيليكس مورا يتباهى بإنجازاته، وفق ما ورد في كتاب أصدرته «جمعية المنجميين المغاربة بشمال فرنسا» في يونيو (حزيران) عام 2008، بقوله إنه ساهم في توفير العمل منذ 1956 لأكثر من 66 ألف مغربي.
وأصدرت الجمعية نفسها كتابا آخر في عام 2010 أوردت فيه تفاصيل إضافية حول المسار الشاق الذي قطعه هؤلاء العمال بإمكانياتهم الذاتية منذ الحركة الاحتجاجية الأولى في عام 1980 إلى الإضراب الكبير في عام 1987 الذي دام زهاء شهرين، إلى أن قررت إدارة المناجم الفرنسية إغلاقها عام 1992.
ومنذ ذلك الحين أعلن عن قرب إغلاق المناجم الفرنسية نهائيا، وبدأ الحديث عن إحالة أعداد كبيرة من المنجميين إلى التقاعد، الأمر الذي أثار موجة من القلق والغضب في صفوفهم. وبادر عامل المناجم المغربي عبد الله الصماط رفقة آخرين من المنجمين المغاربة إلى تأسيس «جمعية عمال المنجميين المغاربة في شمال فرنسا» في أجواء سياسية كانت تتسم بالمد العنصري ضد المهاجرين في فرنسا، خاصة خلال السنوات التي تلت عام 2000، وتولت الجمعية معالجة مشكلات هؤلاء العمال التعساء، وعملت على تبني مطالب قدماء المنجميين، وركز رئيس الجمعية في أكثر من مناسبة على المطالبة بتعويضات مالية مماثلة لما يتلقاه رفاقهم الفرنسيون، وإقرار تعامل مماثل فيما يرتبط بالامتيازات المتعلقة بالسكن والاستفادة من التدفئة المجانية وتوسيع الحق في العلاج.
ونظمت جمعية عمال المنجميين المغاربة في شمال أفريقيا مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان في المغرب ومجلس الجالية المغربية ووزارة الجاليات المغربية في ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي قافلة المنجميين المغاربة بشمال بادو كاليه تحت شعار «الذاكرة في خدمة حقوق الإنسان». ثم بدأت معركة قضائية طويلة انتهت بصدور قرار محكمة النقض الفرنسية، نهاية الأسبوع الماضي، الذي جاء لصالح المنجميين المغاربة، وهو القرار الذي بات الآن ملزما.
6-03-2013
المصدر/ جريدة الشرق الأوسط