هنا أمستردام- غادرت أمل هاشم صالح (23 عاماً) بلادها مصر إلى كوريا الجنوبية وفي يدها حقيبة سفر لأمد يطول، وتأشيرة طلابية ووعد بمنحة كورية جنوبية. استقرت لدى وصولها في قرية صغيرة خالية من العرب بل وكانت المتحجبة الوحيدة هناك. وأثارت فضول سكان القرية التي يقطنها أغلبية من المسنين. تعرفت أمل على الثقافة والقيم الكورية عن قرب. تعلمت اللغة وتأقلمت مع المحيط إلى حد ما، ولكنها عادت إلى مصر بعد حنين جارف للأهل والبلد. استقرت بها عاماً كاملاً، ثم حملت حقيبتها من جديد في نفس الاتجاه، لكنها لم تعد إلى القرية الصغيرة، بل ذهبت هذه المرة الى العاصمة سيول، التي تعج بأجانب من جنسيات مختلفة، ومن عرب بالتأكيد لتدرس "إدارة أعمال".
طلب العلم في كوريا الجنوبية
اهتمت كوريا الجنوبية في السنين الاخيرة بجلب الطلبة إلى جامعاتها من مختلف بقاع العالم، وركزت على العرب منذ العام 2009، حين بدت تغزو السوق العربية وتفتح مصانع بأراضيهم، وتوفر عملاً وتستقطب جيلا طموحاً، تستهويه الالكترونيات. قسم اللغة الكورية في جامعة القاهرة بمصر هو أول قسم في العالم العربي كله، وفتح قسم آخر بالمينيا وبعدها ببلاد الاردن. خلقت الضرورة لذلك مع تزايد المصانع الكورية هناك.
في عام 2009، وصل من المغرب الى كوريا الجنوبية، كل من زيري أوبروك ، (25 عاماً) وحمزة العسري (24 عاماً). التقيا صدفة بمطار الدار البيضاء، واكتشفا أن حكايتهما ووجهتما وطموحهما يتشابه لأبعد حد، فكل منهما رأى الاعلان الذي روجت له بخجل سفارة كوريا الجنوبية في المغرب، في تخصيص منح دراسية شاملة لطلبة مغاربة يرغبون في دراسة الهندسة الالكترونية.
روح "قتالية"
يدرس زيري (أمازيغي من الأطلس المتوسط) في مدينة أخرى غير العاصمة سيول كما حمزة وأمل، " هناك فرق بين بلادنا وبلادهم فيما يتعلق بالتحفيز. هنا يدرسون بجد، ويسهرون الليل بطوله للدراسة وانهاء الواجب. كما ان طريق التدريس المعتمدة على التطبيق والمختبرات المجهزة، تضفي على الدراسة جانبا اخر من الاهمية". ويضيف حمزة على ما قاله زيري أن "الطلبة الكوريين لديهم روح قتالية للدراسة والمنافسة على اشدها، على عكس الحال في بلادنا تماماً، حيث التعليم محبط".
تؤكد أمل على جودة التعليم في كوريا الجنوبية، وتسرد حكاية "تجربتها" بمصر: "قابلت في مصر طلبة من كلية ادارة الاعمال وتبادلنا المعلومات. قالوا إنهم يدرسون مواد أصعب وأزيد، ولكن الجودة في الجامعة المصرية والتشجيع على الدراسة وقيمة العلم نفسه والجدية أمور ضعيفة. يمكن للمصري الذي يتخرج في مصر أن يكون أدرى بمواد معينة ومواضيع معينة عن الكوري، لكنه لن يشعر بكل ما تعلمه ولن يستخدمه. في كوريا هناك قيمة لكل ما يدرس ولكل معلومة و هناك توظيف لها".
تشابه ثقافي؟
حمزة، تسحره آسيا بقيمها وأخلاقياتها وتاريخها. وفي كوريا الجنوبية، أثر فيه التعامل المبالغ في الاحترام بين الأجيال، "احترام الكبير من القيم التي بدأت تتلاشى في المجتمعات العربية. جميل أن أرى هنا كيف تتعامل الأجيال فيما بينها، أمر مؤثر".
أمل ترى أن كوريا الجنوبية بلد يسهل التعود عليه من طرف العرب والمسلمين، فهناك تشابه كبير بين الثقافات وفي طريقة التفكير أيضا، " كوريا الجنوبية في حقيقتها مجتمع محافظ الى حد كبير في ثقافته رغم التأمرك الملاحظ في الشارع. الكوريون شعب حلو ومتسامح ومتقبل للآخر". أما زيري فلا يستبعد أن تصبح وطنه، ويتزوج من كورية جنوبية أيضاً، " لا اشعر بالغربة هنا، فالناس طيبون ومتعاونون".
آفاق مستقبلية
كوريا حريصة على التدريب وتطبيق النظرية بشكل مكثف، لذلك يكون الطالب جاهزا للعمل بعد تخرجه مباشرة، "في مصر حين يتخرج الطالب، يشترط ان تكون لديه خبرة في العمل ليدخل سوق العمل وهذا غريب"، تقول أمل.
بعد التخرج تتمنى أمل ان تعمل بكوريا الجنوبية أولا لكسب الخبرة في العمل ما دام العمل "مضبوط للغاية هناك وجاد وصارم. وبعدها قد تعود لمصر".
حمزة العسري، بالرغم من ان عائلته صدمت حين اخبرها انه سيهاجر للدراسة إلى كوريا الجنوبية الا ان أمه خصوصا دائما كانت تحثه على عدم التنازل عن أي حلم في الدراسة مهما كان، و "إن في آخر الدنيا أو في بلاد غريبة خطيرة. أنا الآن أشعر بالاستقرار هنا وحياتي اليومية على ما يرام ولكن حنينا يلازمني إلى المغرب. أفتقد السهرات العائلية الدافئة والبلاد بمناخها وناسها وطبيعتها". لكن الايجابي في كوريا الجنوبية أنه للهندسة الالكترونية قيمة كبيرة ومستقبل العالم "يولد من آسيا الان"، لذلك يتمنى حمزة أن يظل هنا للعمل ولكن بإمكانية تنقل منتظمة ما بين كوريا الجنوبية والغرب.
زيري يريد التخصص في دراسته، كي يزيد من تكبير حجم فرصه في سوق العمل الدولية. وأدمن الدراسة مثل الكوريين، فبالرغم من أنه في اجازة، ألا أنه يعمل نهارا في تدريس اللغة الانجليزية للتلاميذ الكوريين، ويقضي المساء في المختبر لتحضير الماستر.