تتزايد أعداد الأجانب الراغبين بنيل الجنسية الألمانية، ولكن هناك شروط لذلك، كإثبات مستوى معين من إتقان اللغة الألمانية. وعدد معين من سنوات الإقامة. ومنذ خمس سنوات بات على المتقدمين اجتياز امتحان التجنيس المثير للجدل.
ما الاسم الذي يُطلق على الدستور الألماني؟ كم عدد الولايات الألمانية؟ هذان سؤالان من بين الأسئلة الثلاثة والثلاثين التي طُرحت على أحمد عثمان، أثناء تقديمه لاختبار التجنيس في مدينة ماينز. أحمد جاء من قطاع غزة إلى ألمانيا قبل حوالي ثماني سنوات لمتابعة دراسته العليا. وقد توجها بنيله درجة الدكتوراه قبل عامين، قبل أن يبدأ العمل في أحد المعاهد البحثية، ويعيش الآن مع زوجته وابنته الوحيدة هنا في "وطنه الثاني"، كما يقول.
امتحان التجنيس هو أحد الشروط التي يجب تحقيقها، إلى جانب شروط أخرى، من أجل نيل الجنسية الألمانية. وكان على أحمد أن يستعد لهذا الامتحان، بمراجعة نماذج للأسئلة التي يمكن أن تُطرح في الاختبار. مجموع الأسئلة الكلية التي يجب دراستها يبلغ 310 أسئلة. 300 منها حول معلومات عامة عن ألمانيا ونظامها السياسي والاجتماعي والقانوني والاقتصادي. وهناك 10 أسئلة خاصة بكل ولاية من ولايات ألمانيا الـ16.
وهذه الأسئلة كلها متوفرة بسهولة على مواقع انترنت خاصة بذلك، أو يمكن الحصول عليها مع إجاباتها في كُتيب.
جدل واسع حول الاختبار
قبل خمسة أعوام صدر قرار بجعل امتحان التجنيس إلزاميا في ألمانيا. حينها اندلعت الكثير من النقاشات حول جدوى هذا الإجراء. فانتقد البعض صعوبة الصياغة اللغوية وكثرة الأسئلة التفصيلية. في غضون ذلك جرى إحداث بعض التغيير وتبسيط بعض الأسئلة. ولكن الباحث في شؤون الهجرة، ديتر ترينهاردت، يرى أن الامتحان مازال معقدا جدا، ويوضح:" يعتبر الامتحان صعباً على المهاجرين ذوي المستوى التعليمي المنخفض، وكذلك لأولئك الذين مازالوا غير متمرسين بعد في اللغة". ولذلك فإن الباحث يخشى من حصر التجنيس الألماني في فئة محددة من المهاجرين.
وبالفعل، فإن أعداد المجنسين الجدد – بعد اشتراط اجتياز هذا الاختبار – تدنت، ولكن لفترة قصيرة فقط. إذ أخذت الأعداد بالارتفاع مجددا منذ أربع سنوات، فبلغ عدد المجنسين العام الماضي 112.000، وهو ما يعني ارتفاعاً بنسبة 5% مقارنة بعام 2011.
أما كنان أراز، من مكتب مساعدة المهاجرين الراغبين في التجنيس في مدينة بوخوم، فإنه يخالف رأي الباحث ترينهاردت. يقول أراز بأن الأمر شهد نقاشا في البداية، ولكن بعد أن هدأت موجة النقاش الأولى تلك، أضحى الامتحان وحواراته أمرا عاديا للناس. ويسترسل أراز: "صاروا ينظرون إلى امتحان التجنيس وكأنه اختبار لنيل رخصة قيادة السيارة".
أحمد عثمان لم يجد أي صعوبة تُذكر في التحضير لهذا الاختبار واستطاع أن يجيب على الأسئلة بسرعة. نتيجة الاختبار تلقاها بالبريد، وكانت: "31 إجابة صحيحة من أصل 33". يشار إلى أنه يكفي لاجتياز الاختبار الإجابة على 17 سؤالا بشكل صحيح، وهو أمر يحققه 98 % من المشاركين.
وعلى عكس أحمد، يضطر بعض المتقدمين لدراسة الأسئلة بجد، وحفظها عن ظهر قلب. كما حدث مع السيدة سميرة عبد الغفور، التي تزوجت من قريبها المقيم في ألمانيا، والذي حصل على الجنسية الألمانية قبل سنوات قليلة، وبالتالي كان من السهل على سميرة الحصول على حق الإقامة في ألمانيا. ورغم أن شروط نيلهاللجنسية الألمانية أسهل، كونها متزوجة من ألماني، إلا أن شرط اجتياز امتحان التجنيس إلزامي.
"واجهتُ صعوبة كبيرة في التحضير للاختبار. اضطررتُ لدراسة الأسئلة وكأنني أمام امتحان نيل شهادة الثانوية". وما زاد الطين بلة هو "التوتر الشديد الذي رافق الأيام التي سبقت تأدية الاختبار"، كما تقول سميرة.
ألمانيا تشجع على الهجرة
وإذا سارت الأمور على ما يرام، فستكون سميرة واحدة من بين حاملي الجنسية الألمانية الجدد خلال عام 2013. وبصورة عامة، فإن غالبية من يتجنسوا بالجنسية الألمانية ينحدرون من أصول تركية، وهذا طبيعي كونهم الجالية الأكبر في ألمانيا.
كما تتزايد أعداد الأوروبيين الجنوبيين الراغبين بالجنسية الألمانية، وخاصة من البلاد الأوروبية المتأثرة بالأزمة المالية. فمثلا ارتفعت أعداد اليونانيين الراغبين بحمل جواز السفر الألماني في السنة الأخيرة بنسبة تربو على 80%، والإيطاليين حوالي 30%. الكثيرون منهم من الشباب والمتعلمين الذين عجزوا عن إيجاد وظيفة في بلادهم، فحصلوا على فرص أفضل في ألمانيا ذات الاقتصاد القوي.
وتسعى ألمانيا إلى استقطاب المهاجرين ذوي الكفاءات. إذ يكثر هنا الطلب على القوى العاملة التخصصية في كثير من المجالات. كما أن بعض الولايات الألمانية تستهدف مساعدة المهاجرين على التجنس، فشعار "نعم، أريد" موجود على يافطات وملصقات كثيرة تزين شوارع ولاية شمال الراين – ويستفاليا مثلا. وهو ما ينتقده كنان آراز بقوله: "تكلف هذه اليافطات عشرات آلاف اليوروهات دون جدوى. قد تساعد هذه الحملات هذا السياسي أو ذاك، ولكنها لا تفيد الناس". ويرى أنه من الأجدى مخاطبة المهاجرين مباشرة، والأفضل أن يكون ذلك بلغتهم الأم، فحتى الآن حصل نصف المهاجرين فقط على الجنسية الألمانية.
إجراءات التجنيس ليست سهلة
ورغم اهتمام الولايات الألمانية بالتجنيس، إلا أن الحصول على جواز السفر الألماني ليس سهلا. فامتحان التجنيس ليس العائق الوحيد، إذ يشترط القانون إقامة الشخص لثماني سنوات على الأقل في ألمانيا، وألا يكون قد عوقب جنائيا، وأن يثبت كسبه لما يكفي من المال لضمان عدم اعتماده على المعونات الاجتماعية. وبالطبع فإن إجادته لمستوى معين من اللغة الألمانية يعد شرطا واجبا.
وبحسب وزارة الداخلية الألمانية، الهدف من امتحان التجنيس هو تسهيل عملية دمج المهاجرين في المجتمع. لكن خبير شؤون الهجرة ديتر ترينهاردت له رأي آخر: "لا أعتقد بأن الإخلاص للدستور وتعزيز شعور الانتماء الديمقراطي يتعمق من خلال هذا الاختبار". ويضيف: "فما يوحي به هذا الامتحان هو الريبة تجاه الراغبين في التجنس". وخاصة المهاجرين القاطنين في ألمانيا منذ فترة طويلة، فهم يشعرون بأن الامتحان يشكك بقدرتهم في أن يكونوا مواطنين صالحين. لذلك يقترح إلغاء هذا الاختبار نهائيا.
ومن وجهة نظر ترينهاردت، لابد من تسهيل إجراءات الهجرة إلى ألمانيا، فيقول: "ألمانيا متأخرة عن باقي البلدان الأوروبية في هذا المضمار، فالبلد الوحيد الذي يضع شروطا أصعب للهجرة إليه أكثر من ألمانيا هو النمسا". والعائق الأكبر كما يراه الباحث الألماني بشؤون الهجرة هو: حتمية تخلي المهاجرين من بلدان كثيرة عن جنسيتهم الأصلية لنيل الجنسية الألمانية. فإذا كان الراغب في الجنسية الألمانية تركي أو صربي الجنسية أو من مونتيغرو، فعليه التخلي عن جنسيته الأصلية عند نيله الألمانية. إلا أن الكثيرين لا يودون قطع صلتهم تماما بجذورهم: "بلا شك، فإن أعداد المجنسين سترتفع كثيرا، لو ألغي هذا الشرط وسُمح بازدواج الجنسية".
ولكن سميرة عبد الغفور وأحمد عثمان محظوظان، كون بلديهما الأصليين، سوريا وفلسطين، يمنعان التخلي عن جنسيتهما، وبالتالي هناك نص في القانون الألماني يسمح لمواطني مثل تلك البلدان بالاحتفاظ بجنسيتهم الأصلية إلى جانب الألمانية.