كشف استطلاع للرأي التقدم السياسي والانتخابي للجبهة الوطنية في فرنسا، وهي التشكيلة السياسية التي تتبنى خطابا متطرفا وعنصريا، ويحدث هذا لأول مرة في فرنسا، الأمر الذي يعتبره المراقبون منعطفا مقلقا في المشهد السياسي الفرنسي والأوروبي عموما، ويحمل هذا المستجد انعكاسات مقلقة للغاية على الجالية العربية المقيمة في هذا البلد الأوروبي.
ونشرت استطلاع الرأي مجلة 'نوفيل أوبسرفاتور' يوم الأربعاء 9 أكتوبر 2013، وهو من إنجاز المعهد الشهير إيفوب. ويبرز استطلاع الرأي أنه في حالة إجراء الانتخابات الأوروبية اليوم، مقررة لشهر ايار ستحصل الجبهة على 24′ متبوعة بحزب اتحاد الحركة الشعبية الذي يمثل اليمين المحافظ ليحل في المركز الثاني بـ 22′، بينما احتل الحزب الاشتراكي الحاكم 19′ متبوعا بائتلاف أودي- موديم (الحركة من أجل الديمقراطية) بـ11′ من الأصوات وجبهة اليسار بـ 10′.
ورحبت زعيمة هذا الحزب ماري لوبين بهذه النتائج، واعتبرتها مشجعة وواعدة لمستقبل الحزب الذي يريد أن يحكم في الكثير من البلديات الفرنسية.
ولا يعتبر المحللون الفرنسيون هذا التقدم في الانتخابات الأوروبية التي ستجري في شهر ايار (مايو) المقبل مفاجئا بل نتيجة عوامل متعددة منها السياسي والاجتماعي والهوياتي. في هذا الصدد، تذهب تحاليل الصحافة والخبراء الى أن ارتفاع البطالة في فرنسا نتيجة الأزمة الاقتصادية، ساعد الجبهة الفرنسية على انتشار خطابها ضد الهجرة وضد الطبقة السياسية الكلاسيكية التي لم تجدد خطابها.
في الوقت ذاته، بدأ جزء من الفرنسيين وأمام العولمة وبعض مظاهر الجاليات المسلمة يشعرون بالقلق على هوية البلاد مستقبلا، خاصة وأن البلاد تعيش بين الحين والآخر على إيقاع الجدل الحاد والمبالغ فيه بشأن الحجاب والبرقع ثم اعتقال بعض المتطرفين المنتمين الى حركات إسلامية.
ويضاف الى كل هذا تورط الكثير من السياسيين الفرنسيين ومنهم حتى الرؤساء مثل حالة جاك شيراك ونيكولا ساركوزي في فضائح سياسية ومالية وانتخابية، الأمر الذي جعل جزءا من الفرنسيين يبحثون عن البديل والذي وجدوه في الجبهة الفرنسية.
كما يأتي تقدم هذه الحركة اليمينية القومية المتطرفة في إطار تقدم هذه الحركات التي توصف باليمين المتطرف في مجموع دول أوروبا ومنها هولندا وبلجيكا واليونان وبريطانيا، إلا أنه لم يتصدر أي حزب من هذا النوع قائمة الأحزاب السياسية في أي بلد أوروبي سوى في فرنسا.
ونظرا للوزن السياسي والثقافي لفرنسا في القارة الأوروبية، فصدارة الجبهة الوطنية صاحبة الأطروحات العنصرية السياسية المشهد السياسي كقوة أولى، وهو ما يحدث لأول مرة في تاريخ فرنسا، يشكل منعطفا حقيقيا يتجاوز فرنسا الى مجموع أوروبا، لاسيما وأن أسماء بارزة أعلنت ترحيبها بهذا التقدم ومنها الممثل الشهير آلان دولون في تصريحات أول أمس لجريدة 'لوماتان' السويسرية.
ومن النتائج المباشرة لهذا التقدم المقلق للجبهة الوطنية، سيكون مزيد من ارتفاع العداء ضد الهجرة وضد الفرنسيين من أصل الهجرة ومن ضمنهم المغاربة بحكم نسبتهم الكبيرة ضمن الجاليات المهاجرة في هذا البلد، وفي الوقت ذاته، تبني الأحزاب الكلاسيكية خطابات عنصرية نسبيا في محاولة لاستمالة الناخبين المتطرفين.
وتدعو الجبهة الوطنية الى التقليل من الهجرة واتخاذ إجراءات تنص على ترحيل المهاجرين وإعادة النظر في منح الجنسية الفرنسية للمهاجرين والخروج من العملة الأوروبية الموحدة اليورو.
ويخلف الحدث جدلا واسعا وسط الطبقة السياسية الفرنسية، إذ يشكل ناقوس خطر، كما يخلف جدلا واسعا في شبكات التواصل الاجتماعي بين مرحب بهذا التطور ويعتبره بمثابة عودة فرنسا الى الفرنسيين، وبين مندد بعودة ما يصفها بالفاشية الجديدة.
عن جريدة القدس العربي