ثلة من المهاجرين الأفارقة ومثلهم من المواطنين المغاربة يجتمعون بمحاذاة أحد "مراكز الاتصال" في الدارالبيضاء، في مشهد يفصح عن انسجام ودي بينهم.
هكذا وجدتهم "المغربية" عند الاقتراب منهم للاستفسار عن أوضاع هؤلاء الأفارقة المقيمين بالمغرب، ولأن تعايشهم مع الحياة في البلد بلغ درجات ألغت الشعور بالاغتراب، كان حديثهم ينم عن ارتياح واضح، عبروا عنه بالقول إننا "تعودنا العيش وسط المغاربة رغم بعض الصعوبات التي واجهتنا في البداية، لكننا في كل الأحوال أشد اطمئنانا على أنفسنا في كنف المجتمع المغربي المنفتح على الثقافات المختلفة".
بما أن هناك تدابير ستتخذ لفائدة المهاجرين المقيمين في المغرب، فالأفارقة بدورهم يحبذون هذا القرار الذي سيعزز حقوقهم كمهاجرين اختاروا المغرب كوجهة لمتابعة الدراسة والعمل، حسب ما استنتجته "المغربية" من الحديث مع بعض الأفارقة القادمين من السنغال.
لم يقتصر وجود هؤلاء بالمغرب على الدراسة ثم الرجوع إلى ديارهم، بل إن الكثير منهم استطاع أن يوفق بين الدراسة والعمل، ليشرعوا بمجرد دخولهم المغرب في إعداد الوثائق المطلوبة كطلبة للحصول على وثيقة الإقامة لمدة سنة قابلة للتجديد.
عندما يتعلق الأمر بتحقيق مستقبل ناجح، فإن المرء يسعى إلى ذلك بتفان حتى لو كانت إمكاناته الفكرية والمادية محدودة، لهذا فإن هؤلاء الأفارقة حسب، ما استنتجته"المغربية"، يصرون على أن يكون استقرارهم بالمغرب مريحا على النحو الذي يشجع على الدراسة والعمل ودفع النفقات اليومية للكراء والمأكل والملبس وكل ما يجعل منهم جالية تمثل بلدانها في أحسن صورة.
فالأفارقة الذين حكوا لـ"المغربية" بلغة فرنسية بسيطة وبلهجة مستجيبة للأسئلة المطروحة عليهم، كشفوا بشكل ضمني عن صراعهم المستمر مع لقمة العيش بالمغرب، فالوجود ببلد آخر غير مسقط الرأس ليس سهلا، مهما توفرت التسهيلات والامتيازات، وهم مدركون لهذا، لكن تعاطيهم مع المغاربة بشكل انسجامي، خفف عنهم وطأة الاغتراب.
إن الإقرار بأن المغرب هو الوجهة المفضلة للعديد من الأفارقة لأسباب متعددة، والشعور بالأفضلية التي يوليها المغرب للمهاجرين المقيمين فيه، هو ما قاد الكثيرين من الأفارقة على اختيار الدراسة بجامعاته ومعاهده ثم السعي للعمل فيه، رغم بعض الإكراهات التي قد تواجه أي مغترب عن بلده، إنها إكراهات أقل حدة في المغرب مقارنة مع باقي الدول، وفق ما ذكره بعض السنغاليين، لـ"المغربية"، بأسلوب يؤكد أنهم متقبلون للحياة فيه بتجاوب تام.
كثير من المهاجرين الوافدين على المغرب، لا يحبون تعريض حماسهم في متابعة الدراسة بالمغرب إلى الفشل، لهذا يحرصون على الالتزام بالقوانين المتعارف عليها في ما يخص الهجرة، وحسب ما ذكره بعض السنغاليين، فإنه مجرد وصولهم إلى المغرب يحصلون على مدة إقامة تتحدد في ثلاثة أشهر مختومة على جوازات سفرهم، وخلال هذه المدة يتوجب عليهم جمع الوثائق المطلوبة المخولة للحصول على الإقامة، اعتمادا على شهادة مدرسية مصادق عليها من الوزارة الوصية، ومراجعة من قبل قنصليات بلدانهم، ولأن الاستقرار يتطلب مقرا للسكنى، فإنهم يسارعون إلى كراء غرفة أو شقة يتقاسمها أكثر من اثنين، حسب الإمكانيات المادية المتاحة، ومن ثمة عليهم الإدلاء لدى السلطات الأمنية بوثائق تتعلق بالشهادة المدرسية أو شهادة العمل وعقد كراء وشهادة طبية ووثيقة السجل العدلي، وبعد الفحص والتدقيق في هوية المرشحين للحصول على الإقامة لمدة سنة، يتم تسليمها لهم، مع قابلية التجديد في حالة استمرار الشروط نفسها.
ويبدو أن المهاجرين الأفارقة يعيشون خلال هذه الفترة انشراحا كبيرا، بعد تداول أخبار تسوية أوضاعهم وجميع المهاجرين المقيمين في المغرب وفق أبعاد إنسانية وحقوقية واجتماعية، تخول لهم ظروف عيش كريم بالمهجر (المغرب)، تطبعه سمات التعايش وتبادل الثقافات والتسامح الديني.
وكان أنيس بيرو، الوزير المكلف بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة، أعلن، أخيرا، أن الإجراءات التي أعلن عنها المغرب لتسوية وضعية الأجانب المقيمين بصفة غير قانونية، تعكس الإرادة الملكية القوية والانخراط الراسخ لصاحب الجلالة الملك محمد السادس في حماية حقوق الإنسان.
وأضاف بيرو، خلال ندوة صحفية، حضرتها "المغربية"، أن هذه الإجراءات ترتكز على مقاربة حقوقية قائمة على مقتضيات الدستور الجديد للمملكة، وفي احترام لدولة القانون، وبما ينسجم مع الالتزامات الدولية للمغرب.
وأشار بيرو إلى المرتكزات الأساسية لهذه السياسة التي تتمثل في توطيد وإغناء الرصيد العميق للمغرب كبلد لحسن الضيافة والاستقبال، والتعايش بين مختلف الثقافات والأديان، ومعالجة مختلف الجوانب المرتبطة بالهجرة وفق مقاربة إنسانية وشاملة تتوافق مع دستور المملكة والقانون الدولي، وفي إطار تعاون متجدد مع مختلف الشركاء الأجانب والمنظمات المعنية، وكذا إعداد استراتيجية مندمجة وشاملة لاندماج المهاجرين واللاجئين.
من جهته، أكد حصاد أن هذه العملية الاستثنائية لتسوية وضعية الأجانب المقيمين بصفة غير قانونية بالمغرب تعتبر "قرارا سياسيا" للمغرب، وتندرج في إطار الإرادة القوية التي عبر عنها المغرب لمعالجة إشكالات الهجرة، مشيرا إلى وجود ما بين 25 ألفا و40 ألف مهاجر غير شرعي أغلبهم من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء.
من جهة أخرى، أعلنت الوزارة المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة، في بلاغ لها، عن تنظيم عملية استثنائية لتسوية وضعية الأجانب المقيمين بالمغرب بصفة غير قانونية، ابتداء من فاتح يناير المقبل إلى غاية 31 دجنبر لسنة 2014.
وسيجري إحداث مكاتب للأجانب تتوفر على الوسائل البشرية والمادية الملائمة على صعيد كل عمالة وإقليم بالمملكة، من أجل تسليم والتأشير على طلبات تسوية الوضعية القانونية.
شروط تسوية الوضعية
تهم العملية الاستثنائية لتسوية وضعية الأجانب المقيمين بالمغرب بصفة غير قانونية، الأجانب المتزوجين من مواطنين مغاربة والذين يتوفرون على ما يثبت ما لا يقل عن سنتين من الحياة المشتركة، والأجانب المتزوجين من أجانب آخرين مقيمين بصفة قانونية بالمغرب والذين يتوفرون على ما يثبت مدة لا تقل عن أربع سنوات من الحياة المشتركة.
كما ستشمل العملية الاستثنائية تسوية وضعية الأطفال المولودين في إطار حالتي الزواج السالفي الذكر، والأجانب الذين يتوفرون على عقود عمل فعلية لمدة لا تقل عن سنتين والأجانب الذين يتوفرون على ما يثبت إقامتهم بالمغرب لمدة لا تقل عن خمس سنوات متواصلة، والأجانب المصابين بأمراض خطيرة والموجودين بالتراب الوطني قبل تاريخ 31 دجنبر 2013.
وأكد بلاغ وزارة الهجرة أن العملية ستجري بتعاون وثيق مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان والمندوبية السامية لحقوق الإنسان.
مامادو: لا أشعر بالتمييز من المغاربة
حين استفسرت "المغربية" مامادو (27 سنة، متزوج)، يقيم بالمغرب منذ 3 سنوات، قادما إليه من السنغال عن وضعه الاجتماعي والنفسي، قال بنبرة هادئة إنه "يعيش مثل أي مواطن مغربي، بحكم اختلاطه مع المغاربة في العمل بشكل ألغى لديه التفكير أنه مواطن أجنبي عن البلد، إذ ربط علاقات تعارف مختلفة، اتسعت مساحتها بالاستقرار الاجتماعي، باعتباره الآن متزوجا ويكتري بيتا ليزاول أنشطتها اليومية على نحو عاد ومريح.
وذكر مامادو أنه درس قبل ثلاث سنوات بكلية ظهر المهراز" بفاس، لينتقل إلى الدارالبيضاء للعمل بمركز الاتصال منذ شهرين مستفيدا من خبرته في المعلوميات، ولم يجد ما يشوش على حياته اليومية بالمغرب، وهو محاط بأصدقائه المغاربة والسنغاليين والقادمين من دول إفريقية، أخرى مثل مالي وساحل العاج".
وعبر مامادو عن إعجابه بالتسامح الذي يتميز به المجتمع المغربي، لهذا فهو يفكر حاليا في مواصلة الحياة بالمغرب مادام يتوفر على مدخول شهري استنادا على عمله بمركز الاتصال، مشيرا إلى أن أغلب رفاقه من الأفارقة تعودوا على العادات المغربية، ووجدوها مناسبة لميولاتهم الفكرية واختياراتهم الشخصية.
مريمة: المغرب بلد مضياف
أما مريمة فايي (23 سنة)، فتروي لـ"المغربية" أنها تقطن بالمغرب ما يقارب 10 أشهر، وهي تستقر به مؤقتا إلى حين تحقيق حلم الانتقال إلى بلجيكا، لهذا فهي حريصة على العمل بأحد "مراكز الاتصال" لسد حاجياتها اليومية وحتى لا تكون عبئا على المغرب وعلى والديها اللذين تكفلا بتكاليف الدراسة في المغرب قبل فترة من عملها بالمركز.
ولم تخف مريمة حرصها على تمثيل بلدها السنغال أحسن تمثيل عبر الالتزام بقوانين المغرب واحترام ضوابطه، وهو الأمر الذي ساعدها على أن تعقد علاقات اجتماعية مع زميلاتها وزملائها في العمل، معززا ذلك بوجود رفاقها من السنغال على نحو كبير ألغى لديها الشعور بالاغتراب.
وذكرت مريمة، أنها اختارت المغرب كوجهة للدراسة، بسبب الإقبال الكبير عليه من قبل جميع المواطنين الأفارقة، وما تداوله هؤلاء بأن المغرب هو بلد مضياف يحرص على خدمة المواطنين الأجانب المقيمين فيه، بشكل لا يميزهم عن المواطنين المغاربة.
وبحكم المدة الوجيزة التي قضتها مريمة في الدارالبيضاء، وجدت أن شروط الحياة المتاحة في المغرب تؤهلها إلى مواصلة العمل بمركز الاتصال إلى حين الانتقال إلى بلجيكا.
موري: انسجمت مع عادات المغاربة
بابتسامة عريضة تكشف عن اطمئنان داخلي، حكى موري، (26 سنة)، قادم من السنغال، أنه يدرس حاليا التسيير الإداري، وقد أدلى بالوثائق المطلوبة منذ فترة قصيرة للحصول على الإقامة في المغرب، حتى يتسنى له مواصلة العيش بالبلد إلى حين إنهاء الدراسة، في حين يعمل بمركز الاتصال لسد بعض النفقات اليومية رغم تكفل أسرته بمصاريفه.
ولم يجد موري، ما يضايقه بالمغرب، خاصة أنه يعيش وسط رفاقه الأفارقة الذين توافدوا على المغرب بأعداد كبيرة، إلى حد عزز ارتياحه وانسجامه مع طبيعة الحياة بالمغرب.
ولم يغفل موري التعبير عن إعجابه بعادات المغاربة، إلى حد تعلم فيه بعض الكلمات باللهجة المغربية، يطيب له أن يرددها بين الفينة والأخرى مع أصدقائه المغاربة، حتى يشعر مع نفسه أنه واحد منهم، بعدما باعدت بينهم قبلا الحدود الجغرافية، لتوحدهم اليوم الأبعاد الإنسانية وهو يعيش وسطهم بتفاعل تام.
وقال موري لـ"المغربية" إنه يحاول تعلم حتى الكتابة باللغة العربية، من شدة إعجابه بها، خاصة أن أصدقاءه المغاربة برهنوا له في أكثر من مناسبة أن المغرب بلد مضياف بامتياز.
المصدر/ جريدة الصحراء المغربية