شكا الزعيم البريطاني ديفيد كاميرون أثناء حديث له مع "فاينانشيال تايمز" في الأسبوع الماضي، من أن الحدود المفتوحة بين دول الاتحاد الأوروبي: "سببّت أكبر هجرة في أوروبا في أوقات السلم". بحكم كونه رئيساً لوزراء بريطانيا، يجدر به أن يعرف أنه لا أحد في الاتحاد الأوروبي، يهاجر أكثر من البريطانيين.
يعيش اليوم عدد كبير يصل إلى 4.7 مليون مواطن بريطاني خارج بلادهم، وذلك حسب تقرير للبنك الدولي صدر في عام 2011. أما البلدان التي تأتي بعد المملكة المتحدة، فهي ألمانيا وإيطاليا، ولكل منهما 3.5 مليون مواطن يعيشون في الخارج، ثم تأتي بعدهما بولندا التي يعيش خارجها 3.1 مليون مواطن.
بداية يجب الاعتراف بأنه ليس كل البريطانيين هاجروا إلى بلدان أوروبية أخرى، لأن أستراليا أكثر الوجهات المحببة لدى المهاجرين من المملكة المتحدة، كما يوجد الكثير من الذين استقروا في أماكن أخرى في الاتحاد الأوروبي.
قال كاميرون إن مليون مهاجر جاءوا من أوروبا الوسطى والشرقية إلى المملكة المتحدة. يعيش نحو 800 ألف مواطن من المملكة المتحدة في إسبانيا و400 ألف في فرنسا، وذلك حسب أرقام نشرتها وزارة الخارجية البريطانية.
السياسيون من كل الأحزاب الذين شعروا بالقلق من اليمين المتطرف، يهاجمون الآن حق الناس في الانتقال والبحث عن عمل. ومن غير المؤكد إن كان هذا سيستنزف الدعم للأحزاب المتطرفة.
هناك حجة لمصلحة الهجرة والحدود المفتوحة بين دول الاتحاد الأوروبي. وحيث إن بعض المستفيدين الرئيسين من هذه الهجرة هم من قادة الأعمال، يجدر بهم عرض هذه الحجة، إذا لم يكن السياسيون راغبين في ذلك.
على أن كاميرون محقّ في بعض النواحي. ببساطة لا يحق لأحد الوصول إلى بلد آخر ثم يطالب بمنافع البطالة أو السكن. يدعمه في موقفه من هذا المبدأ حكومتا فرنسا وألمانيا. لكي تتلقى مثل هذه المنافع، عليك أولاً أن تكون قد ساهمت في ذلك. هذا على الأقل ما يقتضيه واجب الإنصاف.
أما إذا طالبت بحقك في العمل في دولة آخرى، فسيصبح من حق الآخرين في ذلك البلد المطالبة بذلك في بلدك. وهذا على الأقل ما يقتضيه واجب الإنصاف كذلك. يعترض كاميرون على هذا، ويقول إن حرية التنقل، وهي إحدى المبادىء الرئيسة في الاتحاد الاوروبي، يجب أن تعود إلى "أساس أكثر معقولية".
كان الباعث وراء هذا البند هو أن البلغاريين والرومانيين الذين انضموا إلى الاتحاد الأوروبي منذ سبع سنوات، سيحق لهم في كانون الثاني (يناير) العمل في أي مكان في الاتحاد. وبعد وصول البولنديين ومواطنين من بلدان أخرى في الاتحاد الأوروبي في السنوات القليلة الماضية، هناك شعور بالقلق لدى الناس من حدوث تدفق جديد.
وكما بينت وجهة نظري من خلال هذه المقالات وفي "تويتر" فقد كان لمواطني المملكة المتحدة نصيب في ذلك، إن لم يكن أكثر من ذلك، في الاستفادة من حرية الحركة في الاتحاد الأوروبي مثل غيرهم من الأوروبيين، وأنا مطلع على الحجج المضادة لذلك.
ادعى أحد المستجيبين لتعليقاتي على "تويتر" أن هناك خللاً في المسألة. لقد قال إن المحترفين والفنيين البريطانيين هم من يغادر المملكة المتحدة، بينما يصل إليها المهاجرون غير المهرة. وعندما سألته عن المصدر الذي اعتمد عليه في قوله ذلك، "اعترف بأنها أقاويل ومشاهدات" سمعها ورآها حوله بنفسه.
كان المستجيب لكتابتي على "تويتر" محقاً حول مستوى مهارات البريطانيين المغادرين. ذكر تقرير لوزارة الداخلية حول من هاجروا من المملكة المتحدة (إلى كل الدول وليس فقط إلى الاتحاد الأوروبي) في عام 2010 أن 48 في المائة منهم كانوا من "المهنيين المحترفين أو المديرين"، هذا على الرغم من مغادرة الكثيرين عندما يصبحون متقاعدين. كما ذكر تقرير صدر عن وزارة الداخلية أن 9.2 في المائة من المتقاعدين في المملكة المتحدة في عام 2009، كانوا يعيشون في الخارج.
أما بالنسبة للقادمين إلى المملكة المتحدة فقد ذكرت وزارة الداخلية أن وظيفتهم الرئيسة هي الأعمال "اليدوية أو المكتبية"، وكانت "لديهم معدلات عالية من البطالة، وأن سبب قدومهم الرئيس كان العمل".
وقال أحد المعارضين لي في النقاش على "تويتر": "نحن لا نريد إيقاف الهجرة. نحن نريد إيقاف غير المرغوب فيهم". من المحزن حقاً أن تجد لكل مجموعة من المتحاورين فئة لا يحبونها. بعض من هؤلاء بريطانيون موجودون في إسبانيا. لكنهم أقلية، أينما كانوا، ويجب أن يتعامل معهم القانون الجنائي، سواء ارتكبوا جرائم احتيال أو يتسولون بطريقة نشطة.
أشار كاميرون إلى أن الاتحاد الأوروبي اليوم "مختلف جداً عن الاتحاد الذي كان عليه منذ 30 عاماً" من حيث أنه يشتمل على "تفاوت هائل في الدخل".
أذكر قبل 30 عاماً، أن المملكة المتحدة، كانت واحدة من أفقر الدول فيما كان يسمى حينها بالمجتمع الاقتصادي الأوروبي. التجارة وحرية التنقل تقدمان ثراءً عظيماً للدول. كان الإثبات على ذلك هو أول موجة من البلدان الشيوعية السابقة الداخلة إلى الاتحاد الأوروبي. وكذلك المملكة المتحدة.
قال أحد من جادلوني على "تويتر" إنه "يستطيع العيش" مع فكرة تخلي البريطانيين عن حقهم بالهجرة، مقابل وقف الهجرة إلى بريطانيا.
كيف سيكون ذلك؟ حتى لو تركت بريطانيا الاتحاد الأوروبي وانضمت إلى النرويج في رابطة التجارة الأوروبية الحرة، فستجد أن عليها أن تقدم لمواطني الاتحاد الأوروبي الحق في البحث عن عمل داخل بريطانيا. يمكن أن تكون الهجرة مزعجة وغير مريحة. لكن البلد الذي يغلق حدوده يدير ظهره للعالم ولفرصه في الرخاء.
مايكل سكابنكر من لندن