يجد "الجيلالي" المعروف أيضا باسم "جيلو" نفسه على وشك أن يطرد من بلجيكا نحو بلده الأم المغرب، عندما يلقى به على متن طائرة وهو محاط بشرطيين يستعيد ذكريات طفولته وحياته في أوروبا كمهاجر سري، في مونولوغ مؤثر بمسرحية "باي باي جيلو" لمسرح الحارة الفلسطيني
تتوالى المشاهد في المسرحية -التي عرضت ببروكسل في إطار جولة أوروبية- ليبحر المشاهد في مغامرة مليئة بالمفاجآت بلهجة تجمع الكوميديا وجدية لا تجنح إلى الماساوية، لأن الجيلالي يسعى من خلال هذه الاستعادة إلى الشفاء من حلم أو كابوس.
يتوقف البطل عند كل مراحل حياته كمهاجر غير شرعي، بدءا باستعباده من قبل عمه وزوجته، مرورا بتجارب كثيرة فاشلة، ووصولا إلى خيبة أمله الكبيرة في الحب، ليخرج من هذه المأساة أكثر نضجا وحرية.
الهجرة والعودة
اختير نص المسرحية من ضمن ثلاثمائة نص من عشر دول عربية في إطار مشروع "النص المسرحي العربي المعاصر"، وهو مشروع أوروبي يهدف إلى تشجيع الدراما المعاصرة في العالم العربي، ويسعى إلى دعم إخراج وإنتاج المسرحيات والعروض المسرحية العربية في حوض البحر الأبيض المتوسط وأوروبا.
ويقول مخرج العمل "بشار مرقص"، وهو من مسرح الحارة الفلسطيني للجزيرة نت "معالجتي لقضية جيلو، المهاجر السري المغربي لم تكن خالية من التوتر، فهي من الناحية الفعلية معاكسة لقضيتي كفلسطيني، جيلو حلم بالهجرة من الوطن لا العودة إليه، في حين تشكل العودة حلما بالنسبة للفلسطيني".
ويضيف مرقص "أنا وجيلو تشابهنا في فقدان الهوية، والتقينا في هذا السؤال الدائم والملح لبناء ما خسرناه من هوية، ولعل طه عدنان في نصه (باي باي جيلو) قدم لي ولطاقم المسرحية من ممثلين وفنيين شخصية لم يبقَ لها من الحياة إلا الذاكرة".
ذاكرة غير متزنة تتناحر فيها الأسئلة والأحلام والرغبات والخيبات حاول مرقص نقلها إلى خشبة المسرح، وتحويلها من صراع داخلي إلى صراع مسرحي، كما يقول المخرج، الذي تعامل مع النص بشكل حر، إذ حول بطل المسرحية "الجيلالي" إلى ثلاث شخصيات.
جيلو المتعدد
ويقول كاتب المسرحية طه عدنان للجزيرة نت "فوجئت عندما أخبري المخرج بشار مرقص بأن دور جيلو بطل المسرحية سيؤديه ثلاثة ممثلين، جيلو متعدد! هل لأن الترحيل الذي عاشه جيلو -وبشكل فردي- قد كابده الفلسطينيون بشكل جماعي؟ لا أدري، كنت متوجسا أول الأمر" .
ويضيف عدنان "ظللت مقتنعا بأن السفر من النص إلى العرض قد يخفي العديد من المفاجآت، ولكي تترك لنص من تأليفك أن يفاجئك، يجب أن تعطي للقراءة الإخراجية ما يلزمها من حرية، وقد استثمر طاقم مسرح الحارة هذه الحرية بطريقة مبدعة، ووفق في إيجاد النبرة المناسبة التي جعلت تعدد الأصوات يكثف العزلة بشكل فني بديع".
لاقت المسرحية استقبالا جيدا من قبل الجمهور العربي في بروكسل، كما في جل المدن الأوروبية، نظرا لمضمونها المؤثر، فموضوع الهجرة ومعاناتها لم يستثمر بعد إبداعيا بشكل كبير من قبل المبدعين العرب في المهجر.
ويشير "حميد" الذي حضر عرض المسرحية إلى أن "جيلو ليست فقط شخصية مسرحية، هي تذكرنا بأشخاص كثيرين التقيت بهم يحملون هذه المعاناة، إنه تذكير بواقع حقيق مر، وأن يكون طاقم المسرحية فلسطيني فهذا يمنح النص بعدا آخر أكثر عمقا".