ابتداءً من صباح اليوم الأربعاء، صار بإمكان أبناء الجالية المغربية المُقيمة بالخارج، في جميع بلدان الإقامة، أن يتعلموا اللغة العربية والثقافة المغربية، عن بُعد، وذلك بعد إطلاق برنامج تعلم اللغة العربية عبر شبكة الانترنت، صباح اليوم بمدينة الرباط، من طرف مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج.
وقال عمر عزيمان، الرئيس المنتدب لمؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج، الذي أعطى انطلاقة البرنامج، إنّ إطلاق برنامج تعلم اللغة العربية لفائدة أبناء أفراد الجالية المغربية المقيمة بالخارج، الذي تزامن مع الاحتفال باليوم العالمي للمهاجر، يأتي في إطار التزام الدولة بخدمة الجالية المغربية المقيمة بالخارج، والدفاع عن حقوقها، والتجاوب مع مطالبها وانتظاراتها، ومن أجل تمتين الروابط بين مغاربة الخارج ووطنهم الأصلي، سِيَما من خلال تدريس اللغة العربية والثقافة المغربية.
وأضاف عزيمان أنّ تعليم اللغة العربية والثقافة المغربية لأبناء أفراد الجالية المقيمة بالخارج يأتي في ظلّ تأكيد المسؤولين في الدول الأوربية على أن تدريس اللغة العربية لا يعرقل اندماج المهاجرين في بلدان الاستقبال، بل يساهم في الاندماج الحرّ، وأصبحوا يؤيّدون هذا التعليم ويطالبون بتقويته وتعزيزه داخل المدارس الحكومية في بلدانهم.
من جانبه قال وزير التربية الوطنية رشيد بلمختار، إنّ الأطفال المغاربة المقيمين في الخارج بحاجة إلى تعلّم اللغة العربية والثقافة المغربية، وأضاف أنّ موضوع تدريس اللغة العربية والثقافة المغربية لأبناء الجالية المغربية المقيمة بالخارج، سيكون مندرجا ضمن المحاور التي سيتناولها مع نظيره الفرنسي في لقاء سيجمعهما خلال شهر فبراير القادم.
بدوره قال رئيس مجلس الجالية المغربية المقيمة بالخارج، إدريس اليزمي، إنّ هناك انتظارات كثيرة للجالية المغربية في الخارج، في مجالات الثقافة والدين والهوية، مضيفا أنّ إطلاق برنامج تعلم اللغة العربية والثقافة المغربية عن بعد يأتي في ظرف يتّسم بحدّة النقاش في بلدان الاستقبال حول المهاجرين، وتنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا؛ وأوضح اليزمي أنّ البرنامج يعتبر منعطفا أساسيا في إطار تقوية الروابط بين أبناء الجالية المغربية المقيمة بالخارج وبلدها الأصليّ.
ويهدف برنامج تعلم اللغة العربية والثقافة المغربية عن بعد، حسب مدير القطبية بمؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج، إبراهيم عبار، إلى أن يكون "رافدا من روافد صيانة الهوية المغربية، ووسيلة أساسية لإثراء الحمولة الوطنية الثقافية والروحية الموحّدة للجالية المغربية في الخارج، ويجسد المرجعيات ويختزل مكونات الهوية المغربية، بجميع روافدها الوطنية، ثقافية كانت أو حضارية أو دينية".
وأضاف أنّ تعليم اللغة العربية والثقافة المغربية له مكانة متميزة لدى الجالية المغربية، ويأتي في صدارة قائمة متطلباتها ويحظى باهتمام مختلف الفعاليات، حيث تشبثت به الجالية منذ السبعينيات، خصوصا بعد تواتر التجمع العائلي، وأنّ إطلاق برنامج التعلم عن بعد يعتبر تكريسا لحق الفرد الطبيعي في تعلم لغته الأصلية، حسب ما تنصّ عليه المعاهدات الدولية، وتضمنه الاتفاقيات الثناية، كما أنه يأتي في إطار تمتين العلاقة بين مغاربة الخارج ووطنهم الأصلي.
وحول وضعية تعليم اللغة العربية والثقافة المغربية لأبناء الجالية المغربية في الخارج حاليا، قال عبار إنّ التعليم قطع عدة مراحل في إطار التدبير الإداري، حيث انتقل من مرحلة انتقالية كان مسندا خلالها إلى الوكالة المغربية للتعاون الدولي، قبل أن تتسلمه مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج منذ 1991.
ويهمّ تعليم اللغة العربية والثقافة المغربية لأفراد الجالية حاليا، حسب عنبر، أربع فئات، الفئة الأولى تهمّ الأطفال ما قبل مرحلة التمدرس، والتي لا تتجاوز 1.25 بالمائة، ثم التعليم المندمج، الذي يُدرّس داخل المؤسسات التعليمية النظامية في أوقات الدراسة الرسمية، والذي يمثل 14 في المائة، ثم التعليم المُدرّس في المؤسسات التعليمية النظامية خارج أوقات الدراسة، ويمثل 56 في المائة، ثم التعليم الذي يتأتّي من خلال مبادرات أخرى تقوم بها الجمعيات، ويسمى التعليم الموازي والذي يدرس في مقرات الجمعيات، ويمثل 26 في المائة.
ويبلغ عدد أساتذة اللغة العربية والثقافة المغربية في الخارج 550 أستاذا، من بينهم 14 في المائة من الاناث، "وهي بعثة آخذة في التكاثر منذ استلام مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج لهذه المهمّة"، حسب عبار، الذي أوضح أنّ البعثة التي تسهر على تعليم أبناء الجالية لها تكوين عالٍ، إذ يتوفر الأساتذة على دبلوم مهني وعلى الإجازة بنسبة 100 بالمائة.
وفيما يخصّ التوزيع الجغرافي لأفراد البعثة، تستحوذ فرنسا على نصيب الأسد في عدد الأساتذة، إذ تتمركز فيها نسبة 65 في المائة منهم، تليها إسبانيا بـ16 في المائة، ثم بلجيكا بنسبة 12 في المائة، فيما تتوزع 7 في المائة المتبقية على مجموعة من بلدان إقامة الجالية؛ وعلى غرار الأساتذة، فإنّ النسبة الأكبر من أبناء الجالية المستفيدين من تعلم اللغة العربية والثقافة المغربية تتمركز بدورها في فرنسا، حيث تصل النسبة إلى 66 بالمائة، ثم بلجيكا بـ14 في المائة، ثم إسبانيا بنسبة 12 في المائة، فيما تتوزع 8 بالمائة المتبقية من المتعلمين على بلدان أخرى.
وبخصوص المؤسسات التعليمية التي يتمّ فيها التعليم، تأتي مؤسسات التعليم الحكومية في الصدارة، إذ يصل عددها إلى 2411 مؤسسة نظامية، ثم المساجد والجمعيات بـ541 مقرا؛ وعلى الرغم من كون أغلبية بعثة تدريس اللغة العربية والثقافة المغربية تتركز في فرنسا، إلا أنّ إبراهيم عبار، أكد أن حاجيات أفراد الجالية لم تُلبّ بنسبة مائة في المائة، لكون التركيز يتم في مناطق معينة، فيما تعاني مناطق أخرى من الخصاص.
ويبلغ معدل ساعات العمل بالنسبة للأساتذة، حسب الأرقام التي قدمها مدير القطبية بمؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج 20 ساعة في الأسبوع كمعدّل عام، ويشرف كل أستاذ على تعليم 60 طفلا في التعليم النظامي، و 96 طفلا في التعليم الموازي، الذي يتّسم بالاكتظاظ، في حين يبلغ معدل المؤسسات التعليمية النظامية لكل أستاذ 4 مؤسسات، ويصل معدل الجمعيات إلى ستّ جمعيات.
وتشتغل نسبة 83 في المائة من الأساتذة ما بين 16 و 30 ساعة في الأسبوع، و2 في المائة يشتغلون أكثر من 30 ساعة، أما عدد أيام العمل في الأسبوع، حسب الأرقام التي قدمها إبراهيم عبار، فتتراوح ما بين 5 إلى 7 أيام في الأسبوع بالنسبة لـ79 في المائة من الأساتذة، فيما 21 بالمائة يشتغلون أقل من خمسة أيام في الأسبوع.
إطلاق برنامج تعلم اللغة العربية والثقافة المغربية عن بعد، لن يكون بديلا للنظام التعليمي الحالي، بل مكمّلا له، حسب عبد الرحمان الزاهي، الكاتب العام لمؤسسة الحسن الثاني للجالية المغربية المقيمة بالخارج، الذي أوضح أنّ البرنامج أملته ضرورة استعمال البدائل الحديثة للتواصل، من أجل تكثيف التواصل والاستفادة منه.
وأوضح الزاهي أنّ البرنامج جاء لاعتبارات عِدّة، منها تجاوز إكراهات النظام التعليمي المعتمد حاليا، والمتمثلة على الخصوص في محدودية التغطية الجغرافية، وقيود الزمان والمكان، حيث يشتغل أكثر من 90 في المائة من الأساتذة المكلفين بتدريس اللغة العربية والثقافة المغربية لأفراد الجالية المغربية المقيمة بالخارج وكذا المتعلمين في ثلاثة بلدان، "وهو ما يستدعي حلا"، كما أنّ أكثر من 70 في المائة من الأساتذة يقطعون أكثر من 50 كيلومترا من أجل الوصول إلى أماكن التدريس.
من بين الإكراهات الأخرى التي جعلت مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج تطلق برنامج تعليم اللغة العربية عن بعد، يضيف المتحدث، إكراه غياب الإطار التنظيمي بين المغرب وبعض الدول، وهو ما سيجعل البرنامج عاملا مساعدا على تجاوز هذا العائق؛ وأوضح الزاهي أنّ برنامج تعلم اللغة العربية عن بعد سيكون مكمّلا للنظام التعليمي الحالي، المعتمد على تخصيص بعثات لتعليم أبناء الجالية، وليس بديلا له.
وستكون الاستفادة من البرنامج الذي تمّ اعتماده بعد استشارة ذوي الخبرة من العاملين في الميدان، والاستشارة مع أبناء الجالية، من أجل أخذ ملاحظاتهم، على أطفال الجالية المغربية المقيمة بالخارج، مع إمكانية فتح مجال الاستفادة لجنسيات أخرى مستقبلا، حيث ستكون الاستفادة من البرنامج مرتبطة بالهوية المغربية وصفة المغربي المقيم بالخارج، كما أنّه سيكون موجَّها خلال المرحلة الأولى من التطبيق للأطفال المغاربة المقيمين بالخارج الناطقين باللغة الفرنسية.
ويركز المخطط البيداغوجي للمشروع، حسب محمد أوبلعيد، عن مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج، على عدّة أهداف أساسية، يأتي على رأسها اكتساب رصيد لغوي وظيفي يمكّن، في المقام الأول، من استعمال اللغة العربية نطقا وكتابة وفهما، من أجل التواصل مع الغير، كما أنّ البرنامج سيركّز على تنمية الكفاءات الثقافية والروحية المرتبطة بالهوية المغربية.
وبخصوص اللغة التي سيتمّ اعتمادها في التدريس، قال أوبلعيد إنها ستكون لغة عربية ميسّرة قابلة للتداول، دون الإغراق في القواعد، مع اعتماد طرائق تعليمية سهلة، يتمكّن بواسطتها المتعلّم من سماع الكلمات المقروءة والشروحات المتعلقة بالصور باللغتين العربية والفرنسية.