بالعاصمة بنما، تعيش جالية مسلمة مهمة تحرص على استمرار أداء الشعائر والتمسك بتعاليم الدين الإسلامي الحنيف، في جو من الاعتدال والتعايش مع باقي الأديان والثقافات التي تشكل فسيفساء المجتمع البنمي المعروف بتنوع أعراقه واختلاف جذوره.
ويحرص المسلمون خلال شهر رمضان الكريم على تعزيز الأواصر بين أفراد الجالية، التي يتكون جلها من مهاجرين هنود، إلى جانب أقليات عربية تنحدر من فلسطين ولبنان والمغرب وبعض الأقطار الأخرى، بالإضافة إلى العشرات من البنميين الذين اعتنقوا الإسلام خلال العقود الماضية.
وفي سبيل الحفاظ على علاقات المحبة والتعايش بين أفراد الجالية المسلمة بالعاصمة بنما، تنظم المؤسسة الإسلامية البنمية إفطارا جماعيا بالمسجد الكبير مع نهاية كل يوم، يفد إليه المسلمون، وأحيانا يشاركهم الإفطار أفراد من نحل وعقائد أخرى، بعضهم يجلبهم الغذاء، والبعض الآخر يدفعهم الفضول إلى التعرف على عادات المسلمين خلال شهر الصيام.
ويتنافس المحسنون على تنظيم موائد الإفطار بشكل دوري طيلة رمضان، كشكل من الإحسان للتقرب إلى الله في هذا الشهر الفضيل، وهي موائد وإن كانت زهيدة في محتوياتها، إلا أن دفء اللقاء والاجتماع والحديث يغذي الروح قبل ان يغذي الطعام الجسد.
فموائد الإفطار الجماعي بالعاصمة بنما تعكس نمط عيش المسلمين الهنود المتميز بالزهد والتقشف. بإحدى قاعات مقر المؤسسة الإسلامية ببنما، يفترش العشرات من الصائمين الأرض قبيل آذان المغرب، حيث يقدم للصائم إفطار به بضع ثمرات وحليب وبعض الحلوى مباشرة بعد رفع آذان المغرب.
بعض أفراد الجالية العربية يفضلون الإفطار بشكل جماعي في عدد من المطاعم العربية المنتشرة بالعاصمة بنما، وهي مناسبة للتلاقي كل مساء من أجل الحديث وتجديد روابط الصداقة واستحضار ذكريات بطعم الحنين إلى الوطن، وإلى أجواء رمضان بالبلدان العربية، التي وإن كانت تختلف من قطر لآخر، إلا انها لا تخلو من روحانية عز نظيرها.
ويؤكد سعيد، مغربي مقيم بالعاصمة بنما منذ حوالي 24 سنة، أنه اعتاد على قضاء رمضان بهذا البلد في جو من الروحانية والتعبد، ما يجعله يقل من العمل أثناء النهار والأكل وقت الإفطار قبل التوجه إلى مسجد لأداء صلاتي العشاء والتراويح جماعة، كما يحرص على الاجتماع ببعض أصدقائه المغاربة والعرب لتزجية الساعات الأولى من الليل في انتظار السحور.
لكن بمدينة كولون، الواقعة على الطرف الآخر من قناة بنما بمدخلها من جهة المحيط الأطلسي، توجد جالية عربية مهمة تتكون من مهاجرين حلوا ببنما قبل عقود وانصهروا في مجتمعها مع محافظتهم على تقاليدهم وثقافتهم، يساعدهم في ذلك المركز الثقافي الإسلامي الذي يحرص كل رمضان على تنظيم أنشطة متنوعة لمسلمي المدينة.
ففضلا عن تلقين الراغبين في حفظ القرآن الكريم بعضا من الآيات والسور خلال هذا الشهر الفضيل، ينظم المركز مبادرات خيرية لفائدة السكان المحتاجين بهذه المدينة المطلة على الكاريبي، كما يحرص المسؤولون عن المركز على تنظيم إفطار جماعي للمسلمين أواسط الشهر الكريم، وهو لقاء يدعى إليه المسؤولون بكولون وبالحكومة المركزية.
ويتوفر المركز على إذاعة على الانترنت تعمل طيلة شهر رمضان على بث القرآن الكريم وبعضا من الدروس الدينية والابتهالات والأذكار، بالإضافة إلى تقديم وعظ وشرح مفصل لأحكام الدين وبعض النوازل الذي قد تعترض المهاجرين في حياتهم بهذا البلد.
ليالي مسلمي بنما لا تكتمل إلا بأداء صلاح التراويح بالمساجد ال 12 وبعض أماكن العبادة المعدة لهذا الغرض بمبادرة من المسلمين، وأشار إمام جامع المؤسسة الإسلامية، الشيخ عبد القادر، إلى أن انتشار الإسلام أصبح أوسع خلال السنوات الأخيرة، فضلا عن وجود أزيد من 300 حافظ لكتاب الله بكامل تراب بنما بعد افتتاح مدرسة لتحفيظ القرآن بمنطقة "لا تشوريرا" قبل سنوات، مدرسة تستقبل الآن طلبة العلوم الدينية من كافة بلدان الكاريبي وأمريكا اللاتينية.
هشام المساوي
عن وكالة المغرب العربي للأنباء