ولد خالد شكران سنة 1966، وكان ذلك بمدينة فاس التي تلقّى بها أولى دروس تعليمه بين دروب مدينتها العتيقة ووسط أسرة محدودة في مواردها الماليّة.. كما تدرّج ضمن كافّة أشواط التمدرس إلى أن وصل إلى المستويات الجامعيّة التي اختتمها بنيل شهادة الإجازة في الأدب الإنجليزيّ.
يشغل خالد، ضمن الوقت الحاليّ، موقع مدير لوكالة بنكيّة وسط العاصمة الإسبانيّة مدريد.. لكنّه ما زال معتبرا لمساره المهنيّ غير مكتمل بعد، مفضّلا أن يفتح لنفسه آفاقا جديدة أكثر رحابة خلال المستقبل القريب.. مقرّا بأنّ حدود الأحلام هي السماء.
ظروف صعبة
الدراسة الابتدائيّة لشكران، وسط المدينة العتيقة لفاس، صاحبتها ظروف اجتماعيّة وماديّة صعبة.. إلاّ أنّه أفلح في تخطّيها خلال المرحلة الإعداديّة، بتدخّل أستاذ ملمّ بمحيطه الأسريّ ووضعه، حين ولج مؤسسة ثانويّة استفاد من داخليّتها خلال الطورين الإعداديّ والثانويّ.. وحين حصل على شهادة الباكلوريا، عام 1985، التحق بجامعة المدينة التي قضَى بها 5 سنوات.
ويقول خالد شكران إنّ حلم الهجرة، كمخرج له من صعوبة المحن الاجتماعية التي يعيش وسطها، بفعل الوضع المادّي المتواضع تحديدا، قد أثرّ على تحصيله خلال أولى سنواته الجامعيّة بشكل جعله يرسب.. حيث كان مطالبا بمساعدة أسرته أمام عدم وضوح المستقبل ما بعد المرحلة الجامعيّة.
بين مدريد وواشنطن
حين حصل خالد على الإجازة في الإنجليزيّة وأدبها كان قد وُعد بمنحدة دراسيّة تنقله صوب الولايات المتّحدة الأمريكيّة، وذلك بعد لقائه مع أساتذة وكتّاب ورجال سياسة من بلاد "العمّ سام"، كانوا قد زاروا العاصمة العلميّة للمغرب وأبدوا إعجابهم بمستوى الشاب المغربيّ الذي لاقوه وقتها.
"اختارني أساتذة جامعيون أمريكيون، بمعيّة 3 من الطلبة الآخرين، كي نكمل دراستنا بالولايات المتّحدة، وقد رحل الباقون دوني أنا الذي بقيت أنتظر إنجاز وثائقي وتدبّر إقامتي ما وراء المحيط الأطلسي.. لذلك بقي أمامي باب وحيد لكي أهاجر، ويقترن بإسبانيا التي لم تكن قد طبّقت بعد نظام التأشيرة سنة 1990" يورد شكران.
ويزيد نفس المغربيّ "اخترت التوجّهل إسبانيا في انتظار التحصل على المنحة الامريكيّة، وقد دخلت التراب الإيبيري بغرض إتمام دراسة الدكتوراه قبل التوجّه لأمريكا، لكنّي اعتدت على مقامي الجديد بعد أشهر قلائل، كما اكتشفت أن قربه الجغرافي من المغرب يلائمني كي أبقى قريبا من أسرتي التي أعينها.. عكس الرحيل إلى أمريكا الذي سيجعلني أكثر بعدا.. لذلك رفضت التنقل صوب الولايات المتحدة حين سوّيت وضعيتي، وبقيت بإسبانيا بغرض الدراسة".
شقّ المسار
زاوج خالد شكران بين مسعاه الدراسيّ ضمن التعليم العالي وخروجه إلى سوق الشغل، ففتح مجزرة إسلاميّة بمدريد حاملة لاسم فاس، مساهما بذلك في توفير حاجيات الجاليات المسلمة من اللحوم الحلال.. وبعدها دخل إلى القنصليّة المغربيّة بمدريد كمساعد اجتماعيّ.
"كان ذلك برغبة حقيقية مني لأجل الاشتغال مع المهاجرين، بحكم أني سليل أسرة فقيرة وعهدت العمل الجمعوي والاجتماعي منذ تواجدي بفاس، ما جعلني طيلة تلك الفترة أتواجد بالشارع مع مغاربة مدريد والنواحي.. لقد كان عملا استثنائيا أشاد به المغاربة وكذا الإسبان الذين اعتبروا القسم الاجتماعي بالقنصلية المغربيّة مثاليا" يقول شكران وهو يتذكّر استقدامه لمجموعة "ناس الغيوان" لتقديم أغانيها وسط سجن به نزلاء مغاربة ومغاربيون، وكذا تعامله مع عدد من الفنانين الذين كان يوظّب أمور جولات لهم ومبادرات تلاقيهم مع الجالية بالمنطقة.
ويقرّ خلاد بأنّ ضعف الإمكانيات المعتمدة للعمل الاجتماعي، وسط قنصلية المغرب بمدريد، قد كان وراء تقديمه استقالته، خاصّة وأنّ التعويضات التي كان يتلقاها لا تقل هزالة عن الميزانية المخصصة للإحاطة الاجتماعية بحاجيات مغاربة مدريد.. ويقول نفس الإطار المغربي عن ذلك: "كان العمل متعبا بطريقة أثرت على نفسيتي، بمعيّة زوجتي، فقدّمت استقالتي بعدما رأيت أنّي بذلك المجهود الذي أستطيع البصم عليه وسط ظروف غير ملائمة.. لأنخرط بعد ذلك في تنظيم مواعيد فنية وثقافيّة، عدد كبير منها كان على شكل سهرات لمّت نجوما مغاربة في مجالات الموسيقى والتمثيل.. كما ساهمت في تأسيس جمعية أطلس التي تعنَى بشؤون المهاجرين غير النظاميّين القاصرين ثمّ جاءني عرض من بنك كي أشرف على وكالة له بالعاصمة الإسبانيّة، فقبلت ذلك".
ارتياح مرحليّ
لا يخفي خالد ارتياحه تجاه ما أنجزه بين مستقرّه في فاس وعيشته بمدريد.. "قضيت أياما صعبة في بداياتي بإسبانيا، فأنا ممّن عاشوا بالشارع وأكلوا بمطاعم الدولة هنا، وعندما أرى نفسي الآن آخذ حمّاما ساخنا بعد مغادرتي فراشي صباحا، أو أنظر إلى زوجتي وأتوجّه صوب عملي القارّ، أحمد الله كثيرا.. لذلك أنا مرتاح الآن.. خاصّة وأن كفاءتي تجعلني محطّ تقدير إلى حدّ حضوري لقاءات دوليّة يحضرها رؤساء دول وخبراء من طينة باراك أوباما وهيلاري كلينتون وعدد من الشخصيات العالميّة" يورد شكران.
من جهة أخرى، يجعل خالد شكران لرضاه مجالا زمنيا يقترن بالماضي.. إذ سيترسل: "لا أريد أن أنهي حياتي وراء مكتب، جالسا على كرسي وأنا أدبر أمور وكالة بنكيّة بارتدائي ربطة عنق تخنقني.. فقد عرفني أصدقائي، كما المقرّبون منّي، وأنا رجل ميدانيّ لا تضمّني جدران.. لذلك أبتغي أن تكون مهامي المستقبلية وسط حقول الثقافة من مسرح وشعر وأصناف الفنون.. فهذه رؤيتي المستقبليّة التي أبتغي أن تكون أيضا مجاورة للمحتاجين من مغاربة العالم".
عين على إفريقيا
يرى ذات الإطار المغربيّ بأن الهجرة صوب أوروبا ينبغي أن تنحصر حاليا على المغاربة الراغبين في تحصيل تكوينات علميّة أو أولئك المراهنين على مشاريع ثقافيّة تقدّم للمغرب مكاسب كبيرة.. ويزيد بأنّ العابرين للبحر الأبيض المتوسّط من أجل العمل عليهم الاعتياد على قصد عمق القارّة الإفريقيّة لما تتوفر عليه من فرص ينبغي التحلي بالذكاء من أجل استثمارها.
"حل الأزمة الاقتصاديّة الأوروبيّة يكمن في دول الجنوب، بعيدا عن العلاقات الاستعمارية التي كانت خلال القرون الغابرة، وإنّما بناء على علاقة مستفيد ـ مستفيد.. أمّا بالنسبة للمغرب فهو يتوفر على فرص شغل، حاليا، أكثر من بلدان أوروبيّ’ عديدة.. بينما المستقبل كلّه يتواجد بإفريقيا المحتاجة فقط إلى أنفاس الديمقراطيّة وضمان العيش الكريم.. وهذا ما ينبغي التركيز عليه من قِبل من تتخطّى عيونهم أحداث الحاضر".