رغما عن صغر سنّه وسط مشاركيه فضاء الاشتغال إلاّ أنه يعدّ ذا كفاءة أكبر من عمره.. بقلب عاصمة كَاتَالُونيَا يتواجد في مسار لم يكن يعنّ على باله بالمطلق، إلاّ أن الخطوات الثابتة التي دأب على السير بها، في مساره من طنجة إلى برشلُونة، تجعله يواصل كي يغدو واحدا من كبار المتعاطين مع مجال المعلوميات.
إنّه محسن ميموني، الشاب البالغ من العمر 27 سنة حتّى الحين، وهو الذي ينحدر من مدينة البوغاز التي رأى بها النّور وتلقَّى وسطها، كأقرانه، قسطه من التعليم بمؤسسات عموميَّة أفلحت في تمكينه من أرضيَّة يراكم فوقها قادم تكويناته الحياتيّة والأكاديميَّة.
تحصّل محسن على شهاد الباكلوريا من ثانوية زينب النفزاويّة بطنجة، منهيا بذلك مساره الثانوي في شعبة العلوم التجريبيّة التي كان يختار محتوياتها الدراسيَّة غالبيَّة أبناء جيله.. وبعدها أخذ في البحث عن البوابة التي يفتتح منها مستقبله، دون أن يخال بأنّه مقبل على الدراسة بالجامعة متعدّدة التقنيات لكتالونيا، أو أنّه سيغدو مهندس معلوميات.
الفيزياء والكيمياء
يقول ميموني إنّه كان يريد، بعد إنهاء الدروس الثانويَّة، أن يقبل على دراسة المواد العلميَّة بالمرحلة الجامعيَّة، ويردف أن اختياره قد تمّ بتفضيل ما يتيحه التكوين في الفيزياء والكيمياء من آفاق رحبة ببلد من حجم المغرب، وبطموح شاب عشق هذا التخصص منذ أن تواجد بحصصه المعمَّقة أيّام التمدرس الإعداديّ.
مسار محسن سيتغيّر بعد أن رُفض طلب تسجيله الذي قدّمه لثانوية العلوم من جامعة عبد المالك السعدي، وتحديدا بشعبة الفيزياء ـ كيمياء.. إذ شكّل هذا التعاطي مفاجأة غير سارّة بالنسبة إليه، لكنّه لم ينل من عزيمته التي دفعته نحو دراسة اللغة الإسبانيَّة استعدادا لاجتياز امتحانات "سِيلِيكتِيفِيدَاد" من أجل الانتقال لاستكمال الدراسة بالضفة الشمالية من البحر الأبيض المتوسّط.
صعوبات الهجرة
حطّ محسن ميموني رحاله بالديار الإسبانيّة في عام 2007، وذلك بعد أن تخطّى امتحانات الولوج للنظام التعليمي للبلد بنجاح مشجّع له.. ملتحقا بجامعة "البُوليتِيكنِيك" لبرشلُونة.. وفاتحا بذلك على نفسه بوابة عالم جديد لا يدرك معالمه.
"كانت بدايتي صعبة، خصوصا وأن خيار الهجرة لم يكن له أدنى حضور لديّ وأنا بطنجة، حيث صادفت صعوبات لغويّة وثقافيّة كان أشدّها قسوة هو اكتشافي أن الدراسة ببرشلونة لا تتمّ إلاّ باللغة الكتلانيَّة لا الإسبانيَّة، ما حذا بي للخضوع إلى تكوين إضافيّ حتّى أستدرك الأمر" يقول ميموني.
وأفلح نفس الشاب المغربيّ في تحقيق اندماج تامّ وسط البيئة الجديدة التي تنقل إليها، بالرغم من كون بنية دفعته التكوينيّة لم تشجّع على تواصلات عميقة بين أفرادها.. ويقول عن ذلك محسن: "اخذت ما يكفي من الوقت للتأقلم مع المجتمع الكتالُوني، وقد ساعدني أساتذتي وإداريو الجامع، بالمؤسسة التي درست بها الإعلاميات، لتخطّي صعوبات التكوين.. فقد كان لهم فضل كبير في هذه الخطوة، بينما تكفلت أنا باندماجي خارج أسوار الجامعة".
انشغالات مهنيّة
أفلح ميموني، قبل مدّة من تخرّجه مهندسا في الإعلاميّات، من انتزاع مهام بعدد من الشركات التي اشتغل بها موازاة مع إنهائه للدراسة التي انخرط فيها.. وبعد إتمامه لسنوات التحصيل التحق بشركة معروفة تتوفر على فرعين لها فوق التراب المغربيّ.
"أعمل بشركة تأخذ من العتاد البحري مجالا لتدخلات اشتغالها، وأنا متواجد فيها، على وجه التحديد، ضمن مصلحة المعلوميات الخاصة بها، وأشعر بارتياح الآن ضمن هذا الموقع والإنجاز الذي أقوم به" يقول محسن ميموني بشأن موضعه المهني.
ويختص محسن، بنفس الشركة وضمن مجموعة من الخبراء، في إنشاء برامج خاصّة هي في شاكلة تطبيقات تستعمل في ضبط التدبير الإداريّ والمالي لكل تدخلات الشركة الأمّ وفروعها، مع التركيز على التجديد في البرامج ذات التخصص المحاسباتي تفاديا لأي غياب للإتقان في هذا التعاطي الحسّاس.. كما يعمل ميموني على مشروع يتيح تقاسم الوثائق والمعطيات بين المستخدمين وفق تصوّر وافقت عليه الشركة المشغّلة.
رياح المغرب
يقرّ ذات الخبير المغربي بأنّ "رياح المغرب" ما فتأت تهبّ على أشرعته، كاشفا عن حلمه بيوم عودته إلى المغرب لمواصلة مشواره المهنيّ بالنجاح الذي يرسمه في باله.. "أودّ أن أعاود الالتحاق بالمغرب، لكنّ ذلك يقترن بتطوّر مجال اشتغالي، كمّا ونوعا، فوق تراب وطني.. وما يفرملني يقترن بكون فرعي الشركة بالمغرب صغيران ولا يتوفران منصب يوافق تخصّصي" يورد ميموني.
وإن كان محسن يقر بدور موقعه المهني الحالي في إكسابه المزيد من التجربة، إلاّ أنّه يكشف عن طموحه بالرفع من مستواه التكويني والأكاديمي من أجل تحقيق تطور شخصي ومهني، ويقول عن ذلك: "أطمح في الانخراط ضمن اشتغالات بديلة أكثر تعقيدا وأكبر حجما دون تغيير تخصصي، وأراهن في ذلك على التطوّر، خاصّة بالشق الأكاديمي الخاص بهذا المجال الذي يشهد مستجدّات في كل لحظة وحين".