عانق التهامي أخ العرب الحياة بمدينة مكناس، وبها تدرّج ضمن أسلاك التعليم المختلفة، وصولا إلى كلية العلوم القانونيّة التي تخرّج منها بشهادة إجازة في الحقوق، لكنّه ارتأى لنفسه مسارا خارج الوطن، يشقّ من خلاله مستقبله ضمن مراحل مختلفة ومتباينة، وصولا إلى ممارسته مهنة المحاماة بقلب العاصمة الإسبانيّة مدريد.
اختيار الهجرة
بعد إتمامه لدراسته بسلكيّ العلوم القانونيّة بمكناس، سنة 1999، أصرّ التهامي على إكمال مشواره بتخصص أكاديمي وسط إحدى الجامعات خارج المغرب، خاصّة وأن استمراره بالدراسة العليا وسط البلاد لم تكن بالسلاسة التي تخيلها لسنوات عديدة.
وقد حاول أخ العرب البحث عن جامعة إنجليزيّة يستطيع الالتحاق بها، غير أن مؤهلاته اللغوية دفعته لمراجعة حساباته، وساند خياره بالالتحاق بإسبانيا تمكّن صديق له من تسجيله في كليّة مدريديّة، زيادة على تكفّل أخيه، المستقر بالمملكة الإبيريّة، بكافّة الجوانب الإدارية التي تقتضي التوفر على ضمانة مالية من أجل نيل ترخيص بالدراسة وفق التراب الإسبانيّ.
إشكالا اللغة والمال
لم تكن اللغة الإسبانيّة للتهامي أفضل حالا من حديثه بالإنجليزيّة، بل كانت أسوء.. وهو ما أثرّ على انطلاقته في تلقّي الدروس التي تقتضي التمكّن من مصطلحات دقيقة، وبالرغم من تلقيه دروسا في الإسبانيّة لـ6 أشهر إلاّ أن أخ العرب كان مضطرا لتغيير تخصّصه بالتوجه صوب الدراسات العربيّة الإسلاميّة، وتحديدا نحو الدراسات الدوليّة المتوسطّية التي كانت تعنَى بشؤون المنطقة وتعرف وجود أساتذة متحدّثين بالعربية والفرنسيّة التي يتقنهما التهامي.
واصطدم أخ العرب أيضا بما تقتضيه المسيرة الدراسيّة في الهجرة من ضرورة التوفر على مورد ماليّ قار يجعل الالتزام بالحاجيات المعيشيّة والتكوينيّة أمرا محققا بسلاسة.. خاصّة وأن وضعيّته كطالب لم تكن تسمح له، قانونيا، إلاّ بالاشتغال لـ4 ساعات يوميّة في مجال تخصّصه.. ما يعني عطالة دائمة في حالته التي غابت عنها أي منحة.. وقد كان التهامي يقدم، كما أبناء جيله من المغتربين لأجل التعلّم بإسبانيا، يقضي العطلة الصيفيّة وسط مهن موسميّة، موفرا بعض المال لضمان سير الدراسة بطريقة عاديَة عند استهلال الموسم.
تصحيح المسار
بعد أعوام من التحصيل، غيّر التهامي أخ العرب وثائقه الإسبانيّة ليتحوّل من طالب إلى عامل، كما بذل مجهودا كبيرا للتوفيق بين الوضعيّتين، خاصّة وأنّه أضحى ملزما بمراكمة مساهمات لدى صندوق الضمان الاجتماعيّ الإسبانيّ من أجل ضمان تجديد بطاقة إقامته.
فور الإعلان عن برنامج دراسي يهمّ الهجرة وعلاقاتها، بين المغرب وإسبانبا، بجامعة قادس، حتّى عمد التهامي إلى مراجعة مساره.. وقد نجح في الخروج من هذا المسلك الجامعي بدبلوم للدراسات العليا المعمّقة عن بحث طال مراكز الأجانب المقيمين بطريقة غير قانونيّة في إسبانيا ومدى موافقتها للتشريعات الحقوقيّة، ثمّ افرد تركيزه للعمل على أطروحة تتعلّق بقانون الهجرة المغربيّ، الصادر عام 2003، من نظرة حقوقيّة.
التزامات مهنيّة
سبق لابن مدينة مكناس أن راكم عددا من التجارب عبر اشتغاله ضمن المجال الاجتماعي المرتبط بالهجرة وإشكالاتها التنظيريّة والواقعيّة، حيث كان مربيا اجتماعيا لثلاث سنوات بمركز لإقامة المهاجرين القاصرين غير النظاميّين، وقد أثر هذا العمل على نفسيته إلى حدّ اتخاذه قرارا بالتخلي عنه عقب 36 شهرا من الممارسة الميدانيّة.. كما التحق بعدد من المصالح البلديّة بصفته كوسيط اجتماعيّ مكلّف بمساعدة الذين لا يتقنون اللغة الإسبانيَّة على معالجة حاجياتهم الإداريّة.
ويقول التهامي إنّه خاض تجربة جميلة حين عمل وسيطا اجتماعي في مكتبة مدريديّة بغرض جلب الأجانب لفضاء القراءة، حيث كان مكلّفا بكسر حاجز الخوف بينهم وبين مكتبات كان يُتخيّل أنّها حكر على الإسبان.. "لقد استمرّ ذلك لعامين اثنين، وقد كان أمرا رائعا.. بعدها عملت ضمن مدارس لتقديم دروس دعم للتلاميذ القادمين من المغرب دون إتقان الإسبانيّة، تماما كما كان حالي حين وفودي إلى هذا البلد، لكنّ هذا المشروع توقّف بعد تفشي الأزمة الاقتصاديّة بأوروبّا، وذد دخلت في عطالة عقبها" يورد أخ العرب.
نجاح التهامي ضمن امتحانات معادلة شهادة الإجازة المغربيّة، التي كان قد تحصّل عليها بمكناس، جعلته ينجح في رهاناته بحلول العام 2011، حيث جعله هذا الإجراء معترفا بمساره الأكاديميّ كلّه.. ليتوجّه صوب نقابة المحامين ويفلح في تسجيل اسمه بها كي يغدو محاميا ويتخصص في قضايا الهجرة.