رغم أن عمره لم يتجاوز 18 عاما إلا أنه صار حدثا شعريا مدويا ومصدرا لإثراء مشهد الأدب الدنماركي. لكن ردود الفعل على أشعار الشاب يحيى حسن، الدنماركي المولد العربي الأصل، لم تقتصر على الإعجاب بموهبته الشعرية فحسب بل تجاوزتها إلى انتقادات شديدة واتهامات بتعزيز الأفكار المسبقة عن الأجانب والعرب والمسلمين في الدنمارك. دانييل باكس يرصد لموقع قنطرة الأصداء المختلفة لأعمال الشاعر الصغير في السن يحيى حسن.
إنه بالطبع أنجح باكورة أعمال شاعر شاب في تاريخ الأدب الدنماركي، إذ باع الديوان الشعري ليحيى حسن أكثر من مائة ألف نسخة منذ صدوره خريف عام 2013 وهو أمر مذهل في بلد لا يتجاوز عدد سكانه خمسة ملايين نسمة ولا تزيد فيه الطبعة الأولى للدواوين الشعرية على 400 نسخة، وتوضع الروايات التي تبيع ثلاثة آلاف نسخة على قائمة أفضل الكتب مبيعا.
الأكثر غرابة أيضا أن يحيى عمره 18 عاما فقط وولد لأبوين فلسطينين لاجئين في مدينة آرهوس الدنماركية الساحلية وتحديدا في حي غيلروب، ذي المباني الجديدة، المعروف بأنه حي مليء بالمشكلات وليس البيئة المناسبة لأديب ناشئ.
صار الحي الواقع على أطراف ثاني أكبر المدن الدنماركية بمثابة "غيتو" للمهاجرين، وفقا لما جاء في الكتاب: ينحدر معظم سكان غيلروب من فلسطين وتركيا والصومال والعراق وتسيطر على الحي مشكلات الفقر والبطالة ومعدلات الجريمة المرتفعة.
"لم يكن لدينا خطة"
يحيى حسن أيضا سرق ودخن المواد المخدرة وأحيل إلى القضاء في بعض الجنح كما قضى قسطا كبيرا من مراهقته في وحدات الرعاية وإعادة التأهيل قبل أن يلمع نجمه في عالم الأدب بين ليلة وضحاها. توقيت وكيفية بداية يحيى في الكتابة غير واضحة لكن يقال إن معلمة، كان على علاقة معها، هي التي شجعته. ألمح حسن إلى هذا الأمر في قصيدة "نقطة الاتصال"، كما أن المرأة نفسها كتبت رواية عن هذه العلاقة. وباع ديوان يحيى حسن أكثر من مائة ألف نسخة في الدنمارك خلال فترة زمنية قصيرة.
قدم حسن الترجمة الألمانية لأشعاره في معرض لايبتسيغ للكتاب في ألمانيا وظهر مرتديا نظارة شمسية وسترة وبخصلات شعر طويلة مربوطة إلى الخلف، وقال وقتها في المقابلات الإعلامية إنه شارك في ورش عمل خاصة بموسيقى الراب عندما كان في الثالثة عشرة من عمره وكتب أولى النصوص في هذا العمر لكنه أدرك سريعا سطحية هذا النوع الفني وارتباطه بقوالب جاهزة لذا قرر الانتقال إلى الشعر.
يستخدم يحيى حسن الجمل القصيرة الواضحة المكتوبة بحروف كبيرة والتي تشبه شعر الهايكو الياباني، تكسوها أحيانا خفة ظل مخلوطة بالمرارة ويتناول بهذه الطريقة قضايا مثل الرياء الديني والجرائم البسيطة وأقدار الناس في أماكن عيش المهاجرين، فنجد قصة الأب الذي يظهر بصورة الرجل الورع في حين يضرب أطفاله في المنزل ثم تهجره زوجته وبالتالي يتحول الأبناء إلى "أصحاب البشرة والشعر الداكن في غيلروب"، كما يسميهم يحيى وهم الشباب الذين يتورطون في السرقات والإدمان بشكل لا يحترم الدولة الدنماركية التي تتسم بالرفاهية.
أحيانا يقلد يحيى حسن اللغة العامية للمهاجرين ويستخدم لغة دنماركية غير صحيحة تماما علاوة على استخدامه للغة الشارع المليئة بالألفاظ النابية واللعنات وهو ما يظهر في عناوين بعض أشعار حسن ومنها: "السطو"، "الهراوة"، "الإصلاحية السابعة" علاوة على عناوين مثل "عيد الأضحى" و "دليلك في الغيتو".
تنص إحدى القصائد على عبارات مثل: "قريبتي تؤمن بالصلات العائلية أما زوجها فيؤمن بالكازينو/ باقي الرجال يؤمنون بالمال في اليد". تصلح بعض الجمل في أشعار يحيى حسن كحكم حياتية مثل هذه العبارة: "لم يكن لدينا خطة، فالله يخطط لنا".
كثافة لغوية
يعبر يحيى حسن عن الحكايات القصيرة أو الحلقات في أبيات قصيرة. تظهر السيرة الذاتية لحسن بقوة في أشعاره التي تحمل غزارة الشعر الشعبي وقوة قذيفة راب غاضبة ويأس صلوات لحظات الخوف والهلع. بعض المتابعين لأعمال حسن يرون أن شكل عرض الأفكار السجعي والمقفى يذكرهم بعض الشيء بأسلوب المؤذن.
أقوى الأجزاء هي تلك التي يتحدث فيها حسن عن والده وأسلوب تربيته ومنها ما جاء في نص "الألواح الخشبية": "لم يقل حبيبي/ كان يتكلم بالأيدي والأقدام/ يقطع الكتلة الخشبية إلى ألواح". قلما تم التعبير عن منطقية العنف المنزلي بهذا الوضوح ومع ذلك ظلت مشاعر الابن متباينة وهو ما اتضح في نص "أب لابن لم يولد: "ربما كنت أحببتك لو كنت والدك وليس ولدك" كما يكشف في مواقع أخرى عن أمنيته في أن يكون الأب أكثر من مجرد "لاجئ بذقن طويل وملابس رياضية" كما تراه عيون باقي الدنماركيين.
أصوات من هامش المجتمع
يعيد هذا الغضب وتلك القوة الهائلة لصرخة الحنق، إلى الذاكرة، الشاعر فريدون زعيم أوغلو التركي الذي نشأ في ألمانيا وأصدر أول أعماله عام 1995 وأعطى من خلاله منصة الحديث لعاطلين وقوادين ومغني راب ومتطرفين إسلامويين وصاغ كلامهم بطريقة غير معتادة. وحمل العمل اسم "24 صوت نشاز من هامش المجتمع".
وصف حسن للعمق التاريخي لعائلته يذكر بكتاب "حياة أبي البائسة، حياة أمي البائسة، وفترة صباي البائسة" للصحفي والكاتب الألماني أندرياس ألتمان، والذي يصف فيه بطريقة أدبية حياة مليئة بالذل والإساءة في منطقة ألتوتينغ، المتمتعة بالرفاهية، في ولاية بافاريا الألمانية في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
تأثر يحيى حسن بشكل عام بكتاب اهتموا برصد الجوانب المظلمة للنفس البشرية مثل، الكاتب الروسي فيودور دوستويفسكي والسيرة الذاتية المثيرة للجدل للأديب النرويجي كارل أوفه كناوسغارد والشاعر الدنماركي مايكل سرونغه الذي انتحر عام 1986.
بُعد سياسي؟
الجودة الأدبية الواضحة ليست السبب الوحيد لنجاح أول أعمال يحي حسن، إذ لا يمكن فهم هذا النجاح دون النظر إلى المناقشات التي تجري حول مسألة الهجرة والتي شهدت حدة واضحة في الدنمارك تحديدا لم تشهدها أي دولة أخرى في أوروبا.
وقد مثّل حزب الشعب الدنماركي اليميني الشعبوي، الذي يناهض الهجرة ويحرض ضد المسلمين ويعتبرهم خطرا على الثقافة الوطنية، الدعامة الثابتة لحكومة أقلية محافظة في الفترة بين عامي 2001 و 2011 وبالتالي ساهم في تمرير أحد أكثر قوانين المهاجرين صرامة في أوروبا.
زادت حدة الوضع عام 2005 إثر نشر الرسوم الكاركاتورية المسيئة للنبي محمد. وأحد رسامي هذه الرسوم الكاريكاتورية هو كورت فيسترغارد، الذي تعرض لمحاولة اغتيال عام 2010، والمنحدر من آرهوس: وهو نفس المكان الذي نشأ فيه يحيى حسن، الأمر الذي يضيف سببا يستحق التساؤل حول الحماس الهيستيري الذي يلاقيه الشاب الدنماركي الفلسطيني في موطنه.
وبالرغم من أن يحيى حسن لا يرغب أن يتم النظر إليه من منظور سياسي وإنما كشاعر فقط إلا أن كتابه يقدم للطبقة البرغوازية المتعلمة صورا مفزعة عن حياة الغيتو، وبهذا يؤكد للبعض الصور النمطية الموجودة في أذهانهم عن طريقة عيش المهاجرين المسلمين.
ساهمت دار النشر المسؤولة عن يحيى حسن، في زيادة سوء التفاهم من خلال تقديمها للشاعر الشاب كمحطم للتابوهات. وكانت أول مقابلة صحفية لحسن مع صحيفة "بوليتيكين" اليسارية الليبرالية الأكبر في الدنمارك، وأثارت الكثير من الجدل إذ كانت بمثابة الهجوم الشديد على أول جيل من المهاجرين في الدنمارك.
وقال حسن في المقابلة: "نحن، الذين نترك المدرسة ونتحول إلى الإجرام ونصبح عديمي الجدوى، لم نتعرض لخيانة من نظام الدولة ولكن من والدينا". أزال هذا التصريح حملا ثقيلا عن عاتق بعض الدنماركيين المتشككين في فاعلية نظام بلدهم، لكن ما تم تجاهله هو أن هذه الأشعار يمكن أن تـُقرأ أيضا كشكوى من قِبَل المؤسسات ودور الرعاية الدنماركية والعاملين في المجال الاجتماعي.
تصريحات مثيرة للغضب
يقلل يحيى حسن من الأعذار التي يلجأ إليها بعض المهاجرين لتبرير فشلهم كما يرفض تطرف الإسلامويين واليمنيين المتطرفين على حد سواء إذ يصف كلا المجموعتين بأنهما "ظاهرتان لمتطرفين يرغبون في وضع المجتمع كرهينة تحت قبضتهم". لاشك في صحة هذا الرأي لكن هذا لا يمنع أن اللقاءت الصحفية والتليفزيونية لحسن لم تخلُ من التعميم الذي يعزز من الأحكام المسبقة في حق المسلمين الدنماركيين ومنها ميلهم إلى العنف وكسلهم، ورغبتهم في استغلال الدولة ماديا.
جعلت هذه التصريحات من حسن شخصية مكروهة في بعض المجتمعات وتسببت في جعله لا يتحرك دون حماية شخصية لاسيما بعد تلقيه تهديدات بالقتل وتعرضه لهجوم من أحد الأشخاص في محطة قطارات كوبنهاغن العام الماضي 2013.
وبالرغم من هذه الحراسة تعرض حسن لاعتداء من مجهولين عندما سافر لإلقاء شعره في ندوة في الضفة الغربية مطلع حزيران/ يونيو 2014 في رام الله، وبعد هذه الواقعة بأسابيع قليلة قوبلت محاولته الدخول لافتتاح المسجد المركزي الجديد في كوبنهاغن، بالرفض علاوة على التعبيرات اللفظية الرافضة له. وتقدم سياسي محلي (اسمه محمد سوليبان) من آرهوس بتقديم بلاغ ضد حسن، إذ رأى أن نظرته التعميمية لبعض الأحياء مثل غيلروب، تعد عنصرية.
لا ينبغي أن تأخذنا كل هذه الظروف بعيدا عن حقيقة أن يحيى حسن موهبة كبيرة وأنه لا يجب وضع كل تصريحاته الإعلامية على ميزان الذهب، مع الوضع في الاعتبار أنه مازال في الثامنة عشر فقط من العمر وأشعاره قائمة بذاتها.