خلافا للجاليات الاجنبية التي غادرت ليبيا بأعداد كبيرة جراء الأوضاع الامنية والسياسية الصعبة ، آثرت فئات واسعة من الجالية المغربية المكوث ومواصلة رحلة الاغتراب في هذا القطر الشقيق الذي انصهرت في نسيجه الاجتماعي ونسجت فيه علاقات ذات عمق انساني ورفيع.
وقد أكسبت المكانة الرفيعة التي تحظى بها الجالية المغربية لدى مختلف الشرائح الاجتماعية في ليبيا والتي لم تنل منها تقلبات الاوضاع السياسية والامنية، المقيمين المغاربة قدرة على التكيف مع الازمات والشدائد التي مرت بها البلاد ولاسيما بالنسبة لأسر مضى على وجودها في ليبيا أزيد من ثلاثة عقود وشاطرت خلالها الليبيين المعاناة في فترة الحصار الجوي سنوات التسعينيات واحداث سنة 2011 والاحداث المتتالية على مدى السنوات الثلاث التي أعقبت ثورة 17 فبراير.
وتكفي جولة في حي "قرقارش" وسط العاصمة الليبية الذي شكل على مر السنين مستقرا لمئات الاسر المغربية ليلحظ الزائر وخاصة لمقهى (الجردينة/ الحديقة) بفضائه الفسيح، التواجد المهم لأفراد الجالية المغربية المشكلة اساسا من الصناع والحرفيين والمهنيين في مجال الخدمات والذين لا يفكرون قط في المغادرة ولهم في ذلك أسباب ودواعي وحكايات.
ويقر محمد العريبي (صاحب ورشة لإصلاح السيارات) حل بمنطقة (غريان) في سبعينيات القرن الماضي قبل أن يطيب له المقام في طرابلس، بصعوبة العودة بعد كل هذه السنوات "أيا كانت الظروف" مؤكدا أن الامر نفسه ينسحب على أبنائه الذين درسوا في ليبيا وكونوا أسرهم به ونجحوا في مجالات عملهم.
أما بالنسبة للمخاطر الامنية التي حملت الجاليات الاخرى على المغادرة فيقول العريبي الذي بلغ عقده السادس "ما يسري علينا يسري على أهل البلد الذين تقاسمنا معه على مر السنين فترات الشدة والرخاء وأحاطونا بالرعاية وحسن المعاملة وكسبنا معهم لقمة العيش بعز وكرامة".
ويجزم العريبي بأن الجالية المغربية تعد الاكثر اندماجا في المجتمع الليبي لما تحلت به على الدوام من خصال انسانية رفيعة وكفاءة في العمل أكسبتها سمعة طبية لدى المشغلين في مختلف المجالات ومكنتها بالمقابل من تحصيل عائد مالي يفوق بكثير ما يمكن ان تتقاضاه في المغرب.
ولا يختلف الامر بالنسبة لجواد باهي وهو حرفي في مجال النقش على الجبص ينحدر من مدينة بنسليمان إذ يؤكد أنه لم يغادر البلد لأن فرص العمل المتوفرة والعائد المالي الذي يكسبه يمكنانه بالكاد من الايفاء بالزاماته تجاه أسرته المعوزة وادخار قسط من المال.
وتختزل هذه الشهادات وغيرها لأفراد الجالية المغربية الذين ينحدر العديدون منهم من مناطق نائية في المغرب ومن شرائح "هشة" اجتماعيا حقيقة أن الهواجس الامنية تأتي في مرتبة أدنى من تأمين سبل العيش الكريم في البلد الام حين الرجوع. ولعل هذا المعطى هو الذي يفسر استمرار توافد المغاربة على ليبيا بالرغم من عدم استقرار الاوضاع بها.
وبخصوص أعداد المغاربة الذين غادروا ليبيا في الآونة لاخيرة أفاد السيد علي لمسيلي القائم بأعمال السفارة المغربية في طرابلس،بالنيابة، بأنها تظل محدودة مسجلا أن أغلب المغادرين هم من فئة الشباب الذين التحقوا حديثا بليبيا وصعب عليهم التكيف مع أوضاع لم يعهدوها من قبل أو ممن ل ايتوفرون على وثائق إقامة قانونية أو أغلقت المؤسسات المشغلة لهم لاسيما تلك التي تتواجد في نطاق المواجهات المسلحة مما أدى الى عطالتهم.
عن وكالة المغرب العربي للأنباء