الخميس، 04 يوليوز 2024 02:18

بشرى المروني .. مهندسَة رفضت التخلّي عن جنسيتها المغربيّة بإيطاليا

الجمعة, 06 فبراير 2015

تعدّ بشرَى المروني واحدة من ثلّة المهندسين المعماريّين الباصمين على النجاح ضمن مسيرتهم وسط مدينة ميلانُو الإيطاليّة، إذ تأتّى لها ذلك بفضل إبداعها المميّز بمزاوجتها بين التكوين الأكاديمي النظري، الذي تلقته خلال مسارها الدراسي العالي، والإلمام بفنون العيش الكونيّة التي انفتحت عليها ضمن مراكماتها لتجارب حياتيّة طيلة العقود الأربعة الماضية.

وتفتخر المروني بانتمائها للمغرب حدّ الانتشاء، مقرّة كلّما تأتّت لها الفرصة، رغم تجربة الهجرة التي انخرطت ضمنها منذ صغر سنّها،بأنّ جذورها ما تزال مغربيّة.. ما جعلها، حين تقدّمها بطلب الجنسية الإيطاليّة لدوافع مهنيّة صرفة، ترفض ما أقدمت عليه سلطات البلد المضيف من مطالبتها بالتخلّي عن جنسيتها المغربيّة.

تجمّع أسري

التحقت بشرى المروني بمدينة ميلانو الإيطاليّة عام 1977، وقد كانت وقتها في ربيعها السادس من العمر.. وجاء ذلك حين التحاقها بوالديها الشادّيْن الرحال للبلد الأوروبي قبل سنوات قليلة من وفودها.. وبذات الحاضرة الكائنة بشمال إيطاليَا تلقّت بشرى تعليمها، إلى أن تخرّحت مهندسَة معماريّة بمشوار توّجت من خلالها عشق الكبير لكل ما له صلة بالفن والابداع.

وتقول المروني إنّها تواظب، مؤخرا، على تلقِّي دروس في التواصل باللغة العربيّة.. حيث جاءت هذه البادرة الذاتية منها بغرض سدّ خصاص طال مداركها تجاه فك رموز هذا اللسان، إذ أضحت مصرّة على التمكّن من قراءة خطوط هذه اللغة.. معتبرَة أن انتماءها للمغرب لا يتماشَى مع عجز رافقها تجاه التعامل كتابة مع العربيّة، ولهذا أقبلت على نيل دروس طوعية تتخطى بها الخلل وتعاود معانقة جزء من هويتها الأصليّة.. وإن كان هذا التعاطي قد همّها في وقت متأخر، وفق تعبير بشرى، فإنها تدفع كمبرر لذلك بكون التعلّم لا عُمر له.

تخصص بالهندسة

عند التحاق المروني بالسلك الثانوي لم تتردّد في الاتحاق بدراسة الفنّ، مستثمرة في ذلك ولعها الشديد بالرسم والإبداع الذي لازمها طيلة سنوات طفولَها.. وبعدها نجحت بسلاسة في ولوج كلية الهندسة لمدينة ميلانو، وتخرجت منها متخصصة بفنون المعمار عقب استكمال سنين التكوين الأكاديمي.

وتقول بشرى المروني إن أول اتصال لها بالعمل الميداني قد كان من خلال مكتب هندسة كبير، بذات المدينة التي نشأت بها، ويضمّ فريقا ضخما من 60 مهندسا ونيف.. وتضيف بشرى لهسبريس: "كنت واحدة من هذا الفريق الكبير، وقد أشرفت على مشاريع عدّة رأت النور، تماما كما كان كل واحد من المجموعة يعمل على مشروع يخصص له وقته بالكامل حتى الفراغ منه.. واستمرّت هذه التجربة لـ10 سنوات بالتمام".

أنشأت ذات المغربيّة، قبل خمسة أعوام من الآن، مقاولة هندسيّة بمعيّة متخصصة أخرى ضمن نفس المجال، ويتعلق المعطى بشريكة إيطالية سبق ان جاورت المروني بذات موقها المهني السابق.. حيث رامت الاثنتان تطوير أدائهما المهني بعمل لحسابهما الخاصّ.. وكان أن تخصصت بشرى، ضمن إطار الاشتغال الجديد المستقل نسبيا، بالهندسة التي تعني الباحات الداخلية من الفضاءات العمرانيّة.

"قمنا بعقد شراكَة مع مهندس إيطالي معروف للغاية بوسع نطاق اشتغاله وظفره بصفقات كبيرة وعديدة، وقد استفدنا من هذا التعاون ضمن المكتب الهندسي الذي ساهمت في تأسيسه، مع تخصصي ضمن إعادة تأهيل الفضاءات الداخليّة للتصاميم الهندسيّة، وتحديدا البنايات القديمة التي يرام تجديد حيزها الداخلي بلمسات عصرنة" تورد المروني.

وقبل عامين اتخذت ذات المهندسة اللجوء إلى العمل لحسابها الخاصّ، وذلك بنيّة ضبط إيقاع أدائها وسط التزاماتها المتعدّدة التي تشكّل رعاية أسرتها موقعا مفصليا وسطها.. معلنة بأن هذا الخيار الذي لجأت إليه عن اقتناع هو السبيل الأفضل للمزاوجة بين عطائها المهنيّ، من جهة، واستمتاعها بالحياة وما يعمّها من سفر وتجوال وتعرف على ربوع العالم التي من بينها المغرب، من جهة ثانية.

افتخار بتَمغرَابِيت

حنين جارف يمس وجدان بشرى المروني تجاه وطنها الأم المغرب وهي تقول: "أشتاق دوما إلى بلدي رغم أنّي لا أعرفه بشكل جيّد".. وتضيف ضمن ذات السياق لهسبريس: "في كل مرّة أعاود اكتشاف المغرب ومميّزاته، وهذا يسعدني للغاية بفعل فراقي له قبل 38 سنة حتّى الآن، فأنا أستمتع بتواصلي بلساني الامّ وأنا أتجوّل بالمغرب الذي لا أتردد في زيارته كلّما سنحت لي الفرصة".

بشرَى كانت على وشك العودة إلى المملكة عبر بوابة العمل الهندسي، وذلك بعد تقديمها لطلب همّ عرض اشتغال كشفت عنه مقاولة في المجال تستقر بمراكش ويملكها مهندس فرنسي جزائري، غير أن سير النقاش بين الطرفين لم يغرِ المروني وهي ترَى أن إيقاع العمل المستطيل على الأيام كلّها سيؤثر على عطائها تجاه باقي التزاماتها.. "كانت هذه فرصة لي من أجل الاستقرار ببلدي، لكنّ ذلك لم يتمّ عمليا رغم ميلي الوجداني لتحقيق ذلك" وفق تعبير ذات المغربيّة ضمن تواصلها مع هسبريس بميلانو.

وبشأن تفصيل هام يهم حياتها ويقترن بهويتها المغربي تضيف المروني: "لا أنكر أنّي أحسّ بكوني إيطاليّة أيضا، وذلك بفعل طول مقامي بالبلد وتوافق إيقاع حياتي مع ما هو مألوف بمجتمعه، ولا أحس باغتراب هنا بالرغم من احتفالي بمغربيّتي أكثر من كل شيء.. وهنا أتذكّر حين طلبت منّي السلطات الإيطاليّة التخلي عن جنسيتي المغربيّة كي أنال أغدو مواطنة لبلد إقامتي، وهو ما قابلته بالرفض".

وعن النازلة تذكر بشرى أن تخرّجها للعمل كمهندسَة، وبواقع تصنيفها كأجنبيّة وسط إيطاليا، كان يتم وسط منعها من توقيع التصاميم الهندسيّة بقوّة القانون الذي يحتكر هذا الإجراء للإيطاليّين دون سواهم.. "قبل زواجي، منذ ما يزيد عن 15 سنة من الأن، تقدّمت بطلب لكي أنال الجنسية الإيطالية، وذلك بفعل عوامل مهنيّة بالنظر لتوفري على بطاقة إقامة طويلة الأمد، لكنّ السلطات الإيطاليّة اشترطت عليّ التنازل عن جنسيّتي المغربيّة، فواجهت ذلك بالرفض التام.. وعقب تمسّكي بحقّي في نيل ما أبتغي تحقق ذلك، مع استمراري في حمل جنسيتي الأصلية التي أعتزّ بها".

طموح لا يشيخ

تقرّ بشرى المروني بتحقيقها جزء من طموحاتها، ذلك أنّها ترى الطموحات تتجدّد مع توالي السنين المُعاشَة.. وتورد نفس المغربيّة الإيطاليّة أن ما حققته يقترن جله بما حلمت به في أوائل مرحلة الشباب، وتزيد: "ما تزال لدي أفكار مهنيّة عديدة أرغب في تحقيقها، وأخرَى تغاضيت عن العمل من أجل البصم عليها بفعل التعديلات التي مسّتها وجعلتها غير هامَّة بالنسبة لي كما لمحيطي".

المروني ترفض الاشتغال خارج إيطاليا، وميلانُو تحديدا.. إذ لا تغريها عروض العمل بدول الخليج بالرغم من الأرقام المالية الكبيرة التي ترافقها.. لكنّ إمكانية الأداء المهني بالهندسة المعمارية وسط المغرب تستميلها عند كلّ مناسبة يذكر فيها اسم بلدها الأصلي.

"لا أعرف ما أريده مستقبلا بتحديد بالغ، لكنِّي أعي أن بلدي المغرب قد أصبح قرينا بالتطور وسط الفاعلين الماليين الإيطاليّين عقب الأزمة التي همّت البلد هنا.. وشخصيا أعرف عددا من أصدقائي قد انتقلوا نحو المغرب، وهم ناجحون وسطه بفعل الحظوظ المستقبلية التي يوفرها" تقول بشرى.

المهندسة المغربيّة، وضمن تعاطيها بالنصح مع أحلام الشباب المغربي الحالم بالهجرة لتحقيق الأحلام، تقول إن كل الأفكار ينبغي أن يتم ربح الوقت كلّه من أجل العمل على تحقيقها.. وتسترسل بذات السياق: "كانت أبواب الهجرة، خلال الماضي، توفر كل الإمكانيات، كما انّها ما تزال توفر معظمها بالرغم من ضيق الظرفية الحاليّة، لكنّ المغرب يتيح ذلك أيضا، ولاكتشاف ذلك ينبغي البحث عن الفرص المتوفرة بعيدا عن الهوس بالرحيل صوب الخارج.. فأنا أرى أن تحقيق الذات وسط الوطن لا يعادله أي نجاح آخر".

عن موقع هسبريس

مختارات

Google+ Google+